أصبحت أمامنا الكثير من المعطيات التي تمكننا من الوصول إلى الاستنتاجات الحقيقية ومنها يتم إثبات ما هو مطلوب .. فإذا كان البعض قد توصل إلى أن طغيان العاطفة على العقل كان السائد أثناء اتخاذ قرار الوحدة الاندماجية فهذا يشير للقيادات الاشتراكية المنهارة التي قررت البحث عن ملاذ آمن لها ولما تبقى من ماء وجه نظامها المتهالك، الذي كان على شفا الانهيار المحتوم بفعل الانهيارات المتلاحقة للنظم الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي، ولقيت قياداتها مصيراً لم يكن في التوقعات والحسبان وخير شاهد على ذلك ما حصل لشاوسيسكو وزوجته في رومانيا.ومن هذا المنطلق كان العقل التآمري أكثر طغياناً من العاطفة حيث كانت العاطفة منعدمة لديهم من شدة الخوف والفزع الذي سيطر عليهم فكانت الوحدة الاندماجية هي الأمل والمخرج والحل لإنقاذ البؤساء المنهزمين الحالمين دوماً بالبقاء للتمترس وراء المصالح الأنانية الخاصة، والوحدة التي أعطتهم أمل البقاء هي مشروع حضاري نهضوي للقوى الوطنية الخيرة منذ سنوات طويلة جداً وقبل أن تكون عواطف هؤلاء قد تكونت،فوحدة الشعب والوطن أزلية وستظل هكذا دوماً ولو كره الحاقدون، وحدة الشعب الذي ناضل من أجلها سنوات طويلة وأصبحت إحدى أهم الغايات والأهداف النبيلة الإستراتيجية للثورة اليمنية وثوارها الأحرار من القوى السياسية الوطنية الفاعلة في المجتمع اليمني شماله وجنوبه وها هي أصبحت حقيقة واقعية قوية شامخة فيها قوة وعزة وكرامة هذا الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في الوحدة، نعم هناك بعض السلبيات والأخطاء برزت بعد إعلان الوحدة أهمها تلك الناجمة عن تصفية حسابات قديمة بين قيادات النظام السياسي الاشتراكي الماركسي وبعض القوى التي عانت الكثير من الويلات إبان الحكم الشمولي للجزء الجنوبي من الوطن ووجدت في الوحدة ضالتها للانتقام وتصفية حساباتها وهي قوى لا علاقة لها بالنهج الديمقراطي الوحدوي الموقع عليه بين قيادة شطري الوطن حيث أنها عبرت في أكثر من مناسبة عن عدم رغبتها بهم وعدم رضاها عنهم بل كفرتهم في فتاوى عدة بشكل واضح وصريح ولهذا من الضروري أن تسمى الأشياء بمسمياتها ولا توضع على العموم لتتضح الصورة ويعلم الجميع أن أحد شركاء الوحدة لا علاقة له بما حدث بعد شهور من إعلان الوحدة ولا يجب أن يحمل حماقات وتصرفات سلبية لا ناقة له بها ولا جمل خصوصاً في ظل التقارب والتقاء المصالح الآنية بين الأيادي التي استفردت بقيادات النظام الاشتراكي وأدخلتهم نفق التحالف معها في إطار اصطفاف مشترك للقتل ودمار الوطن والذي يستوجب إعادة النظر في الرؤى والتحالفات غير المقنعة لتكويناتهم قبل غيرهم بحيث أصبحت دون جدوى.ضرورة تلك المرحلة الحرجة التي بدأت فيها مؤشرات انحشار النظام الشمولي في الجنوب في الزاوية الضيقة ومثلث البداية للعد التنازلي للبقاء والديمومة على قمة الهرم السياسي للنظام خصوصاً وأن منطقتنا أصبحت لا تستسيغ بقاء هكذا نظام ولا يمكن أن تتعامل معه في ظل المتغيرات الجديدة التي يشهدها العالم فكان لزاماً على النظام الشمولي في الجنوب أن يوفر متطلبات وحاجات الاندماج ولضيق الوقت اشتغلت العقلية التآمرية للبحث عن وسائل تكنيكية لتحقيق هذا الاندماج تحت مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة فكانت الوسيلة الوحيدة للبقاء وتجنب الانهيار هي الدخول في الوحدة الاندماجية وبهذا تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد: انقاذ الذات من الزوال، والظهور كشريك في تحقيق الوحدة المباركة في 22 مايو 1990م فتم التوقيع على اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر 1989م التي بعدها ظهرت التسريبات عن أن الرئيسين دخلا النفق وخرجا باتفاق الوحدة الاندماجية التي فاجأت القيادات في شطري الوطن والتي هي في الحقيقة لم تكن مفاجأة بل كانت ضرورة من أجل انقاذ وبقاء أصحاب النظام الشمولي في جنوب الوطن والاستمرار في الحكم ولو لحين من الزمن حتى يستطيعوا إعادة ترتيب منظومة علاقات تشكيلاته لتكون مقبولة وليتخطى مرحلة رياح التغيير المفروضة بذلك الاندماج التكتيكي للعودة لمواقعهم السابقة من خلال الذرائع التي تسوق لها اليوم العقول التآمرية، وها هي تسعى من جديد إلى هدم المعبد على من فيه للبحث عن موطئ قدم للعودة بعجلة التاريخ إلى الخلف والعودة إلى ما قبل الوحدة، وهو حلم بعيد المنال كبعد الشمس عن الأرض حيث تطل علينا نفس العقلية التآمرية الداعية إلى الانفصال وفك الارتباط متناسية الحقائق التاريخية لملاحم البطولة والشرف في حصار السبعين يوماً وحرب صيف 1994م حين انتصر الشعب للجمهورية والوحدة، وهذا هو حال العملاء المتطفلين الذين تظل حياتهم مرتبطة بالتآمر وإثارة الفتن والصراعات، لأن الطبع يغلب التطبع، وبهذا التاريخ الأسود المليء بالصراعات الدموية ارتبطت أسماؤهم، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، والجرائم والمآسي التي عاشها الشطر الجنوبي من الوطن شاهدة على ذلك وأحداث 13 يناير المشؤومة وصمة عار على الجبين ماثلة حتى يوم الدين.
طغيان العقلية التآمرية
أخبار متعلقة