رغم أن الفرد منا في العالم العربي مسكون بهواجس القلق والتوتر، ورغم أن منطقتنا أكثر مناطق العالم استخداما للمهدئات والمنشطات، حيث المستقبل (الفردي والجمعي) مجهول تماما، فمثلا لا يصيبنا القلق في الطائرات ونحن معلقون في الجو، بينما «يلعب الفار في عبنا» عندما ننزل في مطاراتنا، حيث لا نعرف هل سنخرج أم لا، وأي قضية ستلفق لنا، أو أي اشتباه سيحيط بنا.. رغم كل هذا، في مفاهيمنا السائدة هناك ثقافة الطمأنينة الكاذبة، وأولى أدواتها هي مدرسة «البطيخة الصيفي»، وأكاد أجزم بأنها السبب الرئيسي في فشل العرب في كثير من المجالات المحلية والدولية، الاجتماعية منها والعلمية.فمثلا، عندما تذهب فرقنا الرياضية للمنافسة على كأس العالم لا تتدرب التدريب اللائق لأنها مطمئنة على مستواها وفي بطنها «بطيخة صيفي».. وعندما ذهب غازي القصيبي للمنافسة على مقعد اليونسكو كان يظن أن الأصوات «في جيبه»، أما بطنه فكانت بها «بطيخة أو بطيختان صيفي»، دخل الانتخابات غير مجهز وغير مستعد معتمدا على البطيخة «إللي في بطنه».. فاروق حسني أيضا ذهب إلى باريس وفي بطنه البطيخة بتاعة غازي، وربما بطيخة أكبر. ليس مهما أن نعد العدة لخوض منافساتنا، نحن لا نعد شيئا وليس لدينا سلاح سوى سلاح البطيخة، ليس هذا فحسب، ولكن هناك من يزيد على ذلك، فلا يضع في بطنه بطيخة فقط، وإنما بعد أن يضع صاحبنا البطيخة في بطنه يتمدد جسمه على الكنبة ويتمطى ثم «يضع رجليه في مية باردة»! القصة ليست الأفراد فقط، بل الدول أيضا، فهناك دول يهددها الإرهاب، ودول تنهار مؤسساتها الوطنية أمام عينيها، ومع ذلك تضع في بطنها بطيخة صيفي.أتصور بأن الفرد منا، وأحيانا الدول والجماعات، يضع البطيخة في بطنه ثم يغمس رجليه في الماء البارد ليس لأنه مطمئن، ولكن لأن هناك أكثر من فأر «مش فار واحد» يلعب في عبه، فهو يعيش في وطن لا يمنحه الأمان بكل أشكاله الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ومن هنا يبدو عبثا البحث عن أسباب النجاح والأخذ بها، وتتضخم ظاهرة الإهمال والاتكالية التي التحمت في أجيال كاملة. ظاهرة لا بد من محاربتها إن أردنا أن يكون لنا مكان في هذا العالم، مكان ناتج عن الجهد لا عن البطيخة. البطيخة هي المشكلة. استوقفتني في مصر حركة جيل جديد من الشباب بدأ يؤصل للغة يومية جديدة، عصرية تعكس حياتهم وقيمهم، لا تسلم بالأمثال الشعبية الحاكمة كما هي وإنما تحور فيها ليس للتجويد، ولكن بهدف كسر الهالة التي أحاطت بهذا الكلام مع مرور الزمن. فيقول أحدهم مثلا «إن كان حبيبك عسل متحطلوش طحينة»، أو «القرش الأبيض، يعوم في البحر الأحمر»، «واللي يتلسع من الشوربة، يتصل بالمطافي».. قد ينظر إلى هذا على أنه سخف واستهتار، لكن هذه المحاولات هي بداية طيبة لخلخلة المفاهيم الراكدة التي حكمت حياتنا منذ سنين، الأمثال الشعبية انعكاس حقيقي للثقافة الشعبية السائدة عبر أجيال، وكل الأمم ـ وليس نحن فقط ـ لديها أمثالها الشعبية، ولكن في الأمم المتقدمة كل شيء قابل للنقد والمراجعة وإبداء الرأي حوله من الدستور إلى الفقه إلى التاريخ إلى الفن إلى الأمثال الشعبية، لا شيء هناك أكثر قدسية من حرية التعبير عن الرأي. إذا ما بدأت الخلخلة في المفاهيم الراكدة لدينا، فقد يتبدل الهواء وتتحرك بطوننا قليلا لتسقط البطيخة الصيفي ويخرج الفأر من عبنا. هذه هي بداية التقدم، خلخلة في المفاهيم الراكدة، وكسر «البطيخة الصيفي» على رأس بتوع البطيخة.[c1]* عن / صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية [/c]
|
اتجاهات
بتوع البطيخة!
أخبار متعلقة