خلال الأيام القليلة المقبلة تتوجه أنظار العرب والمسلمين والإعلام الدولي إلى المملكة العربية السعودية. إنه موسم الحج الذي يؤمه هذا العام أكثر من خمسة ملايين حاج من أقطار المعمورة، إلى مكة قبلة المسلمين، ومن بين حجاج هذا العام يفد حاج استثنائي هو أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعوة استثنائية من الملك عبد الله بن عبد العزيز لتأدية الفريضة الخامسة من أركان الإسلام. تلك خطوة صغيرة أو شجرة في غابة تنبئ عن دور المملكة العربية السعودية في رأب الصدع بين الدول الإسلامية، وهي محاولة إن تجاوزنا النظر إلى الشجرة ومددنا أبصارنا إلى الغابة تنبئ عن حراك سياسي سعودي عربي وإسلامي وعالمي في منطقة مضطربة أو هي عنوان الاضطراب في العالم اليوم.إذا نظرنا إلى الغابة فإن الملك عبد الله بن عبد العزيز العاهل السعودي ينقل المملكة العربية إلى ما يمكن تسميته بالنقلة التاريخية «الثالثة».«لأولى» كانت نقلة المؤسس -طيب الله ثراه- الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، الذي أقام صرح المملكة ووحّدها على قاعدة التوحيد والعدل.وأتت النقلة «الثانية» التاريخية على يد المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي حدّث أنظمة المملكة وسار في التطوير لتعانق المملكة العصر الحديث عن قناعة وبتؤدة جعلت من المملكة لاعبا دوليا حاذقا في الشؤون الإقليمية ونقلتها إلى بناء مؤسسي وبشري قطفت ثماره بعد ذلك. وفي نقلة «ثالثة» ونوعية يقدم الملك عبد الله اليوم على رزمة خطوات مهمة ومفاجئة، وذلك على الرغم من التحديات الكثيرة المقيمة والمحيطة، ناقلا بذلك المملكة إلى عصر جديد، وليس آخر هذه الخطوات مسألة تنظيم هيئة البيعة التي أعلن عن تشكليها النهائي قبيل موسم الحج الحالي، وهو ما جاء في إطار سلسلة من الإصلاحات التنظيمية، منها العناية بمجلس الشورى وتطويره، وتنظيم انتخابات للمرة الأولى في المملكة العربية السعودية خاصة بمجالس البلديات المختلفة، ومنها أيضا الشروع في تطوير حوار جاد بين ألوان الطيف السياسي والاجتماعي التي يتألف منها المجتمع السعودي.. ومنها أيضا بناء اقتصادي وعلمي غير مسبوق. هذا الجهد يدفع بالمملكة العربية السعودية للارتقاء بسياسة عملية ونوعية عمادها تلكم القاعدة البشرية السعودية وقد وجدت نفسها في خضم تحديات القرن الحادي والعشرين بعد أن هيأ الملك فهد رحمه الله بنية تحتية متميزة، ودفع الشر بخوضه دون تردد حرب تحرير الكويت. الملك عبد الله الذي رمّم أخيرا الفجوة بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر الشقيقة أثلج صدور المحبين، وربما أغاظ الكارهين الذين راهنوا على استمرار الخلاف بين الأشقاء. إلا أن الدعوة التي وجهها إلى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وهي من بين دعوات تقليدية دورية لرؤساء دول إسلامية، تحمل معنى آخر في هذا الظرف التاريخي ولهذا الرئيس بالذات. إنها تشي بإمكانية إعادة «بناء الثقة» المفتقدة بين جمهورية إيران والعالم من جهة، وبينها وبين دول الخليج من جهة ثانية.لا شك أن تلبية نجاد الدعوة وحضوره قمة ملوك ورؤساء دول التعاون في الدوحة أخيرا ثم ما يليها في مكان التقاء المشاعر الإنسانية والدينية في مكة بعد أيام لمسألة فيها أكثر من مغزى أو دلالة سياسية لافتة. فإيران مثلها مثل غيرها من الدول تتجاذبها أفكار سياسية في الداخل، قد تزايد على الهدف الوطني، و قد تقعد القيادة عن المبادرة، وقد وجدت تلك المزايدة صدى في انتقاد حضور أحمدي نجاد إلى الدوحة أوائل الشهر الحالي، وقد ترتفع الأصوات نفسها أو غيرها عند وصول نجاد إلى المملكة العربية السعودية، فتعطل المبادرة السياسية الكبرى عن الإثمار.ومن طرف آخر لن نعدم ظهور أصوات شاجبة، إما في الغرب أو بين ظهرانينا خوفا من اللقاء واستباقا لنتائجه. إلا أن العقل وبإزاء المصالح العليا لكلا الطرفين الإيراني والعربي يرحب ولاشك بمثل هذا اللقاء خصوصا إذا أثمر عن خطوات «بناء ثقة» تعقبها «تغيير قناعات» لمزيد من التعاون، ففي ظل تقارير مختلفة غربية حول ما إذا كانت إيران قريبة أو بعيدة من صنع «قنبلة أو قنابل» نووية، في الوقت الذي تعلن فيه على الملأ حاجتها للتقنية النووية من أجل الأغراض السلمية، تأتي الخطوة السعودية لإزالة غيمة الشكوك، وهي شكوك تبدأ بالسلاح النووي ولكنها لا تنتهي عنده. فإيران لها موطئ قدم إما اقتصادي أو عقيدي في أكثر من بلد عربي، وإيران قليلة الثقة ومنزعجة ومحاصرة، هي أخطر بكثير من إيران مرتاحة واثقة من جيرانها.. والعكس صحيح بين الجيران. فإيران وضفاف الخليج العربي أكثر ما تحتاج إليه شعوبها هو الاستقرار وبناء التنمية، ومن دونهما فإن كل الشرور يمكن أن تنطلق ولا تبقي على نافخ نار حصيف.كل عاقل يدرك أن الحروب والنزاعات التي تبدأ بكلام تنتهي بكارثة، ولا أحد يخرج منها «منتصرا» في عالم اليوم المعقد والمتشابك، والنزوع إلى الإصلاح والتنمية الاقتصادية وخفض درجة التوتر التي تصاعدت في السنوات الثلاث الأخيرة هي مكسب حضاري لكل الاطرف، والعاقل من يتعظ بغيره.دعونا نأمل، وعيد الأضحى يقترب، في حكمة وقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي ما فتئ يقدم المبادرات السياسية والاقتصادية لهدف نبيل يسعى إليه وهو استقرار المنطقة المضطربة، مستودع العالم في الطاقة ومنطلق رسالة السلام.[c1]عن/ (أوان) الكويتية [/c]
الدروس السعودية
أخبار متعلقة