نبض القلم
الأمن بمفهومه العام يعني اختفاء مشاعر الخوف من النفس البشرية وحصول السكينة والاستقرار لدى الإنسان ، وهو مطلب حيوي لكل كائن حي ولا غنى للإنسان عنه لما له من أثر في حياته.وهناك أنوع متعددة للأمن ، منها : الأمن النفسي ، والأمن الاقتصادي ، والأمن الغذائي، والأمن البيئي ، والأمن المائي ، والأمن الوقائي ، والأمن الثقافي ، والأمن الفكري ... وغيرها والأخير هو مقصودنا في هذه المقالة المتواضعة. ولقد تعددت مفاهيم الأمن الفكري ، فهو عند المسلم يحمل معنى وأحداً مفاده : أن يعيش المسلمون في مجتمعاتهم آمنين مطمئنين على مكوناتهم ، محافظين على شخصيتهم وتميزهم الثقافي والفكري. وبموجب هذا التميز الثقافي والفكري يقتضي الحفاظ على خصائصنا الثقافية الأصيلة ، في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة عبر العولمة الثقافية والفكرية ، وهو يصب في مصالح الأمن الوطني.والأمن الفكري يقتضي حماية الهوية الثقافية والوطنية من الاختراق أو الاحتواء من الخارج وهو ما يستوجب الحفاظ على العقل من الاحتواء الخارجي ، وصيانة مؤسستنا الثقافية من الانحراف ، بما من شأنه تطمين الناس على مكونات أصالتهم الثقافية وذلك لخلق نوع من الاطمئنان النفسي ، واختفاء مشاعر الخوف على الهوية لديهم ، وهذا يتطلب العمل المكثف لصيانة عقول أفراد المجتمع من أية انحرافات فكرية أو عقدية مخالفة لتعاليم الإسلام الصحيح وتقاليد المجتمع اليمني ذي الحضارة العريقة.وتأتي أهمية الحديث عن قضية الأمن الفكري في الوقت الراهن لحماية مجتمعنا اليمني من تشتت الو لاءات ، ووقاية أفراده من تغلغل التيارات الفكرية المنحرفة الداعية إلى تفتيت المجتمع وتحطيم بنيته المتماسكة ، والتصدي لثقافة الكراهية التي يعمد بعض المغرضين إلى نشرها في أوساط أفراد المجتمع .ويحتل الأمن الفكري أهمية كبرى في الوقت الراهن من حيث أن تصرفات الناس - عادة - تنطلق من أرصدتهم الفكرية التي تغذى أحياناً بثقافة الحقد والكراهية والحسد ، وهو ما يجعل تصرفات بعضهم تتسم بعدم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ، بل يغلب عليها الأنانية .والهدف من الأمن الفكري الذي ندعو إليه هو الحفاظ على الهوية والثوابت الوطنية، والتي تعد الرابط الذي يربط أفراد المجتمع اليمني ببعضهم ، وحماية عقول الناشئة والشباب من الانحراف الفكري ، والتطرف الديني أو السياسي ، والانحلال الخلقي .والدافع للأمن الفكري هو ما نراه من زخم هائل في بعض وسائل الإعلام الحاقدة التي تبث سمومها في عقول الناشئة والشباب لإيجاد مناخات مناسبة لشق الصف الوطني ، والتشكيك في الثوابت الوطنية ، وزرع بذور الفتن الداخلية ، وإحباط الناس. والمتأمل في واقع الأمن الفكري في مجتمعنا اليمني يصاب بالذهول لما يرى من أسباب وعوامل تقوض بنيان المجتمع وتزعزع أركانه، منها عدم وجود مرجعية دينية في مجال الفتوى ، مما يجعل بعض الشباب يعزفون عن علماء الدين الثقة ، ويزهدون فيما عندهم ، الأمر الذي أوجد فجوة بين الشباب وعلماء الدين بالإضافة إلى ما تبثه القنوات الفضائية المرئية والمسموعة والانترنت من مواد متنوعة تسوق للانحرافات السلوكية والأخلاقية ، إلى جانب الخطاب الديني المتشدد ، والخطاب السياسي غير العقلاني ، كل ذلك وغيره أشاع في المجتمع جواً من اليأس والإحباط ، والاضطراب النفسي والقلق.ويقع على المؤسسات التربوية واجب استثمار عقول الشباب للحفاظ على الأمن الفكري ، ويخطئ من يعتقد أن مهمة المؤسسات التربوية والتعليمية تقتصر على تعليم التلاميذ مفاتيح العلوم من دون العمل على تعليمهم ما يحتاجون إليه في حياتهم العلمية والعملية ، وترجمة هذه العلوم إلى سلوك وواقع ملموس ، وأهم ما يحتاجون إليه هو الأمن في الوطن، ويقتضي ذلك أن يقوم المربون بتشكيل وعي الطلبة بروح الوطنية الحقيقية ، فإذا وجد الطلاب من يوجههم التوجيه السليم نشؤوا نشأة طيبة يعود خيرها على المجتمع الذي يعيشون فيه ، ولذا لا بد من معالجة الانحرافات الفكرية بتطويع سلوك الناشئة وتوجيههم التوجيه الصحيح بما يحصنهم ضد المؤثرات الفكرية السلبية. ومن المؤثرات الفكرية السلبية ما قامت به بعض وسائل الإعلام الغربية والناطقة باللغة العربية ، حين احتفت بتشييع جثمان المغني الأمريكي الشهير ( مايكل جاكسون) فقد أفردت له برامج خاصة وظلت بعض القنوات التلفزيونية الفضائية لساعات طويلة تحكي عن حياته ومسيرته الغنائية في محاولة منها لتقديمه للشباب العربي المسلم، باعتباره قدوة عليهم أن ينحوا منحاه ، ويعملوا على محاكاة حركاته ويقلدوا رقصاته ويقتدوا بسلوكه غير السوي ، وعمدت القنوات الفضائية المختلفة إلى تصوير ( مايكل جاكسون) على أنه شخصية عالمية مهمة ، لا نظير لها من حيث حب الناس له واهتمام العالم به، لتقول للشباب وللمراهقين بالذات ،عليكم الاقتداء بهذا المائع المتشبه بالنساء لتنالوا شهرة عالمية مثله، وغرضهم من ذلك اختراق الوعي العربي بأفكارهم التي تتنافى وثقافتنا العربية الإسلامية، ولعل هذا الفعل هو مثال للغزو الفكري الذي يستهدف القضاء على هويتنا ، وتدمير ثقافتنا في ظل غياب الأمن الفكري ، وانصراف مؤسساتنا الثقافية عن العناية به ، والحفاظ عليه، والدفاع عنه. [c1]* خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان [/c]