علي بن طلال الجهنيلا يختلف مراقبان أن الفكر التكفيري مستورد من خارج السعودية ودول الخليج العربية. وهذا صحيح بالنسبة إلى النزعة التكفيرية، بينما غير صحيح بالنسبة إلى رفع شعار الإسلام سعياً وراء السلطة. وقد حدث ذلك في الثلاثينات من القرن الماضي وقبل فشل الديكتاتوريات العسكرية بعقود، أي ذلك الفشل المشهود عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.ولكن هذا لا يعني أكثر مما يعنيه القول إن فكرة «السيارة» ولدت في بريطانيا. صحيح أنها ولدت في بريطانيا ولكنها لم تُعرفْ بطريقة غيرت أدوات ووسائل النقل الأرضي إلا في الولايات المتحدة. أي أن الفكر التكفيري استورد من خارج الجزيرة العربية غير أن بعض رواده من خارج الجزيرة استنبتوا في جزيرة العرب أشجاراً أثمرت قذائف أكثر فتكاً من بذورها المستوردة.إن الكثيرين يحومون حول الفكر التفكيري. وأياً كان مصدره، لا يستطيع أن ينكر وجوده مسلم أساءه ما ألصقه هذا الفكر بالعرب والمسلمين أجمع من عار أخلاقي وأذى سياسي.إن المرء لا يستطيع التخلي عن هويته. كل من ولد عربياً، يبقى عربياً سواء أراد أم كره. وكل من ولد مسلماً يبقى على الأقل قي نظر غير المسلمين مسلماً. بل حتى العرب المسيحيون تأثروا حضارياً وثقافياً بالإسلام ولا يزعجهم من ظن أنهم مسلمون بسبب أسمائهم ولغتهم.وهذه هي المأساة التي نواجهها نحن العرب المسلمين عامة والسعوديين خاصة لارتباط فكر الإرهاب وبعض قياداته بنا. تدل بيانات وزارة الداخلية السعودية المتتالية عن هويات الإرهابيين (الأدق تسميتهم القتلة الإرعابيين) وعن هويات من يدعمونهم فكرياً كـ «الفلوجي» وأعوانه، ومن يدعمونهم مالياً ولوجستياً - أي يَسهّلونَ تخفيهم ويعلمونهم عن أكفأ وسائل تنقلاتهم - على أن هذه المصيبة المستوردة بذرتها الأولى، قد تم تهجينها بنجاح حتى صارت كأنها سعودية أصلية، أي غير مستوردة مهجنة.وهل ما تعلنه سلطات غير سعودية عن أسماء السعوديين خارج السعودية كالعراق ولبنان يدل على أن هؤلاء المتمردين القتلة، ما هم إلا جهلة من صغار السن لا يغذيهم فكرياً ويساعدهم على كل المستويات المالية واللوجستية مواطنون سعوديون؟إن من يصدق هذا القول يستطيع أن يصدق من يزعمون أنهم يستطيعون معالجة أعصى الأمراض المستعصية والأمراض المزمنة من مذياع محطة تلفزيونية أو إذاعة تبعد عن مكان وجودهم مئات أو آلاف الأميال.ومن الواضح أن المشكلة الاستراتيجية التي يواجهها الفكر التكفيري هي صعوبة المزايدة على عروبة وإسلام الدولة السعودية. ومن الواضح أيضاً أن غالبية المواطنين السعوديين لا ينقصهم الولاء لوطنهم وأمنه وازدهاره. ولكنهم في الوقت ذاته من المحبب إلى قلوبهم ومن المطمئن لنفوسهم كل من يحاول إقناعهم - قبل أن يتضح هدفه - بما يبدو لهم أنه مُفيد للمسلمين.المشكلة تبدأ في أن الحركيين المؤدلجين يترددون لأسباب كثيرة في فضح الفكر الإرهابي بصراحة ووضوح مباشر لا يقبل سوء الفهم. وكثيراً ما يجد قادة الحركيين أنفسهم في حرج. فهم لا يريدون الرعب وقتل الآمنين، وفي الوقت ذاته يعرفون أنهم هم من أعطى الإرعابيين سلاح «أخرجوا الكفار من أرض الجزيرة العربية» عندما احتل صدام الكويت في صيف 1990.ويتفق المتابعون أن هدف من أعلنوا «أخرجوا الكفار من جزيرة العرب» هو السلطة. ولكنهم أرادوا السلطة بإقناع الناشئة، أي بإقناع غالبية السعوديين تدريجاً، ليحصل قادتهم على السلطة سلمياً.والذي حدث كما يحدث عادة بين أتباع أصحاب فكر مُؤدلج انه ينضم إليه أتباع من أسوأ أفراد المجتمع ذوي الماضي الإجرامي الذين يريدون الانعتاق من ماضيهم متعطشين لخلق مستقبل قيل لهم انه سيحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة.لا جدال أن المنفذين سواء في الجزيرة العربية أو في لبنان أو في العراق أو في أي مكان آخر من الكرة الأرضية جهلة سذج. أي أنهم أسلحة فتاكة يوجهها مفكرون وقادة بـ «الريموت كنترول». ومن المكرر الذي لا يفقده تكراره الصواب، القول إن قادة الفكر التكفيري، هم الذين يوهمون السذج الجهلة، بواسطة نصوص انتقائية، بأن قتل النفس عمداً «استشهاد». وإذ أقنعت المرء بأن قتله لنفسه استشهاد وقتله لمن في طريقه «تمترس مباح» فقد يرتكب هذا العمل الشنيع لتقصير طريقه إلى الجنة.والله من وراء القصد.
تهجين شجرة التكفير
أخبار متعلقة