أضواء
في كتابه (علم النفس الاجتماعي والتعصب) أشار أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، الدكتور جون دكت أن هناك نوعين من التعصب أثارا اهتمام علماء الاجتماع عمومًا، وعلماء النفس خصوصًا، هما التعصب ضد السامية الذي تشكل على خلفية ما تعرض إليه اليهود من مذابح في عهد النازيين الألمان، والتعصب العنصري إما في شكله الاجتماعي بالصورة التي ظهر عليها في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في شكله العام.وهذا يعني أن التعصب الديني لم يحظ باهتمام واضح وكبير عند علماء الاجتماعيات ومنهم علماء النفس، لأن هذا النمط من التعصب لم يعد يمثل مورد ابتلاء واسع في المجتمعات الغربية آنذاك.وحين تطرق جون دكت إلى هذا النمط من التعصب الديني في كتابه المذكور، لم يوله قدرًا كبيرًا من الاهتمام، ولم يخصص له فصلًا مستقلًا يتوسع في شرحه، وشرح النظريات المتصلة به والمفسرة له، مع ذلك فقد أشار إلى ملاحظات مفيدة، لافتا النظر إلى تركيز الدراسات التي تناولت قضية الدين والتعصب على الديانة المسيحية، لسبب واضح في نظره لأن أغلب الدراسات أجريت في أمريكا الشمالية، إلى جانب دراسات شملت اليهود، غير أن القليل من هذه الدراسات المنهجية -كما يضيف جون دكت- أجريت على التعصب في إطار علاقته بمعتقدات أخرى كالبوذية والهندوسية والإسلام رغم انتشارها. هذه الملاحظات التي أشار إليها في وقت سابق جون دكت، لا شك أنها قد تغيرت اليوم بصورة كبيرة، ولا يمكن القياس عليها. فالتعصب الديني الذي لم يكن في السابق يحظى باهتمام كبير بات اليوم موضع اهتمام العالم، ويتقدم على غيره من أنماط التعصب الأخرى. كما ان الدراسات التي كانت تركز سابقًا على الديانة المسيحية بشكل أساسي، وبقدر ما على الديانة اليهودية في الحديث عن الدين والتعصب، تغيرت كذلك وبات الاهتمام يتركز وبشكل أساسي على الديانة الإسلامية، وبقدر ما على باقي الديانات الأخرى. ويعد هذا التغير أمرًا واضحًا ومدركًا عند الباحثين والمهتمين بهذا الشأن، وذلك لشدة وضوحه وانكشافه، وتواتر الحديث عنه على مستوى العالم. وجاء هذا التغير نتيجة التوترات الدينية المتزايدة في مجتمعات العالم العربي والإسلامي من جهة، وارتفاع وتيرة هذه التوترات الدينية على مستوى العالم من جهة أخرى، بالإضافة إلى تزايد الأحداث والاضطرابات السياسية والاجتماعية التي ترجع إلى أسباب دينية، أو تتداخل مع هذه الأسباب بصورة من الصور القريبة أو البعيدة، المباشرة أو غير المباشرة. أما الحدث الأبرز الذي مثل نقطة تحول في مسار الاهتمام بهذه القضية، فهو حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، الذي يعد أعظم حدث هز العالم من بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد حدث انهيار الاتحاد السوفيتي وتلاشي منظومته الشرقية وتصدع أيديولوجيته الماركسية. وما ينبغي التأكيد عليه أن التعصب الديني لا يظهر إلا في ظل تأزمات فكرية، ويكون هو من تجليات هذا التأزم، لأن التعصب لا ينشأ من الدين، وإنما من الفكر الذي يكون المعرفة بالدين، لهذا فإن معالجة التأزم الفكري هو مدخل لمعالجة التعصب الديني. [c1]* عن /جريدة “عكاظ” السعودية[/c]