استهتار
شربت غمة فؤادها ظلمة الليل البهيم . . اسودت الدنيا أمام عينيها .. انتفضت من فراشها كعصفورة مفزوعة .. الساعة الآن الحادية عشرة مساء .. لم يبق في الشارع سوى حركة بسيطة لبعض الشباب المتفلتين ، والسكارى ، وأكياس ((البلاستيك )) المتطايرة مع تيارات الهواء الشتوية الباردة .علي . . قم !! صاحت سلمى بزوجها النائم أيش في ياحرمة ؟ خلينا أنام !!إبنك ماروحش حتى الآن .. قم !!أبني ماروحش ..؟! أيوه .. ماروحش قال لك أين بايروح ؟لا .أخذ جهاز هاتفه .. قلب يديه .. بدأ يخاطب نفسه لـإيش أسوي .. الدنيا ليل موحش .. وأنا لا أدري أين هذا (( الزئبق )) راح ؟أتصل بعدد من المعاريف ، والأصدقاء من مختلف الأعمار في مدينة (( التواهي)) و((المعلا )) و ((عدن )) و((خور مكسر)) و(( والشيخ عثمان )) , لم يره أحد بعد المغرب .. حتى الذين كانوا يبحثون عنه في بداية الليل؛ أكدوا أنهم لم يجدوه .حدق في عقارب ساعته العجلى .. اشتعلت النيران في قلبه .. الساعة الآن الحادية عشرة والنصف قبل منتصف الليل .. بدأت سلمى تصرخ وتبكي . . انخرطت في نشيج محزن .. نهضت البنات .. تضافرت الأصوات .. ارتفع العويل .. بدأت يد علي ، وأصابعه تتحرك لا إرادياَ .. قلبه يدق في قفصه الصدري بعنف .. كاد يجن .. كاد قلبه أن يتوقف .إيش أسوي ياناس ..؟! أيش أسوي يا ناس ؟!تساءل مضطرباَ .. سقطت الأم على الأرض .. كاد يغمى عليها نهائياَ .. تماسك زوجها وهو ينظر نحوها بقدر كبير من الإشفاق .اصبري .. واحتسبي !! قال لها .. أرتفع عويلها أكثر .. اشتعل المنزل كله خوفاَ .. قالت إحدى أخواته : لا أعتقد إلا أنه قد وقع عليه شيء قاهر .. ربما صدمته سيارة .. أو تعارك مع أحد ، وهو الآن في إحدى الشرط . قالت الأخرى : لو كان بخير فاته اتصل .. أكيد أخي قتلوه .. أو قتلته سيارة مجنونة في ظلمة الليل .أنفجر الجميع يبكون بكاء محرقاَ .. الساعة الآن الثانية عشرة ليلاَ .. ضعفت آمال الجميع في عودته .. أيقن الجميع أن الولد قد مات .. او على الأقل خارج الوعي في حادث ما .. العلم عند الله ؛ إلا أن الجميع أيقن بالمصيبة التي لايعلمون ماهي ؟ وفجأة قرع الباب.. دخل الولد ضاحكاَ يدندن على نغمات إحدى الأناشيد .. صمت البكاء .. أنفجر الجميع غضباً على الولد .. صرخ متسائلاَ بكل استغراب :إيش معاكم ؟! صلوا على النبي !! إيش شفتونا طفل . . إشتد حنق الأسرة صغارهم وكبارهم .. إندفع الجميع ضرباَ عليه .. كل واحد بما في يده .. طرحوه أرضاَ .. ثم تدافع الجميع بعد ذلك يقبلونه كأنه ولد لأول مرة .