الإعلام الرسمي والمؤتمري والمعارض
في مواسم الانتخابات التي تزدهر فيها تجارة الابتزاز والمزايدات والمكايدات لا يخلو الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب المعارضة المنضوية في تكتل ( اللقاء المشترك ) من اتهام الحزب الحاكم بتوظيف وسائل الإعلام الرسمية لخدمة الحزب الحاكم ، والمطالبة بتحييد هذه الوسائل الاعلامية بذريعة أنها ممولة من المال العام . فيما تتجاهل هذه الأحزاب حقيقة أن المال العام يمول أيضا نشاط هذه الأحزاب وماكنتها الإعلامية ، ناهيك عن أن النخب الأرستقراطية والأوليغارشيات المالية المتنفذة في ( اللقاء المشترك ) - التي تموِّل صحافته الحزبية بما في ذلك الصحف ( المستقلة ) التي يتم تفريخها في معامل هذه الأحزاب - تمتلك هي الأخرى استثمارات داخلية وخارجية وشركات وبنوك وأراض واسعة تم اكتسابها من خلال نفوذ وسطوة هذه النخب والآوليغارشيات في الدولة والمجتمع بوصفها مراكز قوى تعتقد أن من حقها الحصول على حصتها من السلطة والثروة العامة والمال العام حتى وإن كانت في موقع المعارضة !! لا يمكن فصل الماكنة الإعلامية المعارضة عن المتغيرات التي حدثت في طرائق عمل أحزاب المعارضة وبالذات المنضوية في إطار ((اللقاء المشترك)) خصوصاً بعد فشلها الذريع في الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م، ولجوئها إلى الشارع المفتوح على كل الاحتمالات والمشاريع والتناقضات والمخاطر، بهدف توظيف مفاعيل الشارع لإسقاط السلطة والانقلاب على نتائج الانتخابات، وتمهيد الطريق للوصول إلى الحكم بعيدا عن صندوق الاقتراع !!من المهم الاعتراف بأنّ أداء الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) يبدو قوياً ومؤثراً ومربكاً في آنٍ واحدٍ ، قياساً بأداء وتأثير صحافة الحزب الحاكم والصحف التي يقوم بتفرخها أو استنساخها ، مع الأخذ بعين الاعتبار صعوبة المراهنة على دور فاعل ومؤثر وبناء لما تسمى الصحف المناصرة للمؤتمر الشعبي العام، بما هي صحف أفراد تعيد إنتاج تشوّهات واختلالات البيئة الإعلامية المحلية التي جرى شرحها آنفاً من حيث الافتقار إلى المهنية والموضوعية، والاستخدام السيء والمشوِّه للحرية، حيث لا تنحصر أضرار هذه الصحف (المناصرة) على البيئة الإعلامية المحلية ، فقط بل وعلى الدولة والحزب الحاكم بسبب الطابع الدكاكيني الفردي لهذه الصحف وقابليتها للاشتغال في أسواق التمويل السياسي ومواسم التجاذبات السياسية. لا يعني القول بأنّ صوت الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) أعلى وأكثر تأثيراً من صوت الإعلام ((المؤتمري))، إنّها تعمل بكفاءة وفاعلية.. لأنّ وظيفة أي ماكنة إعلامية لا تكون فاعلة ومؤثرة بدون عمل ميداني تقوم بتغطية وإطلاق الحوافز التي تساعد على تعظيمه وتعزيز تقدمه على الأرض ودفعه الى الأمام . فالإعلام ((المؤتمري)) سواء من خلال الصحافة المطبوعة أو الصحافة الإليكترونية يبذل جهداً كبيراً، لكن تأثيره يبدو ضعيفاً قياساً بالماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) حيث يمكن تشبيه الأداء الاعلامي لصحافة الحزب الحاكم بقذائف المدفعية التي يسمع الناس صوتها فقط ، دون أن يروا على الأرض بيارق الذين تقوم هذه الماكنة الإعلامية بتغطية تقدمهم ، خصوصاً عندما تتخذ التجاذبات الحزبية والسياسية طابع المجابهة المتواصلة في الشارع. يشير تحليل مضمون الخطاب السياسي والاعلامي لصحف أحزاب ((اللقاء المشترك)) إلى أنّ ماكنتها الإعلامية ـــ بما فيها الصحف التي تم تفريخها في معامل تلك الأحزاب ـــ تعتمد أسلوب التغطية الكثيفة للخطط والفعاليات الهجومية الميدانية التي تنفذها أحزاب المعارضة على الأرض بواسطة منظومة مرنة وواسعة من الآليات ن وبما يكفل لهذه الخطط والفعاليات انتشارا جماهيريا وتمددا ميدانيا ً.. ومن بين هذه الآليات تشغيل منظمات المجتمع المدني ووسائل الاتصال المباشر مع الجماهير، واستخدام مختلف أشكال الدعاية و التعبئة والتنظيم والحشد في الشوارع المفتوحة، وهي آليات سياسية وتنظيمية بامتياز.وبفضل العمل الميداني لأحزاب ((اللقاء المشترك)) تنشط ماكنته الاعلامية من أجل تحقيق هدفين محوريين: 1 ــ توفير التغطية الدعائية لما يجري على الأرض كمنتج لنشاط الأحزاب في الميدان.2 ــ تمكين الأليات والوسائل الميدانية المعارضة للسلطة والمؤتمر الشعبي العام وحكومته، من الحصول على الدعم الذي يسهم في تحويل الناس من متلقين للرسائل السياسية التي تصدر عن الحراك الميداني لأحزاب المعارضة إلى فاعلين ولاعبين على الأرض في ضوء هذه الرسائل، وهي وظيفة اتصالية بامتياز، تنفذها الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) بفاعلية سواء من خلال إثارة قضايا الغلاء والفساد والبطالة والمظالم، أو من خلال إثارة النعرات المناطقية أو المذهبية بهدف إضعاف النظام العام تحت مسميات مختلفة مثل” القضية الجنوبية “ و” تداعيات حرب صعدة” و” آثار حرب 1994م “ ، وغيرها من القضايا التي يتم توظيفها واستثمارها للوصول الى السلطة ً. إنّ المقارنة بين أداء إعلام أحزاب المعارضة وأداء وسائل إعلام المؤتمر الشعبي العام بما هو الحزب الحاكم ، تكشف حقيقة أنّ الصوت الأقوى والمؤثر للأداء الإعلامي المعارض، لا يعني ضعف أداء وتأثير الإعلام (المؤتمري) في البيئة الإعلامية المحلية، على الرغم من بعض جوانب القصور الذاتي التي تتطلب معالجة سريعة ، بقدر ما يعني ضعف أداء وتأثيرالنشاط التنظيمي والجماهيري للحزب الحاكم في الميدان .. بمعنى أنّ الإعلام (المؤتمري) لا يغطي حراكا سياسيا ميدانياً للمؤتمر الشعبي العام وفروعه وآلياته المدنية على الأرض، كما هو حال إعلام أحزاب ((اللقاء المشترك)). في هذا السياق تبدو أحزاب المعارضة أكثر احترافاً وأكثر قدرة على اكتساب ومراكمة الخبرات والمهارات السياسية والدعائية لدى استخدامها آليات العمل المدني في المجتمع، واستخدام هذه الآليات لتحريك الشارع من أجل تحقيق أهدافها السياسية المناهضة للسلطة والحزب الحاكم. كما تبدو الماكنة الإعلامية لأحزاب المعارضة أقوى صوتاً وأكثر تأثيراً في أداء وظائف التغطية الدعائية والتحريضية والتعبوية التي تحتاجها أحزابها في الميدان. على النقيض من ذلك يبدو الإعلام (المؤتمري) مثقلاً بواجبات كبيرة ومزدوجة، فهو لا يواجه فقط الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) بل يواجه في الوقت نفسه هذه الأحزاب مباشرة على الأرض بديلاً عن المؤتمر الشعبي العام الذي تنوب عنه اللجان الأمنية والصحافة الرسمية والمؤتمرية في مواجهة الحراك السياسي والانتشار الميداني اللذين تنفذهما أحزاب المعارضة في الشوارع بوسائل مدنية وسياسية مختلفة، وما يترتب على هذه المواجهات من تداعيات أمنية وسياسية توفر الذرائع لاستهداف وسائل الإعلام الرسمية والأجهزة الأمنية وتشويه صورتها بقصد تحييدها وإيجاد فراغات إعلامية وأمنية يجري الاشتغال عليها ، لضمان تمهيد وإعداد الشارع بإتجاه الانتقال بالمواجهة مع السلطة إلى محطة انقلابية سلمية وحاسمة ، بعد أن تكون المعارضة قد نجحت في الانفراد المطلق بالشارع ، وبعد أن تكون أيضا قد نجحت في إنهاك وتحييد المؤسستين الإعلامية والأمنية الرسميتين!!من الصعب ــ والحال كذلك ـــ مطالبة منظومة الإعلام الرسمي و(المؤتمري) بحسم المواجهة مع الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) من خلال المقالات والافتتاحيات المباشرة بمعزل عن دور ميداني للحزب الحاكم وفروعه في المحافظات ، ومنظماته المدنية في الميدان، حيث تغلب على عمل معظم هذه الفروع والمنظمات النزعة المكتبية والدواوينية والانعزال عن الجماهير، والعجز عن تشغيل آليات المجتمع المدني، والركون إلى وظائف وسائل الاعلام الرسمية و(المؤتمرية)، وأجهزة الدولة الأمنية في مواجهة الانتشار السياسي الميداني لأحزاب المعارضة. ويمكن القول إنّ الترابط الوثيق بين أداء الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) عبر الصحف الحزبية والمستقلة والمواقع الإليكترونية التي تدور في فلكها، وبين أداء أحزاب ((اللقاء المشترك)) في الميدان عبر الشوارع والاعتصامات والفعاليات التعبوية والتحريضية التي تشارك فيها منظمات المجتمع المدني الخاضعة لسيطرة أو نفوذ تلك الأحزاب، بقدر ما أكسب الخطاب الإعلامي المعارض طابعاً هجومياً منظماً ومنسقاً، بقدر ما ألقى على عاتق وسائل الإعلام الحكومية والمؤتمرية أعباءً كبيرة ، إذ يبدو عملها أحادياً ودفاعيا ً بسبب الفراغ الميداني الموجود في ساحة العمل السياسي نتيجة الغياب شبه التام للحزب الحاكم ومنظمات المجتمع المدني التي يقودها أو يحظى بنفوذ في داخلها ، باستثناء النزول الموسمي الى الشارع في بعض المناسبات وأثناء وقوع بعض الأحداث الاستثنائية على الصعيدين الوطني والقومي !!من المهم التأكيد بهذا الصدد أنّ أحزاب ((اللقاء المشترك)) وظفت هذا الفراغ لصالح أجندتها السياسية التي تستهدف تمييع ومصادرة النجاح الكبير الذي حققه البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام والبرنامج الانتخابي للمؤتمر الشعبي العام في الانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006 م، والتي خرجت منها هذه الأحزاب بخسارةٍ كبيرة فاقت كل التوقعات، خصوصاً وأنّ تلك الانتخابات تميزت بقدرٍ عالٍ وغير مسبوق من التنافس الحُر والشفافية والنزاهة بشهادة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية غير الحكومية.كما حرصت أحزاب ((اللقاء المشترك)) على استثمار هذا الفراغ بهدف توظيف مراهناتها على اللجوء إلى الشارع، لطمس الإنجازات التنموية والجهود التي بذلتها ولا زالت تبذلها حكومة المؤتمر الشعبي العام والمجالس المحلية في مجال تنفيذ المشاريع التنموية الجديدة في مختلف قطاعات الكهرباء والمياه والنقل والطرق والاتصالات والصحة والتربية والتعليم وغيرها من المجالات التي تتعلق بحياة المجتمع. الأمر الذي ضاعف من حجم الأعباء الملقاة أمام وسائل الإعلام الحكومية والمؤتمرية التي أصبحت تضطلع بمهام المواجهة المباشرة ليس فقط مع الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك)) ، بل ومع النشاط السياسي التعبوي والتحريضي لهذه الأحزاب . إلى جانب الجهود التي تبذلها وسائل الإعلام الحكومية والمؤتمرية في تغطية نشاط وعمل الحكومة والمجالس المحلية في مجال التنمية والإصلاحات الإدارية والمالية. لا تنحصر تعقيدات هذا الوضع الذي يتسم باختلال التوازن بين مفاعيل أداء الإعلام الرسمي والحكومي ومفاعيل أداء الماكنة الإعلامية لأحزاب ((اللقاء المشترك))، على مخاطر اللعبة العمياء للشوارع المفتوحة على مشاريع صغيرة ومدمرة تهدد المكاسب الوطنية التي حققها كفاح شعبنا في مختلف مراحل تطور الثورة اليمنية، وفي مقدمتها النظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية والتنمية، حيث يؤدي الاستغلال السيئ للحقوق السياسية والمدنية التي يكفلها النظام الديمقراطي التعددي ومنظومته الدستورية إلى بروز مخاطر الفوضى الهدامة ، وانبعاث المفاهيم والمشاريع التي قضت عليها الثورة اليمنية (26 سبتمبر ـ 14 أكتوبر) بعد أن نجحت في تحرير الوطن من الاستبداد والاستعمار والتجزئة والتشطير، وتمهيد الطريق لتحقيق الأهداف الإستراتيجية لنضال الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة من أجل الحرية والاستقلال والوحدة على طريق بناء وطن حر وديمقراطي موحد.[c1]--------------------------------* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]