أضواء
تطالعنا الصحف ومواقع الإنترنت بين يوم وآخر بأخبار عن قضايا ابتزاز تتعرض لها المرأة في بلادنا. ومع تعدد أساليب الابتزاز وأشكاله، فإن أغلب ضحايا الابتزاز المنشورة تعود إلى سعوديات. أما الشخص الموصوف بأنه مبتز، ويتهم - غالباً- بأنه المعتدي، فقد يكون سعودياً، وفي حالات كثيرة يكون غير سعودي. وتكاد تتركز قضايا الابتزاز في أمرين: الجنس والمال. وبعض الأخبار تورد قصة الابتزاز التي تبدأ في الغالب من طرف المرأة، كأن تسعى بإرادتها إلى التعرف على شاب وسيم أعجبها أثناء تسوّقها مثلا، وتبدأ معه العلاقة العاطفية، لكن هذه العلاقة تسير أحياناً على غير ما خطّطت له. ومن هنا يأتي المنعطف الخطير في القصة حينما تتعارض الرغبات، فتسعى الفتاة للتخلّص من هذا الرجل، وتجد أن أفضل وسيلة للتخلص منه هي إلصاق تهمة الابتزاز به. وتتعدد مواصفات الابتزاز التي تطرح، فبعضها ابتزاز مالي أو جنسي، وبعضها تهديد بنشر الصور، أو بإبلاغ الزوج..إلخ. ونظراً لأننا لانعرف تفاصيل دقيقة عن كل قصة ابتزاز، فليس أمامنا سوى التخمين عند تحليل هذه الظاهرة، على أن الحاجة ملحة لدراسة هذا السلوك الاجتماعي من الناحية النفسية وعلاقته بمنظومة القيم الأخلاقية السائدة في ثقافتنا. وبحكم علاقتي ببعض الموظفين في العمل، فقد مرت علي قضية ابتزاز بين موظف وموظفة. وكان الرجل كالعادة هو المتهم بالابتزاز، وبالفعل، أُوقعت عليه العقوبة من الجهة المتخصصة بهذا الشأن. ولكن، حينما تأملت القصة وجدت أن الموظفة هي التي هاتفته أول مرة وهي التي تواصلت معه مراراً وتكراراً، بل إنها هي التي رمت شباكها عليه حتى علق بها، فحقّقت من خلاله بعض رغباتها في تسهيل إجراءات معينة كانت تريد الحصول عليها. وبعد أن انتهت مهمته بالنسبة إليها، أرادت التخلّص منه باتهامه بالتحرّش بها عبر الهاتف وأنه يريد ابتزازها بمساومتها على شرفها..إلخ. ولابد أن أسارع إلى القول أننا نجهل ما يحيط بتلك العلاقات من تفاصيل تغير مجرى التحليل، ولا يمكن الجزم بنوايا أيّ طرف من الأطراف ما لم نسجل القصص كاملة ونقابل رواية كل طرف برواية الطرف الآخر ونأخذ إجابات دقيقة عن أسئلة محددة. أقول هذا، لكي لايستنتج من حديثي السابق أن هناك تلميحاً إلى أن قصص الابتزاز ربما تثبت المقولة السائدة ضد المرأة بأنها مخادعة وأن «كيدها عظيم». ومع أن القرائن الظاهرة تميل إلى ذلك، إلا أننا يجب أن نفتح أعيننا كذلك على صورة المرأة في ذهن الرجل الذي يراها صيداً ثميناً لابد من استغلاله بأي شكل ممكن. وإذا استبعدنا احتمال أن المرأة مخادعة وأنها تستخدم المكر والخداع، فسنجد أن الوضع محرج لفهم موقفها وهي تتجاوب مع استدراج الرجل لها من أول خطوة ثم تسير طائعة مع الإغراء. وكانت راضية وهي تمشي وراء نزواتها حتى تصل إلى نقطة هي التي تحددها وتريد أن تتحكم فيها، وإذا جاءت الأمور على غير هواها أشهرت سلاح الابتزاز. وليس أمامنا من تأويل نفهم هذا السلوك إلا إذا قبلنا بفكرة أن هناك قدرًا لابأس به من الغباء تتمتع به السيدة الضحية. وبناء على هذا الفهم، لابد أن نوافق على أن المرأة لم تفهم تلميحات الرجل بإعجابه بها ولم تدرك كلامه ولا تصرّفه الذي يدل على انجذابه نحوها، وظلّت تجاريه في تلميحاته وتزيد من عندها تلميحات أكثر توحي بإعجابها هي الأخرى به وأنه يشبه فارس أحلامها، وأنها لم تتخيل شخصاً بمواصفاته الرومانسية؛ ثم توافق على طلباته وتقابله في بيته أو تسمح له بمقابلتها في بيتها، وبعضهن تنام معه وهناك من تخون حياتها الزوجية، حتى إذا انكشف أمرها أو كاد، قالت بأنها ضحية، وصار هو الذئب المفترس بدلا من الرومانسي الأنيق! ولابد من التوضيح أن المرأة هي التي تتحكّم في أي علاقة مع الرجل، وتعطي هذه العلاقة التصريح لكي تنشأ وتتطور أو تموت في مهدها، إذا استبعدنا حالات الاغتصاب والإكراه. إنها وحدها من يقرر الاستجابة لإشارات الرجل أو تجاهلها، هذا في حال كان الرجل هو صاحب المبادرة. وتدرك كثير من النساء هذه الحقيقة، لهذا، ليس ثمة مجال لابتزاز النساء الحرائر، بل إنهن يسخرن من هذه الفكرة التي تحطّ من قدر المرأة عقلا وخلقًا.[c1]*عن/ صحيفة ( الرياض ) السعودية [/c]