الحرب على "الإرهاب".. حصاد السنين الخمس
نيويورك/واشنطن/عواصم:نكست أمس الأعلام بالولايات المتحدة والتزم الأميركيون الصمت واستذكروا ثلاثة آلاف شخص قتلوا في هجمات 11 سبتمبر 2001 عندما أفاقت بلادهم على أربع طائرات مختطفة ضربت رموز القوة الاقتصادية والعسكرية فيها. ووقف الرئيس جورج بوش وزوجته لورا بنيويورك أمام ما تبقى من برجي التجارة العالمي في مانهاتن, والتزم مع مئات من سكان المدينة وأقارب الضحايا دقيقة صمت لتذكر اللحظة (8.46 بتوقيت غرينيتش) التي صدمت فيها طائرة ركاب البرج الشمالي, لتهوي به وبطمأنينة أميركية استمرت عقودا بأن أميركا بلد آمن لا يمكن الوصول إليه.ثلاث دقائق أخرى صمت خلالها الأميركيون مستحضرين الطائرة الثانية التي ضربت البرج الجنوبي والثالثة التي هوت في أحد حقول شانكسفيل بولاية بنسلفانيا بعد مقاومة ركابها والرابعة التي ضربت البنتاغون. ووقف بوش وأمامه باب هو ما تبقى من شاحنة إطفاء دمرت في ذلك اليوم, مستمعا إلى أسماء من لقوا مصرعهم بالهجمات التي تأتي ذكراها وسط انقسام شديد حول ثمن الحرب على الإرهاب, حتى وإن اعتبر نصف الأميركيين أن بلادهم أصبحت أكثر أمنا من قبل, حسب استطلاع لقناة ABC.ففي استطلاع للراي قال نصف الأميركيين إنهم يشعرون أن ثمن الحرب على الإرهاب ربما كان باهظا أكثر من اللازم بسبب ارتفاع الكلفة البشرية للحرب بالعراق وأفغانستان, إضافة إلى انهيار كل النظريات "الجمهورية" التي كانت تربط الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بزعيم القاعدة أسامة بن لادن, في ضوء تقرير من مجلس النواب ينفي هذه الصلات. ليس هناك إقرار أميركي بالفشل بمحاربة الإرهاب, ورغم ذلك لا يمكن حسب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية مايكل هايدن الحديث عن النصر, في حرب قال عنها بوش إنها "حرب أيديولوجية أشبه بالحرب الباردة", وإن أقر بأن هناك شيئا يجعل زعيم القاعدة أسامة بن لادن قادرا على تجنيد "انتحارييه" اسمه اليأس. وقد أحدثت هجمات الحادي عشر من سبتمبر صدمة كبيرة في الولايات المتحدة إلى درجة دفعت الكثير من الأميركيين إلى اعتبار أبعاد هذا الحدث أهم وأخطر من الأبعاد التي تركها الهجوم الياباني على الأسطول الأميركي في بيرل هاربر في السابع من ديسمبر 1941.ومثلما أدى الهجوم على بيرل هاربر - الذي أسفر عن مقتل 2300 من الجنود الأميركيين وإغراق أو تدمير 19 سفينة وبارجة حربية - إلى تغيير مجرى التاريخ الحديث وإرغام الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية، فإن هجمات سبتمبر على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، والتي راح ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف شخص، أعادت دورة التاريخ على نحو أقسى لأنها استهدفت رموز الهيبة الأميركية الاقتصادية والعسكرية.وكانت هذه الهجمات إيذانا ببدء الحرب العالمية على الإرهاب. وتصدرت هذه الحرب أجندة سياسة الرئيس الأميركي جورج بوش، وشكلت انعطافة خطيرة وغير مسبوقة في التاريخ لكونها حربا غير واضحة المعالم.وبدأت هذه الحرب داخليا بالقاء القبض على الآلاف من الأشخاص منهم الكثير من المواطنين الأميركيين من أصول شرق أوسطية، وجرت معظم الاعتقالات بصورة غير معهودة في القوانين الجنائية الأميركية إذ لم يتمتع المشبوهون بحق التمثيل القانوني لهم من قبل محامين.ورغم صعوبة تحديد ساحة محددة للحرب على الإرهاب في الجبهة الخارجية.استهلت الولايات المتحدة حربها على ما تسميه الإرهاب بغزو أفغانستان في أكتوبر2001 لإيواء حركة طالبان الحاكمة آنذاك زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المتهم بالوقوف وراء هجمات سبتمبر. وقد نجحت هذه الحملة بالإطاحة بحكومة طالبان وتنصيب حكومة موالية لواشنطن برئاسة حامد كرزاي.ثم بدأت الجولة العسكرية الثانية من الحرب على الإرهاب والتي عرفت بغزو العراق في مارس 2003، وكانت في إطار ما عرف بالحرب الوقائية بزعم وجود أسلحة دمار شامل في هذا البلد ووجود صلات بينه وبين تنظيم القاعدة. وقد كشفت الوقائع بعد ذلك زيف هذه التبريرات.ورغم نجاح هذه الحرب في الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ونظامه، فإنها كانت أيضا سببا في تحول العراق إلى مركز جذب لعناصر تنظيم القاعدة. وهكذا تحول هذا البلد منذ احتلاله في ربيع 2003 إلى ساحة مواجهة رئيسية بين الولايات المتحدة والقاعدة.وقد تمكنت القوات الأميركية خلال هذه المواجهة من قتل وأسر العديد من قياديي هذا التنظيم، ومن أبرزهم زعيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في غارة أميركية على مخبأ له قرب مدينة بعقوبة شمال شرق بغداد في السابع من يونيو 2006. وتكبدت هذه القوات في المقابل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.الحملة الأميركية على أفغانستان والعراق تزامنت مع حملة أخرى غير مسبوقة ضد قياديي القاعدة والتنظيمات المتحالفة معها في جميع أنحاء العالم.وقد نجحت الولايات المتحدة في تحقيق بعض "الإنجازات" في هذه الحملة لعل من أبرزها اعتقال قياديين بارزين من القاعدة وترحيلهم إلى معتقل غوانتانامو تمهيدا لمحاكمتهم، ومن بينهم أبو زبيدة المقرب من بن لادن والمسؤول عن التجنيد والعمليات الخارجية للقاعدة وقد اعتقل في باكستان في مارس 2002، ورمزي بن الشيبة الذي يوصف بأنه أحد المشاركين الرئيسيين في هجمات سبتمبر، وقد اعتقل في باكستان يوم 11 سبتمبر 2002، وخالد شيخ محمد الرجل الثالث في القاعدة والعقل المدبر لهجمات سبتمبر، وقد اعتقل في باكستان أيضا في الأول من مارس 2003.غير أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري وزعيم طالبان الملا محمد عمر ما زالوا طلقاء رغم مرور خمسة أعوام على بدء الحملة ووعود بمكافآت مالية تبلغ ملايين الدولارات في حال المساعدة في الإبلاغ عن أماكن اختبائهم.ويرى مراقبون أن أهم ما حققته الحرب على الإرهاب يتمثل في التخلص من نظام طالبان في أفغانستان وتحول باكستان إلى حليف رئيسي للولايات المتحدة في هذه الحرب بعد أن كانت الداعم الرئيسي لطالبان، والإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين، والقضاء على شبكة العالم النووي الباكستاني عبد القادر خان السرية التي زودت دولا تعتبرها واشنطن مارقة بالتقنية النووية، وتخلي ليبيا عن برنامجها النووي.