من فترة ليست قصيرة ، نشرت أحدى الصحف المصرية عنواناً مثيرًا على صدر صفحاتها الأولى خبرًا مفاده « العثور على جسم فرعون موسى « . وتذكر الصحيفة أنّ الملك منفتاح ابن رمسيس الثاني يعود إلى الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة . و في إبان حكمه خرج بنو إسرائيل من مصر في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد . وتضيف الصحيفة ، قائلاً : « ووصفت المرويات الفرعونية بأنّ الملك منفتاح ، كان ملكًا طاغيًا ، جبارًا ، قاسيًا ، متعطشاً للدماء ، وأعلن نفسه أنه من سلالة الآلهة . وتذكر المصادر أيضاً أنّ في عصره ، كانت مصر تعيش في أوج قوتها حيث تمكن الملك منفتاح أنّ يوسع رقعة مملكته ، وأنّ يقهر أعداءه ، وأنّ يجعل مصر مرهوبة الجانب « .عندما كنت طالبًا أدرس في جامعة القاهرة في مطلع السبعينيات ، كنت مغرمًا ومازلت بدراسة التاريخ والعمارة الإسلامية التي بلغت أوج جمالها وكمالها في العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) . وعندما كانت تحل الأجازة الصيفية ، كنت أهرب من القاهرة الخانقة بحرها الشديد وضوضائها الذي يضغط على الأعصاب ، فأولى وجهي شطر القاهرة الفاطمية التي بمجرد أنّ تطوف في أزقتها ، وشوارعها الضيقة والمرصوفة بالأحجار المربعة الصغيرة ومبانيها الجميلة المتشابكة التي تأخذ العين أخذًاً . وترى أمام عينيك باب الفتوح ، باب النصر ، والجامع الأزهر الشريف الذي كان ومازال قبلة طلاب العلم يغترفون من ينابيع علومه الإسلامية التي لا تنضب من شتى بقاع العالم سواء عربًا أو أجانب . وتشاهد سور جوهر ، وتلمس جامع الحاكم تستحضر صور ومشاهد القاهرة الفاطمية أو القاهرة المعزية التي كانت متألقة بالحسن والبهاء ، والضياء في عصر الخلافة الفاطمية التي بسطت سيطرتها السياسي والروحي على البلدان العربية والإسلامية أكثر من مائتي عام . [c1]مدينة تقهر كل المدن[/c]وتذكر المصادر الفاطمية بأنّ مؤسس القاهرة الفاطمية هو القائد العسكري جوهر الصقلي للخليفة الفاطمي المعز لدين الله المتوفى ( 365هـ / 972م ) وهو الخليفة الرابع من الخلفاء الفاطميين . وتذكر الروايات التاريخية بانّ الخليفة الفاطمي المعز انتقل من المغرب إلى مصر ، وقد قرر بأنّ تكون مصر هي موطن الخلافة الفاطمية الجديدة ولذلك أمر قائده العسكري جوهر أنّ يبني عاصمة للخلافة الفاطمية الناشئة ، وأنّ تقهر وتنافس الخلافة العباسية في بغداد « فقد خط جوهر المتوفى (975هـ / 1568م ) في أول أمسية له بالعاصمة مدينة جديدة إلى الشمال من القطاع سماها المنصورية وقسمها خططًاً ، ولما دخل المعز لدين الله البلاد خلع عليها اسم القاهرة المعزية ، أي المدينة التي تقهر كل المدن « . وصارت القاهرة المعزية مركزًا للعلم والشهرة والأضواء ولم تمض سنوات قليلة حتى صارت القاهرة الفاطمية ، أشعاعًا حضاريًا للبلدان العربية والعالم الإسلامي . وفي عهد حكم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله شهدت مصر ازدهارًا كبيرًا وعريضًا . [c1]مبنى ( اليماني )[/c]قلنا سابقًا : بأني كنت أعشق زيارة القاهرة الفاطمية أو القاهرة المعزية ومن كثرة زيارتي لتلك المدينة القاهرية الإسلامية تعرفت على الكثير والكثير جدًا من أسرارها المعمارية الباهرة . فقد عثرت على مبنى نحت على أحد صخوره العتيقة اسم ( اليماني ) وهو يقع في حي الجمالية . وحاولت الاستفسار حول ذلك الاسم . والحقيقة أني لم أجد في المصادر المكتوبة خيط ا يقودني إلى تاريخ ذلك المبنى ولماذا نحت عليه اسم ( اليماني ) بالتحديد ؟ . ولكن المصادر الشفوية التي تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل روت قصة ذلك المبنى المعروف بين سكان القاهرية المعزية باسم ( اليماني ) . والحقيقة لقد حاولت قدر استطاعتي وإمكانياتي ربط المصادر الشفوية أو الشفهية بالمصادر التاريخية المكتوبة لأكون صورة دقيقة واضحة الملامح عن تاريخ ذلك المبنى المسمى ( اليماني ) ـــ أو محاولة الوصول إلى أقرب نقطة من قلب الحقيقة لكون الوصول إلى الحقيقة الكاملة في التاريخ يعد ضربًا من ضروب العبث ـــ كما علمنا أساتذتنا الكبار في جامعة القاهرة ـــ .[c1]في عصر مصر الفاطمية [/c]على أية حال ، تقول الروايات الشفوية بأنّ مبنى اليماني هو في حقيقة أمره ، كان ملتقى المسافرين وخاصة من التجار اليمنيين الذين كانوا يأتون بصورة شبه دائمة إلى القاهرة المعزية للشراء والبيع ، وعقد الصفقات التجارية . وكان يعرف في الماضي البعيد هذا المبنى باسم ( سفر خانة اليماني ) ، وقيل أنّ الذي بنى هذا المبنى هو أحد التجار اليمنيين الكبار الذي كان له تجارة عريضة في مصر والإسكندرية . ويقال أنّ منزله كان يقع بالقرب من حي الجمالية وكان يتوافد إليه الكثير من التجار اليمنيين والمصريين ليحل الكثير من المشاكل التجارية التي قد تعلق فيما بينهم . فقد كان هذا التاجر اليمني ( اليماني ) أشبه ما يكون بــ ( شيخ بندر التجار) في القاهرة الفاطمية . ولقد شهد مبنى اليماني أو السفر خانة ازدهارًا واسعًا بسبب الإقبال الشديد عليه من قبل التجار اليمنيين وخصوصًا في عصر مصر الفاطمية . وكان الطبيعي أنّ تزدهر الحركة التجارية بين اليمن ومصر بسبب العلاقة الحميمة والقوية بين الدولة الصليحية في اليمن والفاطميين في مصر التي كانت تقوم على وحدة المذهب الديني وأيضًا السياسي . ولقد كانت اليمن امتدادا لنفوذ الفاطميين ـــ على حسب قول المراجع التاريخية ـــ . [c1]مقترح[/c]وكيفما كان الأمر ، نرجو من وزارتي الثقافة والسياحة ، والجمعية اليمنية المصرية ، التنسيق مع سفارتنا في القاهرة وتحديدًا مع الملحق الثقافي , ومركز الإعلام في القاهرة على ألقاء الأضواء الكاشفة على الكثير من الآثار المادية الإسلامية المرتبطة بتاريخ اليمن واليمنيين في مصر نظرًا للارتباط العميق والوثيق مع المصريين عبر التاريخ ، وأنني أكاد أجزم بأنّ اقتراحنا هذا سيجد صدى بين المسئولين على حياتنا الثقافية . فهل في الإمكان تحقيق ذلك المقترح الثقافي ؟ . وإننا لمنتظرون .
|
تاريخ
اليمنيون في القاهرة المعزية
أخبار متعلقة