جاء تعريف الواقعية في كتب اللغة كما عند إبن منظور في (اللسان ) : إنها تعني التقدير والتنزيل أما معناها في الاصطلاح فهو : أن الاسلام لا يغفل طبيعة الانسان وواقعه كما أن الواقعية هي التي لا تغفل عن مراعاة واقع الكون من حيث هو حقيقة واقعية ووجوداً مشاهداً وهذا ملموس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحال دعوته الواقعية حيث أنها جاءت لمراعاة أحوال الناس والبصيرة بواقعهم وظروف الزمان وموازين السلوك الاجتماعي وتوجيه دعوته صلى الله عليه وسلم وفق ذلك الاعتبار واشمل تعريف اصطلاحي لواقعية التشريع الاسلامي أنه لحاظ واقع الانسان من حيث طبيعته وتكوينه الجسمي والعقلي والروحي والنفسي وطاقته ووسعه ومراعاة ذلك كله بالحكم الشرعي المناسب المحقق للمصلحة المعتبرة على وجه ينسجم مع ثبات الشريعة وشمولها ويتضح هذا فيما يلي :[c1]أولاً :[/c] إن الواقعية وصف ثابت لظاهرة من أوصاف وخصائص الشريعة الاسلامية فقد كانت هذه الواقعية محل عناية واعتبار في التشريع الاسلامي منذ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تضافرت الادلة الكثيرة على اتصاف التشريع بهذا المعنى بصورة ترقي الى درجة القطع.[c1]ثانياً :[/c] لقد لاءم التشريع بين حجم التكاليف ومقدارها من جهة وبين طاقة المكلف واستطاعته من جهة أخرى مراعاة لواقعه واعتباراً له لأن تكليف المكلف في حدود طاقته دليل على ملاحظة واقعه.[c1]ثالثاً :[/c] لقد راعى التشريع الاسلامي واقع الانسان بمكوناته كلها الجسدية والعقلية والنفسية والعضوية وحاجاته المختلفة فيما شرعه له من الاحكام حيث يعد الانسان أهم عناصر الواقع في التشريع الاسلامي فجاءت الاحكام الشرعية ملائمة لمستوى تلك المكونات الواقعية المختلفة والمتفاوتة فيما بين الناس وملبية لحاجاتهم ورغباتهم الاساسية .[c1]رابعاً:[/c] لم يغفل التشريع الاسلامي عناصر الواقع المحيطة بالانسان وواقعه الذي يعيش فيه وإنما رعاها حق رعايتها إذ جاءت الاحكام الشرعية ذات الصلة بالواقع الكائن وفيه الانسان ملائمة لخصائص ذلك وخصوصيته .[c1]خامساً :[/c] يتساوى المكلفون في أسباب الاعتقاد ويتفاوتون فيما عدا ذلك غالباً لتفاوتهم في العجز والقدرة والضعف والقوة والصحة والمرض والامن والخوف والذكورة والانوثة والحرية والعبودية والاختيار والاضطرار وغير ذلك حيث شرعت لكل من هؤلاء أحكام تناسب أوصافه وتليق بحاله.[c1]سادساً:[/c] يختلف حكم الفعل الواحد لاختلاف حال فاعله أو قصده وهذا ناتج عن إلحاظ التشريع خصوص كل واقع ومراعاته بتشريع الاحكام الملائمة له.[c1]سابعاً :[/c] قد ينعقد الاجماع بناء على إعتبار واقع معين يلحظه المجمعون وينيطون إجماعهم به فإذا تغير هذا الواقع ولم يعد الحكم الاول المبني على ذلك الواقع في وقت الاجماع- محققاً للمصلحة جاز للمجمعين أن يغيروا اجتهادهم وما أجمعوا عليه سابقاً لأنه مبنى على اجتهاد لوحظ فيه واقع معين.[c1]ثامناً:[/c] تقوم الاحكام المعللة أي المعقولة المعنى على ملاحظة الواقع مراعة شاملة بحيث يتسع حجم الواقع المعتبر ومن ثم يتحقق للتشريع شموله .[c1]تاسعاً :[/c] إرتباط الاحكام بعللها بحيث تدور معها وجوداً وعدماً قائماً على أساس إلحاظ الواقع واعتباره.[c1]عاشراً:[/c] تقوم الاحكام المسندة على الاستحسان على الواقعية لأن الصور المستثناة من قاعدة أو أصل كلي تختص بوصف يفارق الوصف الموجود في الصور المحكومة بالاصل الكلي ولهذا خصت الصور المستثناة بحكم يلائم واقعها لافتراق الواقعين وعدم تساويهما من كل وجه.[c1]أحد عشر:[/c] تعد أعراف الناس وعوائدهم واقعاً سلوكياً حظى برعاية التشريع الاسلامي حيث أقر الشارع الصالح منها وسكت عن بعضها وجعل كثيراً منها متعلقاً لأحكام شرعية ومناطاً لها بحيث تدور تلك الاحكام مع ما انيطت به من العرف المتيغر والمختلف والمتجدد لما عرف عن هذا الواقع السلوكي من التغير والاختلاف والتجدد ولهذا روعي هذا الواقع رعاية مستمرة ومتجددة حتى لا يقع المكلفون في حرج.[c1]إثنا عشر:[/c] تعد المصلحة المرسلة من الادلة التي تعمل على إتساع حجم الواقع المعتبر حيث أن التشريع لم ينص على جزيئات المصالح الى يوم الدين وإنما نصت على بعضها وجعلت المصلحة المرسلة مستنداً لما يستجد في الواقع من وقائع ووسائل وأساليب لكي يختار منها كا يناسب كل واقع ويحقق فيه المصلحة المقصودة .[c1]ثلاثة عشر:[/c] يعلم الاستصحاب على اظهار واقعية التشريع واستمرار العمل بها حيث يعمل على تقرير الواقع المباح من جهة ومن جهة أخرى فإنه يعمل على اتساع دائرة العفو التي تركتها النصوص قصداً لتملأ من قبل المجتهدين بما يناسب كل واقع لأن الواقع لا يسير على نمط ثابت بل يتغير ويختلف.[c1]أربعة عشر :[/c] ضرورة الموازنة بين المجتهد بين المصالح والمفاسد عند التعذر تحصيل المصالح كلها أو دفع المفاسد كلها على أساس الواقعية لمعرفة الحكم الشرعي المطلوب من ذلك الواقع ومعرفة الراجح والمرجوح منها ليتبع على أساس ذلك معرفة ما له الاولوية في الجلب أو الدفع وفق ترتيب معين مشروع.[c1]خمسة عشر :[/c] اقتضاء الادلة للاحكام بالنسبة الى محلها ليست على وزن واحد لأنها قد تقتضي حكماً واقعاً على المحل كجرداً على التوابع والاضافات بوجوب النكاح على من يخشى العنت وإباحته لمن لا إرب له في النساء فلابد للأخذ بالدليل مع قيد الوقوع معناه التنزيل على النماط المعين وتعيين المناط موجب في كثير من النوازل الى ضمائم وتقييدات لا يشعر المكلف بها عند عدم التعيين.[c1]ستة عشر :[/c] النظر في مآلات الافعال عند تنفيذها في واقع ما معتبر مقصود شرعاً وذلك أن المجتهد لا يحكم على الصادرة عن المكلفين بالاقدام أو الاحجام إلاّ بعد نظرة الى ما يؤول إليه ذلك الفعل في الواقع فقد يكون مشروعاً لجلبه مصلحه أو دفعه مفسدة ولكن له مآل على خلاف ما قصد به وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك .[c1]سبعة عشر :[/c] هناك انسجام بين واقعية لتشريع الاسلامي وثباته بل تعد الواقعية من أهم العوامل المؤدية الى بقاء التشريع وخلود وصلاحه لكن زمان ومكان وحال لأنه لو شرعت للناس أحكام بغض النظر عن واقعهم لم استطاعوا الاتيان بها جميعاً في أي واقع ومن كل أحد بصفة دائمة ومستمرة فواقعية التشريع لا تعني نسخه وتبديله لأنها تستند الى التشريع نفسه لا إلى هوى النفوس وتبرير الواقع غير المعتبر.[c1]ثمانية عشر :[/c] تنسجم واقعية التشريع الاسلامي في عمومة وما يقتضيه هذا العموم من تناوله للناس والازمنة والامكنة على سبيل التساوي لأن المكلفين يتساوون في أصل التكليف وقد يتفاوتون فيما عدا ذلك نظراً لتفاوتهم في الخصائص الواقعية التي يتمايزون بها فإن الشارع الحكيم سوى بين المكلفين في أسباب الاعتقاد وفاوت بينهم والمكان اعتباراً له حيث جاءت كثير من الاحكام الشرعية في الفقه الاسلامي منسجمة وملائمة لخصائص كل واقع .[c1]تسعة عشر :[/c] تعد المرحلية من الخطوات التي سار عليها التشريع مراعاة للواقع واعتباراً له حيث جاءت كثير من الاحكام متدرجة وسارت بالناس سيراً متانياً الى أن أكتمل التشريع لأنها لو نزلت دفعة واحدة وطولب بها المسلم لما قدروا عليها لأن الامة الاسلامية كانت في طور الطفولة والطفل لا يتسطيع أن يقوم بكل ما يقوم به الشخص الكامل السوي الراشد فاتبع معها سنة التدرج شيئاً فشيئاً الى أن تكامل بيانها واشتد عودها واصبحت قادرة على تحمل التشريع في صورنه المكتملة.[c1]عشرون :[/c] يحتاج الناس الى التدرج الكمي أو السير على مراحل في حالة ضعف المسلمين وقتهم وغياب سلطاتهم كما احتاجوا للتدرج في عصر التنزيل مراعاة لواقعهم ليستطيعوا بمراعاة هذا الواقع تأجيل بعض الاحكام التي تتطلب توافر شروط معينة في الواقع الى أن تتوافر تلك الشروط .[c1]واحد وعشرون:[/c] راعى التشريع الاسلامي الواقع الطارئ في حياة المكلفين كما راعى الواقع المعتاد حيث عمل التشريع على إيجاد المخارج المشروعة إذا عرض للمكلف واقع طارئ وجعله سبباً في التخفيف عن المكلف بحيث جاءت الاحكام كلائمة لهذا الواقع.[c1]إثنان وعشرون:[/c] إن واقعية التشريع التي عمل بها المجتهدون على مر العصور تعيننا على تفهم بعض أسباب اختلاف الفقهاء لأن كمية غير قليلة من اجتهاداتهم قامت على أساس الواقع الذي عايشوه ولاحظوه فاختلفت اجتهاداتهم باختلاف واقعهم مع واقع غيرهم من الفقهاء .[c1]أخيراً:[/c] هذه نقاط يسرها الله عز وجل في تقصي يسر الاسلام ومكانته ورحمة هذا الدين بالامة التي أنزل من أجلها فكانت خير الامم افضلها بنص القرآن الكريم وحديث المشرع (صلى الله عليه وسلم).[c1]* رئيس محكمة شمال الحديدة الابتدائية[/c]
|
تقرير
حقيقة الواقعية في التشريع الإسلامي
أخبار متعلقة