لليمن ..لا لعلي عبدالله صالح (31)
منذ انطلاقة حركة التمرد المسلح في صعدة على يد حسين بدر الدين الحوثي عام 2004م كان موقفي - ولا يزال - من الحرب التي توقفت بعد ست سنوات تنفيذا لأوامر رئاسية وعلى أساس شروط ستة قبلها المتمردون، أنها مواجهات بين الدولة وحركة مسلحة يقودها متمردون خارجون على الدستور والنظام والقانون بصرف النظر عن شعاراتهم ومطالبهم وأسباب نشوء حركتهم.وفي حوار على الهواء اجراه معي الزميل أنور الاشول معد ومقدم برنامج (على مراى ومسمع) عبر قناة اليمن الفضائية قلت إن خمسة من تلك الشروط الستة تتعلق بأمور إجرائية ميدانية ذات طبيعة عسكرية وأمنية وإدارية، بينما يعد شرط الالتزام بالدستور والنظام والقانون هو أهمها على الإطلاق، لما يتضمنه من حسم للجدل واللغط والمخاوف التي برزت على هامش حركة التمرد المسلحة لجهة التمسك بالنظام السياسي الديمقراطي للجمهورية اليمنية بوصفه خيارا وطنيـا تعمد بنضال شعبنا والحركة الوطنية اليمنية المعاصرة ، وجسدتها مبادئ وأهداف وإنجازات (الثورة اليمنية 26 سبتمبر - 14 اكتوبر) حيث يعتبر النظام الجمهوري الديمقراطي الإنجاز الأبرز لهذه الثورة التي دافع عنها شعبنا اليمني في كل أنحاء الوطن بالدماء والتضحيات الجسيمة.والثابت ان النظام السياسي الديمقراطي في الجمهورية اليمنية يقوم على قواعد دستورية يشكل التفريط او الاخلال بها تهديدا مباشرا لمستقبل الجمهورية والوحدة والديمقراطية، وعدوانـا على حق الشعب في ان يحكم نفسه بنفسه، ويختار حكامه وممثليه في هيئات الدولة الرئاسية والتنفيذية والتشريعية والمحلية المنتخبة بارادته الحرة عبر صناديق الاقتراع، وهو الضمان الحقيقي لعدم العودة الى عهود الاستبداد والتشرذم التي صادرت حق الشعب في ان يحكم نفسه بنفسه بدعاوى الحكم الالهي والحق الالهي التي كرست ثقافة الاستبداد والاستعلاء والتمييز العنصري والطائفي بين ابناء الوطن الواحد والشعب الواحد، وانكرت الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين، بما هي اساس العلاقة بين المجتمع والدولة على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.ولعل الذين سمعوا الرئيس علي عبدالله صالح في ذروة المواجهات المسلحة بين الدولة وحركة التمرد المسلحة في صعدة وهو يشن هجومـا شديدا على فكرة الحكم الالهي، تذكروا العناوين الرئيسة للخطاب السياسي والاعلامي لثورة 26 سبتمبر في بدايات انطلاقتها الكبرى قبل (48 عامـا)، وفي خضم المعارك الضارية التي خاضتها قوى الثورة وجماهير الشعب ضد فلول النظام الامامي الملكي البائد والتي كانت بدورها تعيد انتاج خطابها الديني الكهنوتي الذي كان يصف الثورة بالخروج عن طاعة الحاكم الذي ولاه الله ، ويزعم بأن الثورة على الامام هي عدوان على الله ورسوله الذي امر المسلمين بوجوب طاعة الحاكم وعدم الخروج شبرا عن سلطانه حتى ولو جلد ظهورهم ونهب اموالهم .وبوسعنا القول ان الرئيس وهو يعيد الى الاذهان عناوين الخطاب الثوري المناهض لفكرة الحكم الالهي بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، كان يعكس شعورا وطنيا عامـا بالقلق ازاء المخاطر والتحديات التي تهدد البلاد بأسرها من جراء ظهور اصوات سلفية ظلامية تدعو الى احياء العظام الرميم لمشروع الدولة الدينية الكهنوتية.. خصوصـا في ظل مؤشرات دخول بعض المشاريع الطائفية الاقصائية على خط حرب صعدة لجهة المراهنة على امكانية القضاء على النظام الجمهوري والتراجع عن الديمقراطية من خلال الدعوة الى اعادة نظام الخلافة او الامامة، ومحاولات شحن المجتمع بالنعرات المذهبية والطائفية وتقسيم الناس الى طوائف مذهبية متناحرة تعيد انتاج صراعات دامية على السلطة والثروة شهدها التاريخ الاسلامي قبل اكثر من الف وثلاثمائة عام، تحت واجهات مذهبية واقصائية، وادت في نهاية المطاف الى تمزيق الامة العربية والاسلامية وسقوطها تحت براثن التخلف والانقطاع الحضاري والاستعمار.ما من شك في ان فكرة الحكم الالهي والحق الالهي تعد القاسم المشترك بين مختلف المذاهب السياسية التي سادت مختلف انظمة الحكم الاستبدادية عبر التاريخ البشري، بعد ان التبست بالدين، وهو ما سنأتي اليه عندما سنتناول لاحقـا مسار تطور الابعاد السياسية للمذاهب الدينية المتناحرة في التاريخ اليهودي والمسيحي والاسلامي.. لكن ذلك لا يمنعنا من الاشارة الى الصيغة التاريخية التي تبلورت فيها فكرة الحكم الالهي والحق الالهي في التاريخ اليمني بما هو جزء من تاريخ المسلمين عمومـا، حيث ظهر اصطلاح (الامامية) في القرن الاول الهجري على ايدي بعض الفقهاء الذين تحدثوا عن شيعة الامام على بن ابي طالب، في مقابل اتباع معاوية وآل ابي سفيان وبني امية على وجه الخصوص.. لكن هذا الاصطلاح اخذ بعدا آخر في القرن الثاني الهجري، من قبل بعض فقهاء الشيعة الذين قالوا باشتراط العصمة والنص على الوصية في الامام، ثم زعموا ان سلالة البطنين من ائمة اهل البيت احق من غيرهم بالامامة خصوصـا بعد الابادة والتنكيل اللذين تعرض لهما آل البيت عمومـا وابناء علي بن ابي طالب خصوصـا بمن فيهم الاطفال الرضع من قبل الامويين الذين سيطروا على السلطة السياسية بالقوة، وسنوا نظام الوراثة في الحكم، حيث قام فقهاء النظام الاموي بتأصيل العصبية القبلية (القريشية) كاساس للحكم استنادا الى احاديث موضوعة ومنسوبة الى الرسول الاعظم (صلى الله عليه وسلم)، ثم قاموا بتضخيم دور الائمة ومنحهم صلاحيات مطلقة في الادارة والتنفيذ والتشريع والقضاء واعلان الحرب والسلم بغض النظر عن التزامهم بالعدل او الشورى.وقد روى الطبري في الجزء الثاني من تاريخ الامم والملوك عن معاوية قوله : ( بنى الله هذا الملك على قريش وجعل هذه الخلافة لهم.. فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم بالله، افتراه لا يحوطهم وهم على دينه ) . بيد ان المضمون الرئيسي لفكرة ( الملك والامامة) بمعنى الرئاسة كان سياسيـا بامتياز ، لجهة علاقته بشروط الامامة والحكم والخلافة وانحصارها في قريش كما هو الحال عند فقهاء اهل السنة والجماعة، او انحصارها في آل البيت مع اشتراط العصمة والوصية والنص، او اشتراك سائر البيوت العلوية او الفاطمية او الهاشمية على نحو ما يراه فقهاء بعض الفرق الشيعية . وسوف تكون لنا وقفة معمقة امام هذا الموضوع في حلقة قادمة عندما سنتناول محاولات ( شيوخ ) الملتقى السلفي العام الذي انعقد في صنعاء اواخر مايو 2009 استدراج الحياة السياسية في بلادنا ، الى مستنقع ثقافة الكراهية ضد المذاهب والطوائف المخالفة للمذهب الحنبلي في صيغته التي استقر عليها عند اتباع الامام احمد بن تيمية في زمن التعاون مع المماليك وأتباع الامام محمد بن عبد الوهاب في زمن التعاون مع الاستعمار .تأسيسـا على ما تقدم ، يمكن القول ان ثمة فهمـا خاطئـا للرئاسة الدينية لدى فقهاء كل من اهل السنة واهل الشيعة اضفى على الخلافة سمات عنصرية سلالية، سواء من خلال فقهاء اهل السنة الذين جعلوا الخلافة حقـا مقدسا لقريش، وهي القبيلة التي كان النبي ينتمي اليها وحاربته بشدة وقسوة عند ظهور الدعوة الاسلامية واثناء الهجرة ، ثم انحصرت الخلافة بعد وفاته في بطونها لمدة تزيد على اربعة عقود منذ بدء الخلافة الراشدة وحتى نهاية العهد العباسي . ولم تكن الخلافة طوال هذه العقود الاربعة مفتوحة على غير بطون قريش، او من خلال فقهاء اهل الشيعة الذين يعتقدون بأن الرئاسة الدينية والدنيوية تكون فقط للامام الذي ينتمي الى سلالة البيت النبوي، وبالذات من سلالة فاطمة وعلي بن ابي طالب ، او غيرها من البيوت التي تنتمي الى السلالة العلوية عموما . والاغرب من كل ذلك ان غلاة اهل السنة واهل الشيعة يعتبرون الخلافة والامامة ركنـا سادسـا من اركان الايمان .ويتفق الغلاة من الطرفين على ان الله هو الذي يختار كلا من الخليفة او الامام باعتباره وليـا للامر تجب طاعته مطلقـا، ولا يسأل عما يفعل. وبتأثير هذه الافكار العنصرية الاستبدادية اصطبغ التاريخ الاسلامي بالصراع الدامي على السلطة والثروة من خلال الحروب التي دارت بين علي ومعاوية، وبين اتباع يزيد واتباع الحسين، وبين عبدالملك بن مروان ومعارضيه وعلى رأسهم الشهيد عبدالله بن الزبير حفيد الصحابي الجليل والخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وبين الامويين والعباسيين، وبين العباسيين والشيعة، وصولا الى الحروب الدموية التي دارت بين العثمانيين من جهة ، وبين الصفويين والمهديين والزيديين والسنوسيين والاباظيين والعلويين في ايران واليمن والسودان والشام وعمان وشمال افريقيا من جهة اخرى ..وكان كل الحكام سواء من الخلفاء او الائمة يتصرفون كالملوك، ويحكمون باسم الله، حتى اصبح الحاكم يبدو وكأنه ظل الله على الارض، خصوصـا بعد ان قام رجال الدين في مذهب اهل السنة والجماعة بإعادة انتاج فكرة تجسيم صفات الله الموروثة عن الفكر الملكي في التاريخ الوثني واليهودي والمسيحي قبل الاسلام ، بما يخدم التماهي بين صفات الملك بما هو انسان وصفات الله الذي ( ليس كمثله شيء ) . ومن نافل القول ان جذور الفكر الملكي الذي يجعل صورة الملك (الانسان ) متماهية مع صورة الله تعود الى معتقدات وثنية فرعونية كانت تعتبر الملك الفرعون تجليـا للإله، ثم انحدرت هذه المعتقدات الى القول بان الفرعون الذي ولاه الله على الارض لا يحب ان يكون مسؤولا امام الناس، بذريعة انه مجبر في اقواله وافعاله، ولا يستطيع اي فرد من الرعية او الحاشية او الكهنة مساءلته.وبتأثير الانتشار العالمي للحضارة المصرية القديمة في عصر الفراعنة الذين حرروا مصر من الهكسوس ، انتشرت فكرة تأليه الحاكم في آسيا واوروبا قبل ظهور الاديان السماوية، حيث اعلن امبراطور اليابان هورهيتو نفسه ملكـا ولاه الله على الناس، فيما اعلن يوليوس قيصر نفسه ملكـا مؤلهـا هو الآخر، ثم حاول من بعدهما بعض ملوك آسيا واوروبا تجسيد التماهي بين صورة الله وصورة الملك من خلال نشر فكرة (الحق الالهي في الحكم) والتي تجعل من الملك ظل الله على الارض وحاكما بأمره ومشيئته .والثابت ان تاريخ الخلافة الاسلامية شهد بعد مقتل الخليفة الراشد علي بن ابي طالب ووصول الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان الى الحكم سنة (41هـ) تحولا جذريـا نحو النظام الملكي المطلق، خصوصـا بعد ان اتخذ معاوية من دمشق عاصمة لنظام الخلافة في عهده . وكما هو معروف فقد كانت دمشق والاراضي السورية قبل الفتح الاسلامي جزءا من الامبراطورية الرومانية الشرقية، ما جعل الخلافة الاموية تقتبس كثيرا من النظم والافكار السياسية التي كانت سائدة في الدولة البيزنطية، ومن بينها نظام الحكم الوراثي السلالي، وفكرة ظل الله على الارض، والتي تم تحويرها الى تعبير (خليفة الله) الذي اطلقه الفقهاء الاوائل من مؤسسي مذهب اهل السنة والجماعة على معاوية بن ابي سفيان ومن ابرز هؤلاء الفقهاء الاوزاعي رحمه الله . كما زعم اولئك الفقهاء ايضـا ان الله تعالى رتب بعنايته ورعايته تولي الخلفاء للسلطة وانه يتعهدهم في كل ما يقولون او يفعلون . ومنذ ذلك الوقت ظل الفقه السياسي السني محصورا في نطاق المعاملات بين الناس ولا يقترب من نظام الدولة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، واذا حدث وامتد الى هذا النطاق ، فإن الفقه السياسي السني ينبري لتبرير اعمال الحكام وبيان حقوقهم ودعوة الناس الى الصبر عليهم وعدم الخروج شبرا على سلطانهم حتى ولو جلدوا ظهورهم وسرقوا اموالهم.وكان معاوية بن ابي سفيان اول من قال : (الارض لله والمال لله والملك لله.. وانا خليفة الله .. فما اخذت من ملك ومال فهو لي.. وما تركته من مال للناس فبفضل مني ).. (الطبري تاريخ الامم والملوك - الجزء الثاني) .. ولا يحتاج المرء الى جهد كي يدرك التماهي الواضح بين عبارة (انا خليفة الله) وعبارة (ان ملوك بني اسرائيل هم ظل لله على الارض)، كما جاء في كتاب ( التلمود) الذي زعم فيه بعض احبار اليهود الاسلاف ان لملوك بني اسرائيل حقـا مقدسـا في الحكم، وان العناية الإلهية هي التي ترتب لهم ولايتهم كما ترتب لهم احكامهم وافعالهم وحقوقهم. وفي وقت لاحق قال الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور : (ايها الناس لقد اصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي اولانا وسلطانه الذي اعطانا.. وانا خليفة الله في ارضه وحارسه على ماله ) (تاريخ ابن خلدون - الجزء الثالث).ومما له دلالة ان فقهاء الفكر الملكي قاموا بتبرير الاستبداد للحكام على النقيض من آيات القرآن الكريم التي تأمر بالعدل والشورى وتنهى عن الظلم ، وتساوي بين الشرك والظلم . كما استثنى كثير من الفقهاء مساءلة الحكام الظالمين على اساس التزامهم بحكم القرآن ، واخترعوا لذلك احاديث نسبوها الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، تأمر بالخضوع للحكام والائمة الظلمة وتوجب طاعتهم والصبر عليهم حتى ولو سرقوا اموال الناس وجلدوا ظهورهم على نحو ما جاء في الحديث الذي اخترعه حذيفة بن اليمان، واعتمده البخاري ومسلم : (اسمع واطع الامير وان ضرب ظهرك واخذ مالك)!!!؟؟؟.وهكذا نشأ (فقه الاستبداد) بعد ان تحولت الخلافة الى ملك جبري وراثي عضوض بعيدا عن الشورى، وبمعزل عن مشاركة الامة في الحياة السياسية.. وقد ادى ذلك الفقه الاستبدادي الملكي الى تخلف المسلمين، ووقوعهم تحت براثن الطغيان والاستبداد ومسلسلات العنف الدموي والتصفيات الجسدية والثورات المسلحة المتعاقبة جيلا بعد جيل ..ولئن ارتبط ظهور فقه الاستبداد السني بالتحول نحو الحكم الوراثي المطلق، واستبعاد الشورى من نظام الحكم على أثر تولي الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان مقاليد السلطة السياسية في العقد الخامس من القرن الهجري الاول ، فان الفقه الشيعي كرس هو الآخر تحولا مماثلا من الشورى الى الحكم الوراثي الاستبدادي، حيث يعيد المؤرخون الشيعة الاوائل امثال (النوبختي والاشعري القمي) ظهور الفكر السياسي الشيعي في عهد الامام علي بن ابي طالب الى المدعو عبدالله بن سبأ الذي يوصف بأنه كان يهوديـا واسلم. وقد روى النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) ان عبدالله بن سبأ كان اول من اشهر القول بأن النبي محمداً عليه الصلاة والسلام اوصى بالولاية من بعده لعلي بن ابي طالب، فيما يرى فقهاء آخرون من اهل السنة أن ابن سبأ كان يؤمن قبل انتقاله من اليهودية الى الاسلام بان النبي موسى عليه السلام اوصى بالولاية من بعده لصفيه الحميم يوشع بن نون بحسب ما جاء في كتاب (التلمود) الذي يقدسه اليهود ، ويزعمون بأنه (السيرة النبوية لموسى عليه السلام)، مثلما يقدس اهل السنة واهل الشيعة كتابي (البخاري) و(الكافي) بوصفهما (السيرة النبوية لمحمد عليه الصلاة والسلام ) بحسب معتقداتهم المذهبية الوضعية.وبصرف النظر عما اذا كان عبدالله بن سبأ شخصية حقيقية او اسطورية اختلف حولها المؤرخون، فان الفقهاء الشيعة يعيدون اليه فكرة الوصية التي اخترعها احبار ملوك بني اسرائيل حين زعموا بأن النبي موسى اوصى بالولاية من بعده الى يوشع بن نون، ثم توارثها الكهنة في ابناء يوشع من بعده.. ومع ان فكرة الوصية كانت محصورة في حياة علي بن ابي طالب الذي رفضها بشدة، الا انها تحولت الى تيار سياسي بعد قيام الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان بتعيين ابنه يزيد وليـا للعهد، والتوصية له بالحكم من بعده، وسط رفض شديد من سبطي الرسول (الحسن والحسين) لهذه الوصية . وقد ادى ذلك الرفض ـــ الذي تعود اليه صفة الروافض التي اطلقها فقهاء النظام الاموي على الذين امتنعوا عن مبايعة معاوية وابنه يزيد ـــ الى وفاة الحسن بالسم في عهد معاوية واستشهاد الحسين بالسيف في عهد ابنه يزيد، واعتزال علي زين العابدين بن الحسين عن السياسة بعد ان تم اجباره على مبايعة يزيد بن معاوية، ما دفع المؤمنين بفكرة الوصية من الشيعة الى ان ينزعوها عن يزيد بن معاوية وينسبوها الى محمد بن الحنفية وهو احد ابناء علي بن ابي طالب من احدى جواريه باعتباره وصي امير المؤمنين، خاصة بعد قيامه ومن خلفه العلويون الذين لا ينسلون من بطن فاطمة، بقيادة الشيعة في اعقاب مصرع الشهيد الحسين واعتزال زين العابدين علي بن الحسين في المسجد النبوي بالمدينة المنورة . ولاريب في أن تلك التطورات اسهمت في احداث تحولات بنيوية في فكرة الوصية التي ادخلت وصية النبي المزعومة الى الامام علي بن ابي طالب طورا جديدا هو الزعم بتداول الوصية السياسية من النبي الى علي ومن علي الى ابنائه وآخرهم محمد بن الحنفية، ومن بعده الى ابنه عبدالله ابي هاشم، وما ترتب على ذلك من ظهور اختلافات بين الفصائل الشيعية المتعددة في القرن الثاني الهجري، وادعاء كل منها الحق المقدس في توارث الوصية وحصر الشرعية السياسية فيه، وصولا إلى بروز فكرة اخرى ذات طابع عنصري وهي فكرة الحفاظ على نقاء الدم وعدم تزويج النساء الهاشميات اللاتي ينحدرن من سلالة آل البيت برجال آخرين لا ينتمون الى هذه السلالة.بيد أن تخفيفاً لهذا الشرط قد حصل عندما أفتى فقهاء آل البيت بجواز تزويج الهاشميات بآخرين من غير سلالة آل البيت النبوي كوسيلة للمصاهرة مع مراكز القوى الحاكمة، وهو ما ادى إلى ممارسة نوع جديد من الاضطهاد ضد النساء المسلمات من خلال استخدامهن كأدوات لتعميق المصالح والتحالفات الانتهازية التي نشأت بين السياسيين الطامعين لاحتكار الحكم من آل البيت ، وبين مراكز القوى من شيوخ القبائل الاقطاعيين والقضاة ورجال الدين الذين اصبحوا جزءا من النخب الحاكمة في دول ملوك الطوائف على اطراف دولة الخلافة، وهو ما سنأتي اليه في الحلقة القادمة باذن الله. [c1]--------------------------* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]