آثارها على حافة الانهيار !
نعمان الحكيمبالرغم من التناولات المكثفة من مختلف الأقلام، وفي عديد من الصحف والنشرات والمجلات، وما تخللها من ندوات سواءً أكان على مستوى الجمعية اليمنية للتاريخ وجهد الأستاذة د. أسمهان العلس بمعية د. هشام السقاف، أم اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعدن بجهد الدكتور قاسم المحبشي وآخرين، أو كتابات القلم الرشيق الأستاذ نجيب يابلي، وغيرهم ـ وأنا أحد مقدمي هذا الجهد المتواضع ـ برغم ذلك كله إلا أن آثار عدن تكاد تندثر، ومنذ سنين ونحن ننبه وحتى اليوم، وكأننا نحرث في البحر !..الجهات المسؤولة ربما يؤلمها النقد، في حين نحن لا ننتقدها لشخصها، بل لما هو ملقى عليها من مسؤولية يجب أداؤها على أكمل وجه، أو فلنقل كما ينبغي أن يكون الأداء، من منطلق أمانة المسؤولية .. أو التخلي عنها فهو أشرف وأفضل!..ولأننا أمام آثار ومعالم هي جزء مهم من الدولة والتاريخ الناصع للكيانات السياسية من ضمنها المقاومة الباسلة تجاه الغزاة الذين حاولوا احتلال عدن في فترات تاريخية مختلفة وواجهوا شراسة واستبسالاً ومقاومة مكنت المدافعين عن عدن من التصدي للأعداء. فهو تخليد لتلك المعالم التي بها ومن خلالها يسجل تاريخ حقباً زمنية أثيرة . ولعل أهمها: قلعة صيرة وسور عدن التاريخي، ومدرسة جبل حديد لأبناء السلاطين والرؤساء، ثم الصهاريج والمنارة وبوابة عدن التي كانت تسمى (الشصر) .. وياعيني على الشصر الذي كان !.وكإشارة وإنصاف تاريخي لما يعتمل إزاء هذه المعالم، فقد عقدت مؤسسة (الأيام) في فترة زمنية ماضية ندوة عن عدن خصصت لها عنواناً هو (عدن محمية آثارية تاريخية). المقصود بعدن: كريتر التي هي الحي التجاري والتاريخي والحي المقام للغزوات : وهو الحي الذي كان به القادة العظام منذ الزنجبيلي حتى عبدالفتاح إسماعيل وغيره من الزعماء والرؤساء (معاشيق القصر الرئاسي أنموذجان لهذه المدينة البطلة).أقول إن (الأيام) كانت قد جمعت المختصون وفيهم أمين عام المجلس المحلي عبدالكريم شائف، ومدير مديرية خورمكسر السابق د/ غازي محفوظ وعدد من الكتاب والمهتمين وأعضاء جمعية التاريخ بكلية الآداب جامعة عدن للحديث عن خطورة تدهور أوضاع المعالم والآثار، وكانت مبادرة الأستاذ/ هشام باشراحيل في مداخلة قصيرة عبرت عن عمق الحب والتضحية إزاء الحفاظ على معالم الوطن ومنها عدن التي هي مدينة أزلية آثارية تاريخية لا ينبغي أن تهمل معالمها مثلما طمست بعضها للأسف (مسجد أبان والهاشمي) وغيرهما كالمدارس والمعابد والشوارع والأماكن التجارية .. وغيرها !..ومع كل هذا الجهد الذي مر عليه أكثر من عامين، الا أنه لم يثمر شيئاً حتى الآن .. لكن دعونا نقارن فقط لنبين الأهمية في المثال التالي:عندما أعيد نصب تمثال الملكة فكتوريا في حديقة التواهي .. كان وضع التمثال بغير ما كان عليه في فترة الاحتلال، بحيث كان وجه التمثال نحو حديقة نقابة الصحافيين ولكن الأصل أنه كان باتجاه الشارع العام أي بمواجهة مبنى التلفزيون والإذاعة. وهكذا تم التعديل وهو ما نراه اليوم حقيقة ماثلة للعيان !..هذا مثل بسيط للاهتمام من قبل من يهمهم أمر تمثال ربما أنه صنع كما يؤكد بعض المؤرخين والمطلعين في شؤون الاستعمار والمقاومة والتحرير، من صهر مجموعة الأسلحة والمدافع التي قاوم بها سكان وأهل وأبناء عدن الغزاة.ولكن عدم التكافؤ بين إمبراطورية ضخمة ومواطنين بواسل، لم يصمد الحال واحتلت عدن، ولكن كان من نتائج هذا الاحتلال خلق وعي وحس وطنيين جعلا من المدينة قلعة للصمود والتصدي والحضارة بحيث صارت مدينة فسيفسائية يحكمها القانون والنظام والأخلاق بعيداً عن العشيرة والعرف والقبيلة، لأن هذا التشكل ذاب تماهى مع الدولة وصار منها وعاملاً مساعداً لكيان الحكم الوطني الذي مصدر قوته القانون وليس العكس ..لذلك نحن نرى عدن اليوم وبها ازدهار عمراني وحداثة ربما تكون في شكل مبانٍ وشوارع .. لكنها لم تلامس الآثار والمعالم .. وهو ما نصرخ اليوم لنؤكد ضرورة أن نكون مثلنا مثل غيرنا من الدول في سرعة الاهتمام الفعلي دون إبطاء !..اليوم منارة عدن تكاد تتهاوى وعن كثب يمكن للناظر أن يحكم بعد الرؤية ..أما مدرسة جيل جديد فقد تم العبث بها وهي الآن مدعاة للشفقة عليها لأن اليد الحانية لم تصل إليها لإعطائها قيمتها التاريخية والآثارية والسياسية.وأذكر المسؤولين بأن (مدرسة ومسجد العامرية في مدينة ذمار) قد تم ترميمها بخبرات دولية (ايطالية وفرنسية) ولسنين كثيرة حتى عادت جوهرة وأثراً كاملاً، بعد أن كان قد تهاوى أو شارف على ذلك! أما سور عدن والصهاريج وساعة البنجسار وملاحات المملاح الشيخ عثمان وغيرها من الآثار فالحديث عنها يطول، والقارئ ليس كالسامع، قد يمل لكثرة السرد الذي يصبح كالنواح على الأطلال، والمعذرة إن أسرفنا في الكلمات .. أيها السادة !.