نبض القلم
مشكلة الأسعار المرتفعة مشكلة قديمة ، ارتبطت عبر التاريخ بالبيع والشراء، وقد انشغل بها الإنسان منذ بدأ يمارس التجارة بيعاً وشراء. والتجارة النزيهة مقياس تقدم الأمم، ومعراج نهضتها، وميزان إنتاجها، من أجل ذلك فإن الأمم اليوم تتنافس تنافساً عجيباً ، وتحشد للعمل التجاري كل ما لديها من إمكانيات وطاقات ، فتقيم المنشآت الاقتصادية، وتؤسس الشركات التجارية، وتسير السفن في البحار والمحيطات، وتغزو بتجارتها الأسواق. وتحاول الدول الصناعية الكبرى في عصرنا التحكم في الأسواق التجارية العالمية، وتعمل ما في وسعها للسيطرة على العالم اقتصادياً وتجارياً.ولا يمكن لأي شعب أن يستغني عن التجارة، لأنها وسيلة فعالة لتبادل المنافع بين الناس ، ووسيلة لتصريف المنتوجات المختلفة، لذلك يصبح العمل التجاري ضرورياً لأي شعب من الشعوب، وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل بالتجارة، فقال: ( عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق) غير أن التجارة في الإسلام لها ضوابط أخلاقية عظيمة، بحيث لو التزم بها التجار لسارت عملية البيع والشراء في نظام سليم يضمن تداول السلع بين الناس على قاعدة المنافع المتبادلة ، من أجل ذلك أهل الإسلام التجارة ووضع ضوابط للتبادل في السلع ونهى عن الاحتكار.فالاحتكار معناه احتباس السلعة لفترة من الزمن وإخفاؤها عن الناس المحتاجين لها، انتظاراً لغلائها عند اشتداد الطلب عليها، والاحتكار بهذا المعنى محرم في الإسلام، وقد ورد في تحريمه أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( من احتكر على المسلمين طعامهم لم يمت حتى يضربه الله بالجذام والإفلاس )، وسب ذلك أن الاحتكار دليل على الجشع ، وهو ينطوي على لون من كراهية التاجر للناس، كما يدل على عدم اكتراثه بالمسؤولية الاجتماعية، إذ أن الاحتكار يؤدي إلى غلاء الأسعار، وإذا غلا سعر أية سلعة صعب على فقراء المجتمع شراؤها، وشق على المعوزين من الناس اقتناؤها، فيصيبهم الضرر ويزداد بلاؤهم ، وتتكاثر همومهم، وتتفاقم مشكلاتهم وتضطرب حياتهم، فتضطرم نفوسهم بالبغضاء، وتمتلئ صدورهم بالحقد والكراهية لكل تاجر ، وعندما تمتلئ صدور الناس بالحقد والكراهية للتجار المحتكرين فإنهم ينتظرون الفرص المواتية لهم ليفرجوا عن غيظهم بوسائل شتى، إما بالشغب ، أو بالفوضى ، أو بالتخريب ، أو بالسرقة أو بإحراق مخازن السلع، أو بارتكاب بعض الحماقات والجرائم التي لا تقرها قوانين ولاتعترف بها شريعة. ورغم ما في احتكار السلع من ضرر على المجتمع إلا أن بعض تجار بلادنا يستغلون حلول شهر رمضان المبارك، فيستعدون لاستقباله ليس بالعمل الصالح، بل باحتكار السلع الضرورية التي يكثر استهلاكها في رمضان ، فيقومون بإخفائها عن الناس قبل رمضان، ثم يعمدون لإنزالها في رمضان وبيعها بأسعار باهظة، وهذا هو الاحتكار بعينه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ) وقال في حديث آخر ( لا يحتكر إلا خاطئ ). [c1]خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان