أمين عبدالله إبراهيم :لا شك في أن المشكلة السكانية في بلادنا بأبعادها المختلفة أصبحت تفرض نفسها بقوة على الساحة الوطنية ما جعلها مثار نقاش وحوار وجدل جاد وحقيقي وتحظى باهتمام واسع في الدوائر العلمية والجهات المعنية وايضاً دوائر أصحاب القرار ومتخذيه. وإذا ما عدنا بذاكرتنا قليلاً إلى أواخر سنوات القرن الماضي وتحديداً بداية التسعينات سنجد أن هذه الفترة قد شكلت بداية الانطلاقة العملية الأولى لتشكيل وبلورة رؤية علمية واقعية واضحة حول القضية السكانية في بلادنا وخاصة فيما يتعلق بعملية تنفيذ وتحليل وتفسير ما هي ونوعية العلاقة الترابطية بين الأوضاع الاقتصادية السكانية وأفضت هذه العملية في النهاية إلى تأكيد العلاقة التبادلية بين مستويات النمو الاقتصادي والاجتماعي والنمو السكاني الأمر الذي أدى إلى تنامي الوعي بأهمية المشكلة السكانية وضرورة إيجاد حلول ومعالجات عاجلة لها منذ بدايات سنوات تلك الفترة التسعينية والتي تمخض عنها إنشاء المجلس الوطني للسكان وأمانته العامة وإقرار أول إستراتيجية وطنية للسكان وخطة عملها التي غطت الفترة ( 1990 - 2000م) بالإضافة إلى عقد المؤتمرين الوطنيين الأول والثاني للسياسة السكانية خلال عامي 1991 - 1996م. وباعتقادي أن تنامي الوعي بالمسألة السكانية وتحقيق تلك الخطوات العملية لمواجهتها لم يكن له أن يتم ويتطور منذ تلك الفترة الزمنية وحتى إن لم يكن هناك إدراك سياسي بحجم وأبعاد المشكلة السكانية وما يترتب عنها من آثار سلبية وتحديات مختلفة على حاضر ومستقبل التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد ، والذي بدا واضحاً من خلال الدعوات المتكررة والمستمرة للقيادة السياسية الحكيمة بضرورة الاهتمام والتركيز أكثر على القضية السكانية وإعطاء أولوية خاصة لتكثيف وتوسيع برامج وحملات التوعية لدى عامة الناس بأهمية وفوائد الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة على الفرد والأسرة والمجتمع صحياً واجتماعياً واقتصادياً وتربوياً وتعليمياً وخدماتياً..الخ. * ومما لاشك فيه أيضاً أن التنمية الشاملة المستدامة هي مفتاح الوصول إلى مرحلة التحول الديموغرافي الذي يسمح بانفتاح النافذة الديموغرافية والوصول بمعدلات الخصوبة إلى مستوى الإحلال المأمول وذلك لن يتأتى إلا في ظل وجود بيئة تعليمية وثقافية وصحية وسياسية بل مستويات معيشة معقولة وفرص عمل منتجة وفعالة توفر لهذه العلاقة المتشابكة النجاح والصمود ، حيث تتغير بالفعل السلوكيات الإنجابية للأفراد ويحدث تصور واقعي لحجم الأسرة المأمول ويحفز المرأة على استخدام موانع الحمل ( وسائل تنظيم الأسرة) للوصول إلى حجم الأسرة المرغوب فيه.الجدير تأكيده هنا أن السياسة السكانية الناجحة لابد أن تأخذ في الاعتبار المستوى التعليمي والصحي وتحسين أوضاع المرأة وارتفاع مستويات التشغيل وإيجاد فرص عمل لائقة وكريمة ومنتجة خاصة للنساء ومن جانب أخر تقديم خدمات تنظيم الأسرة ولكي تحدث نقلة نوعية في السلوك الإنجابي المصاحب لإنجاح كافة العناصر فلا بد أن يتم ذلك وفقاً لمنظور التنمية الشاملة والمستمرة والتي تسهم بزيادة في القيمة المضافة للاقتصاد الوطني. وطبعاً فإن ذلك لن يتأتى إلا من خلال العمل على تطبيق مبدأ العدالة في توزيع ثمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية على كافة فئات وشرائح المجتمع وكافة أرجاء المعمورة وليس فقط على قمة الهرم الاجتماعي وبعض المحافظات دون غيرها، والقضاء على التركز الجغرافي للسكان والنمو وتركز الأنشطة الاقتصادية والتوازن بين قطاعات النشاط الاقتصادي حيث يلاحظ تركز النمو في عدد محدود من المحافظات التي تتوافر فيها الخدمات والبيئة الداعمة للاستثمار ما أدى إلى جذب مزيد من الزحف السكاني لهذه المحافظات خاصة في ظل توافر فرص العمل التي تتحقق من الأنشطة الاقتصادية وارتفاع مستوى الخدمات ما أدى بالتالي إلى ارتفاع الكثافة السكانية وتركز العمالة والهجرة الداخلية وانتشار العشوائيات حول هذه المدن والمحافظات الجاذبة ، فضلاً عن تصدير البطالة إلى المناطق كثيفة السكان في الحضر. وختاماً يمكن القول إن حشد وتعبئة المدخرات الوطنية لزيادة الاستثمارات زيادة ملموسة من شـأنه أن يرفع مستوى التصنيع ويفتح المجال لفرص العمل في القطاعين الرسمي وغير الرسمي ما يؤدي إلى تغير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وزيادة الطلب على قوة العمل بما يفتح المجال واسعاً للارتقاء بأحوال السكان ويوفر الموارد المطلوبة للتوسع الكمي والكيفي في مجالات التعليم والتدريب وتوفير فرص العمل ويقضي على الاختلالات الهيكلية وتجزئة سوق العمل وتنامي العمالة في القطاع غير الرسمي.
التنمية الشاملة أساس نجاح السياسة السكانية
أخبار متعلقة