قصة قصيرة
استكمل تجهيز سيارته الهيلوكس لتكون الليلة، حسب الطلب، زينة موكب العرس؛ الذي سينطلق؛ حسب قول صاحب الدعوة والطلب؛ من إحدى قرى الريف التعزي إلى مدينة تعز .الساعة الآن الخامسة عصرا.. ثمة سحب سوداء تسد الآفاق، ورياح تكاد تحمل الناس والأشياء.. الرعود القادمة أصواتها من البعيد ؛ تقترب الآن شيئـا فشيئـا.. ثمة قطع من الصفيح والألواح الخشبية تتساقط هنا وهناك، وأصوات ضحايا واستغاثات من الأحياء الشعبية المجاورة - اللهم استر علينا !! كيف با يقع السفر الليلة ؟قال (رفيق) بعد أن استكمل وضع اللمسات الأخيرة على زينة سيارته الجديدة التي اشتراها مؤخرا من أحد أفخم المعارض في المدينة.. نظر باتجاه الآفاق التي تريد أن تظلم الليلة قبل الغروب.. داهمته عاصفة من المخاوف والوساوس.. كيف أسافر الليلة؟ وماذا لو تساقطت الأمطار وتدفقت السوائل والغيول؟ الهاتف يرن.. يمسكه بتلقائية.من معي..؟أخوك نشوان يا (رفيق).. لا تنسى موعدنا الليلة!!بس الأجواء.. يعني .. - لا تخف .. أنا أضمن لك من أي خطر ومهما كانت الخسائر .. ثق بي!! الله لا يجيب الشر!! بس أنا حتى ما أعرفكشباتعرفني .. باتعرفني .. لا تخاف .. وما فيش شر .. سينتهي المشوار وأنت في قمة الاطمئنان والسكون والراحة كمان .. صدقني!!ـ كيف ؟!ـ قلت : في قمة الطمأنينة والسكينة والراحة ! اتفقنا .. أدام الله عليكم المسرات يا عريس!!عقبى لك!! السلام عليكم.. تشجع .. أوبه باكافئك مكافأة عظمى. السلام عليكم ورحمة الله .أغلق الهاتف .. نظر نحو باب بيته ... شعر برغبة في ما يشبه الوداع.. أن يقبل زوجته ، وأولاده الخمسة، وأمه ، وأباه اللذين يريان فيه الدنيا وما فيها .. اقشعر بدنه .. ثمة تيار جارف يجتاح أعماق أعماقه .ما هذا ؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيمقال رفيق، ثم شد إزاره، وانطلق إلى كرسي القيادة محدقـا نحو الأمام.. شغل محرك السيارة، ثم انطلق ببطء نحو الأمام ، وما لبث أن أسرع رغما عنه نحو الأمام ..عيناه تحدقان في الطرقات والأشياء .. تتجهان نحو الأمام، كمن ينتظر لقاء استثنائيـا .. كمن يتوقع شيئـا مفاجئـا من هنا أو هناك.وأخيرا؛ وصل إلى العنوان.. شغل جهاز التنبيه لحث العريس على الخروج.. خرج العريس ، ومعه مجموعة من أصدقائه يضحكون، ويغنون له.هيا يا رفيق .. الآن أنا با أسوق .. وأنته ارجع مع المراوحة!!قال العريس، وهو يواصل الضحك.. شعر رفيق بقشعريرة عارمة تجتاح بدنه.. عادت الوساوس مجددا.. استعاذ بالله .. - أيوة يا نشوان.. بس هذي سيارة مش لعب!!أنا أعرف أسوق أحسن منك ، وهذي رخصة رسمية ، هذا أولا.. أما ثانيـا فأنا كما قلت لك أضمن لك سيارة جديدة ، ومن المصنع وأبو المصنع ، وأمه كمان ..نزل ( رفيق ) من كرسي القيادة.. ركب في الخلف مع أصدقاء العريس الذين استأنفوا أغاني الزفة.. انخرط معهم في الزف.. تحركت السيارة.. غادرت القرية بسرعة قصوى.. دخلت طرقـا وعرة.. اشتعل الخوف في قلب رفيقيا نشوان تمهل !!لا تخف يا رفيق !! الآن با نوصلبس القرية عادها بعيدة ونحنا في مقطعة كما تشوف .أمسكه أقواهم من الخلف.. كتفوه .. أوقف نشوان السيارة ؛ وهو يرقص ببندقيته الآلية..صرخ ( رفيق ) بصوت عال .. لم يسمعه أحد.. طرحوه أرضـا.. خنقوه بـ “مشدة” أحدهم .. بكى بشدة.. شدوا الخناق.. وحينما فارق الحياة؛ كانت الأرض المقفرة ما تزال تردد أناته ، وصرخاته ، وبكائه المحرق ،وتبكي معه بحزن مرير.