عصام خليدي فجعت الأوساط الفنية والثقافية صباح يوم الأحد الموافق 7/فبراير/2010م بوفاة الفنان الكبير فيصل علوي في مستشفى الجمهورية التعليمي م/عدن عن عمر ناهز (61 عاماً) إثر مرض عضال ألم به في الفترة الأخيرة.والفنان فيصل علوي كان منذ بداياته الأولى واحداً من أهم مطربي الغناء اليمني وتحديداً لون الغناء اللحجي (القديم والمعاصر) وممن ساهموا بفاعلية في استنهاض وبروز دور (الندوات اللحجية) في خمسينات القرن المنفرط، واستطاع بما حباه الله من ملكات ومواهب (استثنائية متميزة) في عزفه المتقن المتمكن والبارع على آلة العود وغنائه الساحر الأخاذ وصوته العذب الرخيم، نشر الأغنية اللحجية بنكهتها ومذاقها المتفرد بكل (حرفية وأمانة وصدق) ونجح بتوصيلها بمستوى فني عال وراق(ليبعث الروح إليها والحياة) مجدداً وينفض غبار الزمان من عليها باشتغالاته الإبداعية الرائعة الفذة.الأهم من ذلك قدرته اللافتة على التعبير والتصوير بطريقته الإبداعية وقوالبه وجمله اللحنية (الفيصلية) التي جعلت المتلقي المستمع والمتذوق لأعماله وأغانيه في كل بقاع الأرض والمعمورة يرحل على بساط صوته القوي المعبر إلى جناين الحسيني وبساتين الرمادة ونستطيع القول مجازاً إن فيصل علوي .. يمتلك (صوتاً عابراً للقارات).لقد كان ابن علوي رحمه الله أفضل وأروع وأعظم حنجرة وصبابة شذت وتألقت بألحان العباقرة: الأمير أحمد فضل القمندان / الأديب العلامة عبدالله هادي سبيت/ فضل محمد اللحجي/الفليسوف والأديب صالح فقيه / صلاح ناصر كرد / سعودي أحمد صالح.. وآخرين، وداعبت أنامله وعُزفت على أوتار عوده قصائد الشعراء الأساتذة: صالح نصيب/ أحمد صالح عيسى/ احمد سيف ثابت/ سالم علي حجيري/ صالح فقيه/ عبدالله هادي سبيت/ عبدالحليم عامر/ الأمير محسن بن مهدي/ صالح اللبن/ عبده علي ياقوت/ أحمد عباد الحسيني/ الأمير صالح مهدي/ عبدالله سالم باجهل.. وغيرهم.تميزت ألحان الفنان الكبير فيصل علوي بقدرة فائقة في نقل وترجمة هموم وقضايا ومعاناة الإنسان اليمني البسيط المكافح بتلقائية وعفوية وعمق غير مسبوق مبتعداً عن التكلف والصنعة والافتعال في تجربته ومشواره الفني إضافة إلى ذلك فقد شكل بعطائه ونتاجاته الإبداعية نموذجاً متألقاً (لابن بيئته ومحيطه) في لحج الخضيرة ونستطيع أن نلمس ونحس ذلك الأمر بوضوح في أغنياته ذات الطابع الشعبي الممزوج بالأصالة المتكئة على جذور ضاربة في أعماق التربة اليمنية التي نشم من خلالها عبق الأرض وروائح الفل والكاذي وهمس النسيم على وجنات زهور الياسمين.قدم الفنان فيصل علوي تراث الأمير أحمد فضل القمندان بأسلوبه (المستقل والخاص) فأسس مدرسة (فيصلية) لها قوامها وبنيانها الغنائي الجديد أثرت بصورة واضحة وجلية على كل الأجيال المتلاحقة المتعاقبة إلى يومنا هذا.اتسمت أغانيه التراثية والحديثة (بتنويعات نغمية مقامية وإيقاعية ذات ثراء وخصوبة وحركة ورشاقة في الأرتام والإيقاعات) التي استخدمها بشكل عام معتمداً على غزارة الفلكلور والتراث اللحجي الضخم والزاخر والرقصات الشعبية التي ارتبطت بالأرض ومواسم الجني والحصاد والصرابة والزراعة بكل أشكالها وأنواعها بالإضافة إلى المناخات والطقوس والأمطار خلال فصول السنة ، وما يتبعها من تقلبات و تغيير في طبيعة التربة ولاننسى دور وأهمية دلتا وادي بنا وتبن وغيرهما من مناطق وجود المياه وأثرها الإيجابي على الأرض والإنسان.أبدع الفنان فيصل علوي في رحلاته الخارجية وتسجيلاته الفنية مع (الفرق الموسيقية الاوركسترالية) وتحديداً مع الملحن والموزع المصري الموسيقار عمار الشريعي وحمادة النادي ليصل (بصوته الذهبي الهبة) وما قدمه من الحان متعددة متنوعة إلى (ذروة التألق والإبهار والتفوق على ذاته) مسكتاً بذلك (النجاح المدوي) كل الأصوات النشاز التي حاولت التقليل من إمكاناته وطاقاته الإبداعية ومعلناً عن فشل (رهان) النفوس المريضة وحزب أعداء النجاح، فكان لفيصل علوي هذا الدور والسبق في إخراج الأغنية اللحجية من الإطار المحلي إلى خارج الحدود الجغرافية مع الفرق الموسيقية العربية، فأين الفضائيات اليمنية من تسجيلات بن علوي راقية القيمة والمضمون وأهمية الإفراج عنها بديلاً عما يبث من إسفاف وتخبط..؟!!قام بوضع وبناء وتأسيس (لازمات وأرتام إيقاعية راقصة) مستحدثة متطورة أثناء عزفه وغنائه تقوم بدور مهمة البديل (للإيقاعات المصاحبة) في حفلاته ومشاركاته الفنية في الداخل والخارج.ختاماً: إن رحيل الفنان الرائع المبدع فيصل علوي خسارة فنية فادحة وكبيرة بكل المقاييس والمعايير لايمكن تعويضها على المدى المنظور أو البعيد فقد كان في واقع الأمر (ثروة فنية قومية تمشي على الأرض) لم تقدر كما يجب وينبغي بما تستحق من التقدير والاهتمام والرعاية.. إلا بعد أن داهمته الأمراض وأصابه السقم والإحباط وفوات الأوان .رحم الله فقيدنا وفناننا الكبير الخالد بعطائه وخدمته للوطن، المتواضع في سلوكه وأخلاقياته الأصيلة،وأسأل الله العلي القدير أن يلطف ويعين أسرته وأبنائه ليس اعتراضاً على مشيئة الخالق سبحانه وتعالى بل على تحمل سيل المرثيات والتعازي والمقالات التي ستنهال عليهم ... لكن بعد أن فارقهم إلى دار البقاء الأبدي.. تغمد الله الفقيد برحمته وأسكنه فسيح جناته .«إنا لله وإنا إليه راجعون»[c1]* فنان وناقد في شؤون الموسيقى والغناء[/c]
|
ثقافة
الفنان الكبير فيصل علوي .. (صوت الأرض)
أخبار متعلقة