صباح الخير
ما احوجنا الى الفكر والفلسفة اليوم ، لمعالجة اوضاعنا وقيمنا ، فقد تأتي بجديد تتحول به حياتنا ومصيرنا ، فنحن امام مأزق تاريخي لا يحسد عليه ، بسبب التسلط السياسي والتزمت الديني ، الطافي على سطح حياتنا، وقد ازدادت وحشة الفلاسفة ورجال الفكر ، وعزلتهم الروحية والاجتماعية ، وتراثنا الفلسفي محبوس ومغضوب عليه ومعزول عن طلبة الثانويات والجامعات وعن واقعنا الثقافي والاعلامي .الاحداث التي شهدها عالمنا في العقود الماضية ، والتي انعكست آثارها علينا بصورة مباشرة وغير مباشرة ، طرحت العديد من الاسئلة ، التي لم تجد من يجيب عنها ، ويقدم التفسير العميق لها وبالتالي ، معالجة هذه الاشكالية التاريخية ، والسبب غياب الفيلسوف الحر والمبدع والذي يفكر بصوت مسموع ، وليس للخاصة ، بل ولكل الناس ، ليس انغماساً في التجريد ، بل التفكير الفلسفي العملي والملامس بصورة مباشرة لقضايانا ، وقد اجبر خليط من القمع والتحريم والتعصب ، فلاسفة الاسلام في الماضي على هجر السياسة ، ولم يملكوا سوى هوامش محدودة من حرية الفكر والبحث ثم اختفت في عصور الانحدار . ونعجز اليوم عن التواصل مع ذلك التراث العظيم ، ولم ننجح في توظيفه ضمن رؤى عصرية ، وفي معالجة المعضلات التي تضطرب على سطح حياتنا ، بل وفي عمقها ، وتشكل همومنا الاساسية ، وقد اختفت المدارس الفلسفية العظمى والايديولوجيات الشاملة التي حاولت تفسير الوجود بكل مكوناته وحراكه ، وحلت محلها مدارس لغوية ونقدية واقتتال غير مفهوم لنا، فقد عم فساد العولمة في كل شيء ، وصار كل مفكر فيلسوف يحصر نفسه في نطاق ضيق وافكار محدودة يدرسها حتى تنضج ، ويناقشها الآخرون حتى تحترق .لا تزال الفلسفة وعاءً للتعبير والتغيير في مثل ظروفنا التي نعيشها اليوم، ويمكن بها تأمل الكثير من جوانب حياتنا وفكرنا ومناهج تحليلنا ، ودراسة سلبيات الحاضر وايجابيات المستقبل المنشود ، ولابد من توطيد حريتنا السياسية والاجتماعية والثقافية يوماً عن يوم ، في اطار مشروعنا النهضوي الشامل ، مهما غلب على الحال مناخ الافكار والتراجع ، فالبشرية تقف اليوم على حافة الهاوية ، بسبب افلاسها القيمي والاخلاقي، ولابد من قيادة للبشرية جديدة تخرجها من دوائر الحيرة والاضطراب .نحن اذاً بحاجة ماسة الى ان نفكر ونبحث في حاضرنا ، ونتصدر مستقبلنا ، فمن لا يملك سوى تصورات تكتيكية لواقعه ودوره ، لا يمكن ان ينازل من يضع الاستراتيجيات الكونية ، ومن جانب آخر فان القمع والتخلف والتشدد الديني وغيرها تعرقل الفكر الفلسفي الحر ولابد ان يتجاوز كل تلك العقبات ، والفيلسوف الحقيقي الذي نحتاجه ، هو الفيلسوف العصري المتصل بالتراث الفلسفي العالمي ، وبعموم الخبرة البشرية ما نحتاجه تفكيراً فلسفياً حراً يسهم في الجهد الانساني الفكري والحضاري والثقافي ، والفيلسوف هو من يستطيع ان يرى نفسه او شعبه كما يراها الآخرون دون ان يغضب ، وها نحن نكتشف كم هي معقدة اوضاعنا .وذلك التعقيد هو ما يجعلنا نستدعي الفلاسفة والمفكرين ليوحدوا صفوفنا في اتجاه عملنا الاستراتيجي على المستوى الوطني والقومي والانساني ، لتوفر قدر كبير من الوضوح في الرؤية وفي المهام العملية ، فاوطاننا مهددة بالتشرذم والتفكك والضياع ، ويعبر عن آلامها اليوم الادباء اكثر مما يعبر عنها المفكرون والفلاسفة ، وصار يشعر بها السياسيون اليوم اكثر من أي وقت مضى ، وفتح المجال لمزيد من المجادلات والتنظيرات الفكرية الفلسفية ، سيمهد ولا شك لنهوضنا الحضاري اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً .