أضواء
يتخيل المتابع لبعض وسائل الإعلام المحلية، المسموعة غالباً، والمقروءة أحياناً، أن المسلمين الآن على أبواب فرنسا، أو بلاد الغال كما كانوا يسمونها، يخوضون معركة “بلاط الشهداء” ضد الفرنجة، وخطيب الإذاعة وكاتب الجريدة يحثانهم على الجهاد ويبشّرانهم بجنَّات الخلد والحوّر العين. من المفيد التذكير بالزكاة وثوابها عند الله، لأن من بين المستمعين والقرّاء من يزكي فعلاً ويهمه أن يعرف أكثر، وهناك من لا يزكي، فتكون تذكرة له. والأمر نفسه بشأن باقي العبادات من صلاة وصوم وحج وغيرها. لكن ما الهدف من خطب وموضوعات تذكِّر بمشروعية وثواب الجهاد الحربي، وليس جهاد الإعمار أو الإصلاح أو جهاد النفس، وليس بين المتلقين من يقاتل في سبيل الله، ومن المستبعد أن تصل موجات البث أو صفحات الجرائد إلى أفغانستان مثلاً، حيث القتل والقتال، أو العراق أو فلسطين؟ ولو افترضنا أن المقاتلين هناك يتصبّرون على مشقة “الجهاد” بخطب إذاعاتنا وكلام جرائدنا، فهل ما يحصل في أفغانستان والعراق يعتبر جهاداً في سبيل الله؟ أما في فلسطين حيث الأمور أكثر وضوحاً، فحتى حركة “حماس” تتحاشى في خطابها الرسمي ذكر “الجهاد” وإنما هي “مقاومة العدو الصهيوني”، بل إن اسمها مشتق من الحروف الأولى لـ”حركة المقاومة الإسلامية”. فلمن توجه تلك الخطب والموضوعات إذن؟إذا لم يهدف القائمون على وسائل الإعلام تلك حضّ جمهور الخارج، فلابد أن المقصودين هم شباب الداخل. وإذا كان كذلك، وأرجو ألا يكون، فهل مسموح سفر الشباب إلى بؤر القتال التي ترحب بالمقاتلين العرب، أفغانستان والعراق، في ظل القانون الدولي والمواثيق الدولية، وخصوصاً أن دولة الإمارات ساهمت في تدريب فرق عسكرية جديدة للجيش العراقي، وأن فرقاً إماراتية موجودة في أفغانستان تعمل في مجال الإغاثة وإعادة البناء والتعمير؟وإذا لم يكن هذا وذاك، فهل الحديث عن الجهاد مقصود فيه تهيئة الشباب لحرب دينية في المنطقة لا يسمع دقّ طبولها إلا القائمون على تلك الوسائل الإعلامية؟ وهل يعتبر أصلاً الدفاع عن الأوطان القُطرية في هذا الزمن جهاداً ونحن نعلم جيداً ما يحمله هذا المصطلح الديني من تبعات ونتائج بالغة الخطورة، أقلها عدم التعاون مع غير المسلم في القتال ضد المسلم، حتى لو كان الأخير هو المعتدي، كما حصل مع الكويت في استعانتها بالقوات الأميركية لطرد الغزاة العراقيين. وأكثرها خطورة إلغاء الحدود، لأن الإسلام الجهادي لا يعترف بها، ليهبّ المسلمون من إندونيسيا وبنغلادش وباكستان والسنغال وألبانيا وغيرها من بلاد المسلمين لـ”الجهاد” معنا والدخول معهم في متاهات لا نهاية لها. وألا يعلم القوم أن مصطلح (الجهاد) لم يعد له وجود في دنيا الواقع ورحل مع رحيل الخلافة الإسلامية- التركية، وأنه استُدعي بفعل فاعل، أميركي كما يُقال، إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان وكانت ثمار هذا الاستدعاء كارثية، أقلها عودة “المجاهدين” إلى أوطانهم ومحاولة بعضهم مواصلة “الجهاد” ضد دولهم، وأكثرها ظهور إرهابيين من أمثال أسامة بن لادن؟ تحتاج وسائل الإعلام إلى التدقيق في خطابها الديني، فكل ما يبث وينشر عبرها لابد أن يكون له هدف وجمهور متلقٍّ، فما الهدف من الكلام عن الجهاد ومن هي الشريحة المستهدفة؟ هل من جواب يرحمكم الله؟[c1]* صحيفة (الاتحاد) الضبيانية[/c]