وأخيرا، أعلنت (حماس) انتصارها، واحتفلت بتحرير (غزة) من السلطة، بعد سقوط أكثر من (70) قتيلا والمئات من الجرحى، واستيلائها على المقرات الحكومية والأمنية ومحاصرة آخر المعاقل الاستخبارية التابعة للسلطة وفتح، لقد بلغت ضراوة ووحشية حرب الإخوة الأعداء إلى ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين كما يقول بيان «هيومن رايتس» الذي أشار إلى الفظائع المرتكبة ومنها مقتل «السويركي» طباخ (ابومازن) الذي ألقي به من الطابق (15) ويداه ورجلاه مقيدة. ما حصل هو النهاية الطبيعية المتوقعة لحرب الإخوة الأعداء المستمرة منذ فوز حماس بالانتخابات ووصولها إلى السلطة التي هي الهدف الأول والأخير لكل التنظيمات الأصولية في المنطقة والتي تمتلك السلاح وتتاجر بشعارات المقاومة والنضال والكفاح المسلح لتحرير فلسطين، وقد لا نستغرب في ظل رفض (حماس) قرار (ابومازن) إقالة هنية وحكومته ومع استمرار التأزم، أن تعمد (حماس) إلى إعلان (الطلاق) بين قطاع غزة والضفة الغربية، لتنفرد حماس بإمارة (غزة) الإسلامية وتنسحب (السلطة) إلى الضفة وتترك حماس وشأنها وهكذا يصبح لدينا ممثلان شرعيان لفلسطين! لا غرابة في ذلك، لأن هدف إقامة (إمارة) أو (دوقية) أو (دولة) إسلامية تحكم بشريعة الله وفق مفهوم خاص، وهو الهدف النهائي والأساسي لكل الجماعات الدينية المسلحة، تلك الجماعات ـ جميعا ـ تسعى بكل قوة ولدرجة الانتحار للاستيلاء على رقعة من الأرض تنفرد بحكمها ومن غير معارضة لتطبق الحدود الشرعية طبقا لفهم مشدد وضيق ولتصادر الحريات وتقمع المرأة وتضطهد الأقليات الدينية طبقا لنموذج دولة (طالبان). هدف كل تلك الجماعات واحد، السلطة والحكم ـ وحدها ـ هكذا أرادت حكومة ميليشيات المحاكم في الصومال قبل انهيارها وفرارها وهو الهدف الذي سعت إليه جماعة (فتح الإسلام) من قتلة الجنود وهم نائمون وفي إصرارها على محاربة الجيش اللبناني، لقد كانت تخطط لـ (إمارة إسلامية في طرابلس) وجماعة (الحوثيين) في اليمن . والتي تستميت في القتال تريد - أيضا ـ دويلة دينية مستقلة .. وأما الجماعات الإرهابية في العراق فكل جماعة تريد إمارة مستقلة .. بل حتى السنة والشيعة كل واحدة تريد إمارتها المستقلة والجماعات المسلحة في الجزائر لن تستكين ـ مهما كانت سياسة العفو والمصالحة إلا بواحدة من اثنتين: الشهادة أو السلطة، ومثلها في ذلك (طالبان) وبخاصة بعد أن ذاقت خمرة السلطة، وحتى مولانا عبدالعزيز امام المسجد الأحمر في باكستان يريد دولته الدينية الخاصة به. إننا نحمد الله اذ لم يتمكن هؤلاء من السلطة وحتى في حالة وصولهم فإن الله يكشفهم إمام شعوبهم في سوء إدارتهم لأمور المجتمع، فتهتز صورتهم ويفقدون المصداقية، وبسبب غرور تلك الجماعات الأصولية وضعف خبرتها في الشؤون الدولية نقع في أزمات قاتلة مع القوى الكبرى إذ ترتكب حماقات فتقع في المصيدة ويزول حكمها الذي يشكل كابوساً على صدر الشعب، إنه لبلاء عظيم لأي مثقف حر أو ذي ضمير أو فنان ومبدع أن يعيش في كنف حكم تلك الجماعات الشمولية. حيث لا ثقافة ولا فن ولا إبداع ولا حرية، إنه الكآبة بكافة مظاهرها، ولذلك أثمن كلمة (أدونيس) واعتبرها تحذيراً للشعب الفلسطيني حينما قال: «أنا ضد حكومة حماس، حتى لو حررت فلسطين، حماس ستبني دولة دينية شمولية تنتهك الحريات وحقوق الإنسان» حمداً لله إذ نعيش في ظل حكومات مهما اختلفنا معها إلا أنها لا تصادر حرياتنا في النقد في إطار النظام والتشريعات. دعونا نتساءل: لماذا سمحت مجتمعات وحكومات لتلك الجماعات بحمل السلاح الذي انقلب في النهاية وبالاً عليها وسبباً في بؤسها وشقائها؟! إنها ثقافة (الكفاح المسلح) لتحرير فلسطين، تلك الثقافة السياسية التي كرستها أدبيات الفكرين القومي والديني مدة نصف قرن لتتحول إلى شعار للمتاجرة والمزايدة والارتزاق. لقد ظلت أدبيات الفكرين القومي والديني تتهم ـ وحتى الآن ـ عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة القوى الكبرى بأنها وراء مخططات لتفتيت الدول العربية وتمزيقها إلى (كانتونات) تبعاً لسياسة (فرق تسد) ترى ماذا تقول تلك الأدبيات ـ الآن ـ وما موقفها من الجماعات الدينية المسلحة التي تريد تمزيق مجتمعاتها وأوطانها لتشكل دويلاتها الدينية؟، من الذي يريد ويسعى حقاً للتقسيم؟! ومن الضامن الحقيقي في العراق وفي فلسطين ولبنان ضد التقسيم؟! إنه المجتمع الدولي، ـ المتهم لدى بعض العرب ـ المجتمع الدولي هو الضامن والمانع للتقسيم لا نحن ويجب أن نعترف بذلك. كما نعترف بأن المجتمعات العربية، تحصد ـ الآن ـ الثمار المريرة لثقافة سياسية ـ لا مضمون لها ـ تم زرعها على امتداد نصف قرن، وهي الآن، تشقى بها كما تشقى بسلاح المقاومة الذي انقلب عليها، إن ضحايا سلاح المقاومة يتساقطون يومياً بالمئات في العراق وهم أبرياء، وأما في لبنان فما زال سلاح حزب الله يؤزم الوضع ويرهب وهو في خدمة الخارج بأكثر من خدمة الداخل وسلاح إرهابيي «فتح الإسلام» يحصد من الجنود يومياً لا من إسرائيل. كما أن مسلسل اغتيالات خيرة العناصر الوطنية اللبنانية مستمرة وكان آخرهم وليس الأخير النائب الحر المستقيل وليد عيدو وولده ومن معه، وما كان ذلك ليحصل لولا سلاح المقاومة الذي يعبث ويعربد في لبنان، لقد استضعفوا لبنان فأصبحت حديقة بلا سياج يحمي ضد الثعالب والذئاب المتسللة. وها هو سلاح المقاومة ينقلب على الفلسطينيين أنفسهم ليقاتلوا بعضهم بعضاً في حرب عبثية مجنونة. هل آن للعرب أن يتعلموا من دروس الفشل في النضال؟! لا أظن، فنحن لم نتعلم بعد من دروس الهزيمة الكبرى! وهناك من يستكثر علينا الذكرى الأربعين للهزيمة المريرة، ويصر على أنها (نكسة) ويتهمنا باستمراء (جلد الذات) ومازال رموز الهزيمة يطلون من الفضائيات ويبررون الهزيمة ويتهمون الأعداء الخالدين. لم نتعلم من درس الهزيمة كما فعلت اليابان وألمانيا اللتان انقلبتا على فكر وثقافة الهزيمة فتفوقتا، نحن مازلنا نكابر ونكرر بعناد مدهش نفس أخطائنا!! لماذا؟ لأن كبار رموزنا ومشايخنا أقنعونا أن الأمر كله مجرد (نكسة) عابرة، وأنه بمزيد من ركوب الرأس والعنتريات والمناطحة والعمليات الانتحارية سينصرنا الله!! لو كنا تعلمنا الدرس لما ارتكب البعض مغامرته الكارثية ويقول إنها نصر الهي!! هؤلاء يرتكبون الخطايا ولا يعتذرون!![c1]* كاتب وأكاديمي قطري[/c]
لماذا لانتعلم من أخطائنا؟
أخبار متعلقة