الإسلام حضارة
اهتم الإسلام بجميع الشئون التي يصادفها المسلم ويتعرّض لها خلال خطوات حياته، فهو إلى جانب حرصه على بناء المسلم الكامل في عقيدته حرص أيضا على بناء المسلم السليم في جسده، النظيف في ثيابه، الجميل في هندامه، حيث حض القرآن الكريم في أكثر من آية على الطهارة ونظافة الجسم لتتطهر الروح ويسمو البدن عن فعل السيئات، ومن ذلك قول الله عز وجل:(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين . ويقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:(من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من أظفاره)، لذا لا نتعجب كثيرا حين نعرف أن المسلمين في عصر صدر الإسلام ، ثم العصور التي تعاقبت على ازدهار الدولة الإسلامية ، كانوا يولون إنشاء الحمامات عناية خاصة، سواء الحمامات التي كانت موجودة بالقصور، ومنازل الأغنياء من الناس، أو تلك الحمامات العامة التي كان يقصد عامة الشعب دخولها، وكان لها شأن عظيم في الحياة الاجتماعية فيما مضى، حتى أنها لم تكن مجرد مكان للتطهر فقط، وإنما تطورت حتى صارت أشبه بمكان للاستجمام لدى سيدات العامة والخاصة من النساء، حيث كن يخصصن يوما من أيام الأسبوع لزيارة الحمام والالتقاء فيه. أما حمامات الرجال فكان معظمها بجوار المساجد لارتباط التطهر والغسل والوضوء بتعاليم الدين الحنيف، مثل الحمامات التي أنشئت بمصر بمدينة رشيد، حيث تقع بجوار مساجدها الرئيسية، كما يضم كل مجمع سلطاني معماري في مدينة استانبول في تركيا واحدا من مثل هذه الحمامات، مثل حمام محمود باشا، الذي بني أصلا ليكون حماما مزدوجا بحيث يجمع خدمات كاملة لراحة الرجال. [c1]معمار الحمامات[/c]وقد تشابهت الحمامات العامة إلى حد كبير في معمارها، إذ كان الحمام يتكون من ممر يؤدي إلى غرفة كبيرة تضم صفا من الخزانات الخشبية التي تعلق فيها الملابس، وتسمى هذه الغرفة باسم (المشلح). ومن هذه الغرفة كان ينتقل المستحم إلى غرفة المياه الفاترة، فيجلس في مقعد حجري يتسع لعدة أشخاص، وفيها يقوم الحمامي أو الخادم بالغسل بالمياه والصابون، وبجانب هذه الغرفة مضجع خشبي مستطيل يقوم فيه أحد المختصين بالتدليك لمن يشاء، وبعد ذلك ينتقل المستحم لغرفة أخرى تعرف بغرفة المياه الساخنة، ليصب على جسمه المياه الساخنة بواسطة أوعية خشبية، متصلة ببركة في وسط الغرفة ، بحيث تصل المياه من صهريج خارجي تسخن مياهه بالحطب . وبجوار الغرفة الأخيرة مكان ينتظر فيه المزينون زبائنهم ، ثم يعود المستحم إلى الغرفة التي وضع فيها ثيابه عن طريق ممر جانبي. ولم تكن هناك نوافذ على الإطلاق في الحمامات، وإنما هناك ما يشبه الكوة الزجاجية في سقف الحمام ليعبر الضوء إلى الداخل، ولم تكن الحمامات موجودة في المدن فقط ، وإنما وجدت لدى القرويين أيضا، ولا تزال آثارها موجودة إلى اليوم في جبال البشرات وفي ضواحي غرناطة بالأندلس. وكانت الحمامات من المنشآت التي تدر على صاحبها ربحا وفيرا، لذا حرص أصحاب الثروات على إنشائها بقصد الحصول على الأموال، بينما حرص البعض الآخر على إنشائها وقفا لله تعالى لينفق أموالها على أعمال البر والتقوى. [c1]حمامات شهيرة [/c]يعتبر حمام الباشا واحدا من أشهر معالم عكا ، بل من أشهر الحمامات على الإطلاق، لكبر حجمه وفخامته، وقد بناه أحمد باشا الجزار، وعند مدخل هذا الحمام نجد العديد من الغرف المخصصة لخزن متعلقاته ، ومنها الحطب الذي يستخدم في تسخين المياه. كما تعد الحمامات العثمانية بقبرص من أجمل الآثار الباقية هناك، ومن أبرزها الحمام الكبير في نيقوسيا الذي يشبه الحمامات العثمانية التقليدية إلا أن باب مدخله يعود للعهد الفينيسي. ويتكون من المنطقة الباردة للحمام والمنطقة الدافئة، التي تتكون من مساحة مربعة لها سقف خشبي محمول على عقدين، أما المنطقة الساخنة فتقع بين المنطقتين السابقتين، وهي تنخفض عن مستوى الشارع بستة أقدام، وبها أحواض للمياه الساخنة. ومنذ شُيِّد قصر الحمراء في أوائل القرن الثالث عشر في مدينة غرناطة الأندلسية (إسبانيا حاليا) أنشئت به حمامات ذات أسقف من البلور على شكل قباب تصل إليها أشعة الشمس الضعيفة، وتنعكس داخل الحمامات فتضفي سحرًا خاصًّا على المكان. أما حمام مصطفى باشا فهو حمام كبير بالقاهرة، وفيه خمس خلوات، لكل خلوة صنبور، وقد فرشت أرضه بأنواع الرخام، وزينت نوافذه بضروب من الزجاج البلوري والنجف، يضيء كل منها كنجوم السماء، يصعد من فورانه الماء الساخن. [c1]هيثم خيري ( عن العربي الصغير)[/c]
صور لقباب الحمامات من الخارج (في حلب - سورية)