لليمن لا لعلي عبدالله صالح
يرتبط إصرار السلفيين على إحياء مفهوم الطاعة المطلقة وغير المقيدة لولي الأمر بتجاهل وأنكار مخرجات التطور التاريخي الذي شهدته الدولة سواء خلال عصر الاقطاع ونمط اقتصاد الخراج، أو خلال عصر الثورة الصناعية ونمط الاقتصاد الراسمالي ، وهي مخرجات افرزت ظهور الدول القومية ، وأسفرت عن ولادة منظومات متغيرة للعلاقات الدولية تجاوزت الطابع الإمبراطوري التوسعي للدولة الدينية الامبراطورية في العصور السابقة للثورة الصـناعيـة. وبالإضافة إلى ذلك يتجاهل السلفيون أيضا المتغيرات التي حدثت في الأطر الفكرية للمذاهب الفقهية التي كان الملوك والأباطرة والسلاطين ــ في العالم الإسلامي والعالم المسيحي على وجه التحديد ـــ يستخدمونها لإضفاء الشرعية الدينية عليهم ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المذاهب السنية والشيعية شهدت هي الأخرى تطورا تاريخيا يتجاهله السلفيون من اهل السنة واهل الشيعة.. ووصل هذا التطور ذروته بظهور انقسامات وتمايزات في اوساط مئات الملايين من أتباع هذه المذاهب الذين توزعوا بين مفاهيم وآليات وأطر حديثة ومتجددة للشورى، وبين أخرى تقليدية وجامدة .يتجلى ذلك التمايز والانقسام من خلال انخراط الغالبية العظمى من شعوب البلدان الاسلامية التي يغلب عليها المذهب السني في بناء نظم سياسية ديمقراطية، يكتسب الحاكم فيها شرعيته بتفويض شعبي عبر صناديق الاقتراع، فيما ينخرط قسم كبير من اتباع المذهب الشيعي في العملية الديمقراطية والاصلاحات السياسية التي تحدث في غالبية البلدان الاسلامية ، وتمنحهم حق المواطنة المتساوية مع غيرهم من اتباع المذاهب الاخرى، باستثناء التجربة الايرانية التي شهد فيها المذهب الشيعي انتكاسة كبيرة بعد قيام نظام ولاية الفقيه الذي شكل احياؤه على يد الامام الخميني عام 1979م ضربة كبرى لمبادئ الشورى عند الشيعة منذ ارتباطها بالمرحلة الاولى لظهور المذهب الشيعي بعد مقتل الخليفة الراشد علي بن ابي طالب ، وتاسيس الخلافة الاموية عام 41 هجرية، وهو ما سنتناوله في حلقة خاصة من هذا المقال سوف نستعرض فيها التطور الذي شهده كل من المذهب السني والمذهب الشيعي، ونبرز فيها خطأ الاعتقاد بأن الجماعات السلفية التقليدية سواء من اهل السنة او اهل الشيعة ، تمثل حصريا الغالبية العظمى من اتباع هذين المذهبين اللذين شهدا تطورا كبيرا لا ينسجم مع الدعوة السلفية التقليدية التي تستهدف اعادة عجلة التاريخ الى الوراء واحياء نظام الحاكم بامر الله، او الولي الوصي او الولي الفقيه وغيرها من المسميات الكهنوتية التي تستوجب الطاعة المطلقة لحاكم (رباني ) يبايعه اهل الحل والعقد من اهل السنة او اهل الشيعة، وتتمركز في يديه سلطات مطلقة ولا محدودة ، بعيدا عن اي تفويض او رقابة او محاسبة من الشعب.في هذا السياق يمكن القول ان بلادنا انفتحت منذ قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر ــ 14 اكتوبر) وقيام النظام الجمهوري على متغيرات العصر الحديث، حيث تغير فيها شكل الدولة، ووظائفها والاسس المنظمة للعلاقة بين مختلف هيئاتها على اساس الفصل بين السلطات والمشاركة الشعبية في ادارة شؤون الحكم. ولا نبالغ حين نقول بان ثمة مصاعب وتناقضات حادة واجهت عملية بناء الدولة سواء في الشطر الشمالي او الشطر الجنوبي قبل الوحدة، ما ادى الى ظهور وتعاقب دورات الصراعات السياسية الداخلية وتعطيل التطور اللاحق للدولة والثـورة ، لكن التاريخ سيسجل للرئيس علي عبدالله صالح دوره الريادي في اعادة بناء البيئة السياسية للدولة في الشطر الشمالي من اليمن سابقا ، وتنشيط مفاعيلها بصورة منهاجية وتراكمية باتجاه التحول نحو الديمقراطية، وصولا الى اعادة بناء الدولة في عموم الوطن من خلال دوره القيادي والتاريخي في اعادة تحقيق وحدة الوطن ارضا وشعبا ودولة في الثاني والعشرين من مايو 1990 المجيد، وجهوده المثابرة لبناء نظام سياسي ديمقراطي، يقوم على التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة ، ويوفر ضمانات دستورية للحريات والحقوق المدنية بما فيها الحق في التعبير عن الراي والفكر بكل الوسائل السلمية، وحق الاقلية في معارضة البرنامج السياسي للاغلبية بدون محاسبة او ملاحقة او تكفير او تخوين او ترهيب او ادعاء بان من يمتنع عن مبايعة الحاكم، او يخرج شبرا عن سلطانه يموت ميتة جاهلية بحسب ما يردده قادة الملتقى السلفي العام، وغيرهم من رموز الجماعات السلفية.. وجميعهم ــ بدون استثناء ـــ يمثلون نخبا تقليدية تتبنى دعوات مذهبية ضيقة ، واجندات سياسية خارجية ، بهدف اعادة عقارب الساعة الى ما قبل الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية!!.وبالنظر الى القيمة الوطنية والتاريخية للدور الذي لعبه ولا يزال يلعبه الرئيس علي عبدالله صالح بصفته مناضلا ثوريا كرس حياته لخدمة مبادئ واهداف الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 اكتوبر) والدفاع عنها، سوف اتناول في هذه الحلقة جانبا من اسهامات الرئيس علي عبدالله صالح في اعادة بناء المركز الدستوري لرئيس الدولة على نحو لا يجعل منه فرعونـا باغيا يدعي انه رب الناس الاعلى، او سلطانا غشوما ولاه الله على الناس، ويحكم بأمره ويجب على الناس طاعته والصبر عليه وعدم الخروج شبرا عنه ، حتى ولو كان عاصيا او ظالما بحسب ما يدعو اليه قادة التيار السلفي التقليدي في اليمن، فيما ساتناول في حلقة قادمة اخرى جوانب حية ومضيئة من سيرة الرئيس علي عبدالله صالح ، ودوره في بناء الدولة الوطنية الحديثة ذات المضمون الديمقراطي، وهي سيرة وطنية وحدوية لا تعد ملكا شخصيا او عائليا لعلي عبدالله صالح وافراد اسرته ، بعد ان اصبحت جزءا اصيلا من التاريخ الوطني الحديث لليمن، ومكسبا وطنيا للشعب اليمني واجياله اللاحقة.الثابت ان اليمن بشطريه شهد متغيرات دستورية بعد الثورة والاستقلال حالت دون التطور الطبيعي لوظائف سلطة الدولة بفعل التشطير ورواسب الثقافة الامامية والسلاطينية، وهي ثقافة سياسية تعود جذورها الى بدايات نشوء الفكر الملكي بشقيه السني والشيعي في التاريخ الاسلامي.. بيد ان التطور الدستوري الذي شهدته اليمن بعد قيام الوحدة تحت قيادة الرئيس علي عبدالله صالح، وضع اليمن في قلب التحولات الحديثة التي شهدتها النظم الدستورية المعاصرة، وافسح المجال لانتقال سلطة الدولة ووظائفها من نظام ولي الامر ذي الصلاحيات المطلقة، والعلاقة العمودية التي تستوجب الطاعة المطلقة، الى نظام ديمقراطي يقوم على العلاقة الافقية والفصل بين السلطات، ويضع الحاكم تحت سمع وبصر المعارضة والرقابة، الامر الذي يستوجب مشاركة المجتمع في ادارة شؤون الحكم، واختيار الحكام والهيئات التمثيلية عبر صناديق الاقتراع وليس عبر اهل الحل والعقد،على نحو ما كان سائدا في العصور الوسطى التي خضعت لنمط الانتاج الاقطاعي الخراجي ، وهو نمط مزيج بين الاقطاع والعبودية.ومما له دلالة لا يفهمها السلفيون ان المركز الدستوري في الجمهورية اليمنية الموحدة لا يجعل من رئيس الدولة وليا للامر وحاكما بامر الله ، يتمتع بصلاحيات مطلقة في مختلف الجوانب التنفيذية والتشريعية والقضائية. فالدستور اليمني يحدد الاختصاصات التنفيذية لرئيس الدولة بكل وضوح ، واهمها حقه في تكليف رئيس الوزراء ــ من الحزب الذي يحصل على اغلبية اصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية ــ بتشكيل الحكومة ،واصدار قرار بتعيينها،ودعوة مجلس الوزراء لاجتماع مشترك مع رئيس الدولة كلما دعت الحاجة الى ذلك، فضلا عن حق رئيس الدولة في طلب تقارير من رئيس الوزراء تتعلق بالمهام الواجب تنفيذها من قبل مجلس الوزراء، وصولا الى الحق في اصدار قرارات جمهورية بتعيين وعزل كبار موظفي الدولة في المؤسسات المدنية والعسكرية طبقـا للقوانين التي تنظم الوظائف العامة ، بحيث لا يخضع التعيين لاهواء السلطة التنفيذية ، فيما يعطي الدستور رئيس الوزراء حق اصدار قرارات وزارية طبقـا لقواعد التوظيف في الخدمة المدنية والعسكرية. كما يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات اصدار قرارات جمهورية بالعفو الكلي او الجزئي عن العقوبات او توقيع عقوبات اخف من العقوبات المحكوم بها، بناء على مقترح من وزير العدل بعد صدور الحكم القضائي البات، وذلك وفقا لقانون الاجراءات الجزائية . والمعروف ان رئيس الدولة في اليمن لا يرأس مجلس القضاء الاعلى منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2006 مما افسح المجال لتعزيز الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية.وفي الجانب التشريعي لا يتمتع رئيس الدولة دستوريا بحق اقتراح القوانين ، وهو ما يراه المشرعون الدستوريون ركنا اساسيا في التشريع، حيث يعد الاقتراح بمثابة المقدمة الاساسية للقانون والخطوة الاولى في العملية التشريعية. وقد جاءت التعديلات الدستورية التي حدثت في عام 1994م لتعطي حق اقتراح القوانين واقتراح تعديلها لكل من الحكومة واعضاء مجلس النواب فقط.في هذا السياق لا يعطي الدستور لرئيس الدولة حق الاعتراض على القوانين التي تقرها السلطة التشريعية بعد اكتمال تقديمها من الحكومة وبالتالي عرقلة او منع تنفيذها، حيث يكتفي الدستور باعطاء الرئيس حق اعادة القانون مرة واحدة فقط الى السلطة التشريعية المنتخبة خلال مدة زمنية محددة، موضحا اسباب تحفظه على القانون. فاذا اصرت السلطة التشريعية على موقفها من القانون وجب على رئيس الجمهورية اصدار القانون بقرار جمهوري او اصبح نافذا بعد ثلاثين يوما من اقراره من قبل مجلس النواب.. بمعنى ان اعتراض رئيس الدولة نسبي وليس مطلقـا، فلا يجوز للرئيس الاعتراض المطلق على القوانين التي يقرها مجلس النواب لتعارض ذلك مع مبدا سيادة الامة الذي يعطي الشعب دورا اساسيا في اصدار تشريعات تخدم مصالحه الحيوية عبر ممثليه المنتخبين الذين حصلوا على تفويض بذلك بواسطة صناديق الاقتراع.ثمة حقيقة اخرى لا يفهمها السلفيون او انهم لا يعترفون بها، وهي ان المركز الدستوري لرئيس الجمهوري ينطلق من الدستور الذي يقر بان الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، وان الرئيس يمارس مهامه بتفويض من الشعب عبر صناديق الاقتراع، وليس عبر نظام الحكم الالهي الذي يزعم رجال الدين الكهنوتيون فيه (ان الرئيس ولاه الله على الناس ، ويجب عليهم طاعته والصبر عليه حتى ولو كان عاصيا او ظالما يجلد ظهورهم وينتهك حقوقهم). بحسب مزاعم السلفيين .لا يستطيع رئيس الجمهورية اليمنية الذي يحكم بتفويض من الشعب تجاوز مصدر شرعيته التي حصل عليها عبر صناديق الاقتراع. لان الدستور يلزمه بضرورة اللجوء الى الشعب بواسطة الاستفتاء، لاخذ رأيه في موضوع عام سواء بالموافقة او الرفض، حيث يعتبر الاستفتاء والانتخاب اداتين دستوريتين للتعبير عن ارادة وسيادة الشعب . وقد اعطى الدستور لرئيس الجمهورية في بلادنا حق الدعوة الى الاستفتاء باجراء تعديلات دستورية، ولكنه لم يترك يده مطلقة ، بل قيدها باشتراط موافقة مجلس النواب على الاستفتاء.. وبالاضافة الى ذلك يشترط قانون الانتخابات العامة موافقة الاغلبية المطلقة ممن ادلوا باصواتهم في موضوع الاستفتاء المراد اخذ رأي الشعب فيه. وفي الاتجاه نفسه يشترط الدستور وجوب موافقة مجلس النواب على المعاهدات المتعلقة بالدفاع والصلح والسلم والتحالف وتعديل الحدود، ويجسد هذا الشرط الدستوري حق الشعب من خلاله ممثليه المنتخبين في مراعاة عدم تاثير هذه المعاهدات والاتفاقيات التي يبرمها رئيس الجمهورية على مصالح الشعب والوطن.ربما يدرك السلفيون جيدا ان مشروعهم الانقلابي الذي يستهدف اعادة الاوضاع الى ما قبل النظام الجمهوري واعادة نظام الحكم الالهي يصطدم بالدستور، وهو ما يفسر مواقف عدائية واضحة للدستور وردت على لسان كل من (الشيخ) عبدالعزيز الدبعي و(الشيخ) محمد المهدي، على نحو ما سنتناوله في احدى الحلقات القادمة بالتفصيل . لكن السلفيين يصرون على تسويق مفهوم الطاعة المطلقة لولي الامر، بصفته حاكما ولاه الله، ويتوجب على الناس طاعته والصبر عليه ( حتى لو كان عاصيا وظالما ومستبدا ينتهك حقوقهم ويجلد ظهورهم )، ولا شك في ان هجومهم المستمر على الدستور ينطلق من حقيقة ان الدستور في بلادنا يشترط الانتخاب الحر والمباشر من الشعب لمن يشغل منصب رئيس الدولة عبر صناديق الاقتراع على اساس التنافس والتعدد بين اكثر من مرشح، وتحديد مدة الرئاسة لفترتين رئاسيتين تجسيدا لمبدا التداول السلمي للسلطة بتفويض حر ومباشر من الشعب، لا على اساس الشوكة والغلبة بالقوة. حيث يحرص السلفيون على تلقين تلاميذهم المبدا القائل : ((أن من قويت شوكته وجبت طاعته وعدم معارضته مدى الحياة والاكتفاء بمناصحته سرا )) . وسوف نثبت بالدليل في حلقة قادمة ان من قال هذا الكلام ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يزعم السلفيون بانهم يسيرون على (سنــته) بل احد القادة العسكريين الامويين ، وهو زياد بن ابيه الذي القى امام اهل البصرة ـــ عندما عينه الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان واليا على العراق عام 41 هـجرية ـــ خطبة اجمع مشاهير المؤرخين على وصفها بخطبة البتراء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الطبري وابن الاثير وابن سعد وابن كثير وابن عبدربه وابن خلدون.وقد تلقف هذه الخطبة بعض المؤسسين الاوائل لمذهب اهل السنة والجماعة من الفقهاء والقـصاص والوضاعين الذين نشرهم معاوية بن ابي سفيان في المساجد ، وقاموا بالتنظير لمضمون واهداف تلك الخطبة الشهيرة من خلال وضع حديث نسبوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بهدف اجبار الناس على (وجوب مبايعة الحاكم بامر الله ، والخضوع له والصبر على بغيه وبطشه وظلمه وجبروته، وعدم الخروج شبرا عن سلطانه ، والامتناع عن معارضته والاكتفاء بمناصحته سرا فقط ) بحسب ما جاء في خطبة القائد العسكري الاموي زياد بن ابيه امام اهل البصرة . وسوف نتناول هذه الخطبة وغيرها من الاطر النظرية لفقه الاستبداد بتوسع اكبر ، في حلقة قادمة سنكرسها لتامل المسار التاريخي النظري للمذاهب التي كرست الصفة الدينية لنظم الحكم الملكية الوراثية ، انطلاقـا من التعاليم الاسرائيلية التلمودية، وصولا الى تاثيرها اللاحق على كل من اللاهوت الملكي المسيحي بشقيه الكاثوليكي والارثوذكسي، والفقه الملكي الاسلامي بشقيه السني والشيعي.اللافت للنظر ان الخطاب السلفي العام لا يتردد في الكشف عن الابعاد الانقلابية للنشاط الدعوي الذي يزعم السلفيون من خلاله بانهم يتفرغون للدعوة وتعليم العلوم (الشرعية ) في اوساط الناس.. ومن ابرز هذه الابعاد دعوتهم الباطنية للانقلاب على الدستور من خلال تسويق فكرة الطاعة المطلقة لولي الامر بالترابط الوثيق مع تسويق احاديث افتراها القصاص والوضاعون من فقهاء الحكام والسلاطين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول بوجوب عدم معارضة او مساءلة او محاسبة الحاكم على ما يفعل. والمثير للدهشة ان السلفيين يحاولون دس انوفهم في المشهد السياسي العام من خلال الاصرار على اظهار منصب ر ئيس الدولة في صورة الحاكم الذي لا يجوز معارضته او مساءلته او محاسبته على الافعال ذات المسؤولية الجنائية ان كانت صادرة عنه.وما من شك في ان اظهار الرئيس بهذه الصورة لا ينطوي فقط على محاولة للانقلاب على المركز الدستوري لرئيس الجمهورية، بل ينطوي ايضا على محاولة بائسة لتجريد الرئيس من الانجازات التي تحققت على يديه في مجال التطور الدستوري للدولة الوطنية الموحدة التي ارتبط ظهورها وتطورها بالمشروع الوطني الديمقراطي الوحدوي للرئيس علي عبدالله صالح شخصيا، بما هو ابن بار للثورة اليمنية كرس حياته لبناء الدولة الوطنية الموحدة الحديثة ، وتطوير نظامها الجمهوري الذي اقامته الثورة اليمنية ( 26 سبتمبر ــ 14 اكتوبر ) على انقاض النظام الامامي الاستبدادي ونظام الحكم الاستعماري الانجلو سلاطيني.من حق الرئيس علي عبدالله صالح ان يفخر بأن دستور الجمهورية اليمنية يضاهي ارقى الدساتير الديمقراطية العصرية للبلدان المتطورة في تحديد اجراءات مساءلة ومحاكمة رئيس الدولة على افعاله الجنائية.. حيث يحاسب الدستور في المادة (126) رئيس الجمهورية على افعاله الجنائية بصفته مواطنـا يخضع لقانون العقوبات والقوانين الاخرى شأنه في ذلك شأن بقية المواطنين.. وبالاضافة الى ذلك فان الدستور لا يعفي رئيس الجمهورية من المساءلة والمحاسبة عن الافعال التي تندرج ضمن الجرائم السياسية الكبيرة وهي الخيانة العظمى وخرق الدستور والمساس باستقلال وسيادة البلاد . وقد اعطى دستور الجمهورية اليمنية مجلس النواب المنتخب سلطة توجيه الاتهام لرئيس الدولة في حال ارتكابه احدى الجرائم الثلاث التي اوضح الدستور تفاصيل كل واحدة منها، ولا يسمح هذا الحيز بعرضها . وبوسع القارئ العودة الى قراءة الدستور لمعرفة تفاصيل هذه الجرائم ، حيث يجوز توجيه الاتهام لرئيس الجمهورية بارتكاب احدى تلك الجرائم الكبرى بناء على طلب من نصف عدد اعضاء مجلس النواب مشفوعا بأدلة الاتهام، ويشترط الدستور الا يصدر قرار الاتهام بدون موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب المنتخب بعد دراسة الاتهام والادلة من قبل لجنة خاصة مؤقتة تتكون من خمسة اعضاء من ذوي التخصصات من بين اعضائه عن طريق الاقتراع السري المباشر الى جانب لجنة الشؤون الدستورية والقانونية.وفي حالة صدور قرار الاتهام باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب يتم احالة القضية مباشرة الى المحكمة العليا ، وابلاغ رئيس الدولة عن طريق النائب العام بالمثول امام المحكمة العليا خلال اسبوع من تاريخ تسلمه البلاغ ، على ان يتوقف عن مزاولة مهامه كرئيس للجمهورية او اي عمل رسمي منوط به ، حيث تحال هذه المهام الى نائبه خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما، فاذا صدر الحكم بالادانة يجب اجراء انتخابات رئاسية لانتخاب خلف للرئيس، اما في حالة توجيه الاتهام للرئيس ونائبه معا، فان مهامهما تحال مؤقتـا الى هيئة رئاسة مجلس النواب خلال مدة لا تزيد على 60 يوما.تأسيسا على ذلك نزعم بانّ الدولة ليست بنية مستقلة عن منظومتها السياسية، ولا نعتقد بانّ الدولة لا تضطلع بدور وظيفي في مجال الممارسة السياسية.. اما وظيفة رئيس الدولة فهي تتحدد بطبيعة النظام السياسي للدولة التي يرأسها، والاساس الدستوري لهذا النظام السياسي.ولئن كان القاسم المشترك بين الخطاب السياسي السلفي و الخطاب السياسي لاحزاب ( اللقاء المشترك ) يتمحور حول تجويف او فرعنة منصب رئيس الدولة ، فان جذور هذه الفكرة تعود الى الثقافة الاقطاعية . فالدولة في النظام الاقطاعي تختلف عن الدولة الحديثة التي ارتبط نشوؤها بظهور الثورة الصناعية وولادة الدولة الوطنية ، والانتقال الى علاقات الانتاج الراسمالية واقتصاد السوق ، وصولا الى النظام العالمي الجامع للدول القومية على نحو ماهو سائد اليوم في عالمنا الواقعي الذي تنتمي اليه الجمهورية اليمنية ولا يعترف به السلفيون . وهو ما سنوضحه في الحلقة القادمة من هذا المقال بإذن الله ..[c1]*عن/ صحيفة ( 26 سبتمبر)[/c]