غضون
- كانت جدتي تردد عبارة «تجرد ولا تبرد» كلما قصف البرد المزروعات في القرية.. أي أنه خيرٌ للزرع إذا أكلته الجراد من أن يضربه البرد.. وقبل سنوات قليلة توصل علماء نبات إلى ان الشجر أو الزرع الذي تأكل منه الجراد ينمو نمواً أفضل لأن الجراد في هذه الأثناء تترك لعاباً على الشجرة والنبات يحتوي على عناصر محفزة للنمو.. هنا تكون جدتي أو من قال تلك العبارة القديمة قد سبقت علماء العلوم الحديثة في اكتشاف حقيقة علمية.الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي وصف رجلاً كريماً فقال إنه كالبحر يعطي للقريب «جواهر» وللبعيد «سحائب»، فالمتنبي هنا يقول إن السحب مصدرها مياه البحر، وهذا ما يقول به العلم الحديث.. وبذلك يكون شعر المتنبي في تلك القصيدة قد تضمن «إعجازا علمياً».. والشاعر ابن الصلت احد شعراء عصر ما قبل الإسلام قال إن الشمس «تجري في كبد السماء كما تجري حمام الموت في النفس»، لقد قال عن الشمس انها «تجري» وكلامه هذا يشير إلى حقيقة علمية تم اكتشافها بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة وهي ان الشمس تدور حول نفسها. كذلك يمكنك أن تجد نصوصاً في الكتاب القديم المقدس للبوذيين قدرت حينها عمر الأرض في ماضيها ومستقبلها بنحو خمسة ملايين (أو مليارات) من السنين وهو قريب من الرقم الذي يقدره علماء العلم الحديث اليوم.. الذين سبقهم بوذا بألفي سنة.- ما رأيكم بهذا «الاعجاز»؟.. هذه هي طريقة المتاجرين بالدين عندنا الذين يوهمون العوام بأن القرآن والسنة فيهما علوم فلك وكيمياء وفيزياء، وغيرها من العلوم التجريبية.. حيث يأخذون آية من هنا أو هناك ويتعسفون في تأويلها لكي يعطي مدلولاً لنظرية علمية ويسمون ذلك «الاعجاز العلمي في القرآن والسنة» فإذا توصل علماء الفلك مثلاً إلى معرفة أن الشمس «تدور» حول نفسها، قال هؤلاء، ما الجديد الذي جاء به هؤلاء العلماء الغربيون، فالقرآن قد سبقهم في ذلك وقال «والشمس تجري لمستقر لها»؟.. هكذا دون أن يفرقوا بين «تدور» وبين «تجري».. رغم أن كلمة «تجري» وردت في شعر ذلك الشاعر الجاهلي وهو يصف الشمس.. فأين الاعجاز؟؟.- ومنهج القائلين بالاعجاز العلمي في القرآن والسنة خاطئ من بدايته.. حتى التسمية نفسها «الاعجاز العلمي في القرآن» خاطئة.. فالمعجزة هي شيء أو دليل يمنحه الله لرسله مرة واحدة لإ ثبات النبوة ، ولا تتحقق إلا على أيديهم وغير قابلة للتكرار.. وقيمة المعجزة انها تبقى معجزة باستمرار وحتى النهاية فاذا حدث مثلها على يد شخص لم تعد معجزة.. فمعجزة عيسى مثلاً ان الله منحه خصوصية إحياء الطير الميت فاذا استطاع احد بعده أن يحيي الموتى تكون معجزة عيسى قد ذهبت.. ومعجزة رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) هي القرآن فإذا وضع احدهم قرآناً كالقرآن لم يعد القرآن الموحى به من الله معجزة، وها هم أصحاب «الاعجاز» يقولون لنا إن معجزة القرآن تكمن في انه احتوى على حقائق ونظريات علمية وان علماء الغرب توصلوا الى أشياء تماثل ذلك الاعجاز ويسلكون بذلك طريقة جدتي.