تعود تجربة الشورى كمؤسسة سياسية في المملكة العربية السعودية الى اكثر من ثمانية عقود، فهي بدأت مع المرحلة الاولى لتوحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، لكن هذه المؤسسة الوليدة لم تكن اولوية في دولة تواجه تحدي الوحدة، ولجم الفرقة والتشرذم، ومحاربة الفقر والجهل والمرض، فضلاً عن انها لم تكن مطلباً لمجتمع يفتقد ابسط مقومات الحياة الحديثة، وظلت التجربة على هامش الحياة السياسية والاجتماعية حتى عام 1993 عندما شهدت نقلة جديدة لمواكبة التطور الهائل الذي تشهده السعودية، وجرت معاودة تكوين مجلس الشورى في شكله الراهن، وعلى رغم ان طريقة اختيار اعضاء المجلس كانت لافتة ومشجعة لجهة اعتمادها على نخبة المجتمع من مهندسين واطباء ومحامين ورجال اعمال، الا ان صلاحيات المجلس الجديد لم تكن واضحة، ولعل الجدل الذي صاحب قيام المجلس ساهم في خفض سقف توقعات الناس من مجلسهم الجديد، لكن المتفائلين تمسكوا بموقفهم مستندين الى ان تشكيل المجلس لم ينشأ من ضغوط داخلية او خارجية، فضلاً عن ان معاودة تشكيله جاءت ضمن اطار مؤسسة نظام الحكم في السعودية، وتزامن صدور نظامه مع نظامي الحكم والمناطق، ما يعني ان المجلس الجديد يراد له دور سياسي في المستقبل.اليوم مضى على تشكيل المجلس اربعة عشر عاماً، ومقارنة نشاطه في السنة الاولى بدوره السياسي والاجتماعي الراهن تعزز موقف المتفائلين بالتجربة، فهو انتقل من الدور الاستشاري الصرف الى موقع الشريك في صناعة القرار بحسب تعبير الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى. فصفة الشريك التي اطلقها الملك ليست تعبيراً عن دور متوقع، بقدر ما هي تأكيد لمكتسبات المجلس، فمجلس الشورى اليوم يملك قناة مباشرة مع المواطنين ويتلقى شكاواهم، ويناقش الوزراء، ويقترح الانظمة، ويبدي اعتراضاته على اللوائح والمعاهدات، وخلال دورته الرابعة بلغت قرارات مجلس الوزراء التي صدرت بناء على قرار مجلس الشورى ستين موضوعاً يتعلق معظمها بعمل الاجهزة الحكومية، وضبط وترشيد الانفاق الحكومي. لكن رغم كل هذا الانجاز فهناك من يقلل من أهمية التجربة، ويستند في موقفه الى قضية الانتخاب والتعيين. فطالما ان مجلس الشورى يقوم على مبدأ تعيين الاعضاء عوضاً عن انتخابهم من الناس فإن الدور الرقابي الذي يمارسه على الحكومة يبقى موضع نظر، ولا بد من البدء في تجربة الانتخاب بعد هذه السنوات لاكتمال موضوعية هذا الدور الحيوي.لا جدال في ان انتقال المجلس من التعيين الى الانتخاب قضية محسومة، وهي خطوة يجري تداولها في اروقة صناعة القرار السياسي في المملكة منذ اليوم الاول لتشكل المجلس بصيغته الجديدة. لكن هذه الخطوة محتاجة الى مزيد من الوقت، هكذا يرى بعض اعضاء المجلس، ويقول: خلال اربع دورات استطاع المجلس ان ينجز الكثير، ويخلق لنفسه دوراً رائداً حتى بات شريكاً في صناعة القرار وعلى مستويات حساسة وعالية، ونجاحه يعود لأسباب عديدة لعل ابرزها ان هناك ارادة سياسية ترغب في اعطاء المجلس دوراً في الحياة السياسية والاجتماعية، والأمر الآخر هو ان المجلس اعتمد منذ البداية على مبدأ الكفاءة في التعيين، فتجاوز المعايير القبلية والمذهبية والمناطقية. كان التعيين ينطلق من اهداف وطنية صرفة. لكن يبدو أن هذا المنهج لم يترسخ حتى الآن في وجدان الناس، والدليل تجربة الانتخابات في المجالس المحلية، حيث تدخلت عوامل لا علاقة لها بالكفاءة مثل القبلية والمذهبية والمناطقية، وجرى طرح مسألة التيارات الفكرية في تلك الانتخابات، الليبرالية والاسلامية وغيرها. ويضيف محدثي: لا اخفيك ان تجربة الانتخابات المحلية عززت المخاوف من ان تتحول الانتخابات لمجلس الشورى في حال البدء بها الى وسيلة لاذكاء النعرات، فضلاً عن أن التجارب الانتخابية في المنطقة، وبخاصة في العراق، تدخلت الى حد كبير في مسألة اعطاء القضية مزيداً من الوقت، فمجلس الشورى يراد له ان يصبح مؤسسة سياسية تعزز الوحدة الوطنية وتعمق مضامينها، لا ان يتحول الى وسيلة لتأجيج الصراعات والنعرات، وساحة لتصفية الحسابات الصغيرة تحت شعار الديموقراطية. ويضيف محدثي: اعرف ان هناك من سيقول انني ادافع عن مبدأ التعيين لأنني جزء من التجربة، لكننا نرد على من يشكك في تجربتنا عملياً، فمجلسنا اليوم يلعب دوراً يفوق معظم البرلمانات المنتخبة في المنطقة. صحيح اننا لا نستخدم كلمات مثيرة في وصف الاجراءات التي نتخذها ولسنا متحمسين لدغدغة مشاعر العامة، مثل رفع شعار استجواب الوزراء، لكن الواقع ان ما يجري هو شكل من اشكال الاستجواب. اليست المناقشة الصريحة والشفافة، والاعتراض على عمل هذه الوزارة او رفض هذا التنظيم او ذاك، وتعديل خطة بعض الوزراء هو استجواب في المحصلة؟ اذاً فالعبرة في النتائج، ونحن على استعداد للتريث في قضية الانتخابات لمدة تطول او تقصر اذا كنا نحقق هدف البرلمان في الدورة السياسية. ويختم حديثه قائلاً: اود ان الفت نظرك الى كلمة خادم الحرمين يوم السبت الماضي امام مجلس الشورى، حين اشار الى اعتزازه بانتخابات المجالس البلدية ووصفها بالنزيهة والمشرفة، فالاشارة الى قضية الانتخابات امام اعضاء مجلس الشورى تختصر الكثير من الكلام، وتقطع الطريق امام من يتحدث عن رفض او حساسية من هذا الموضوع، لكن العبرة في قضية الانتخابات ليست في النزاهة وحدها، وانما في المرجعية التي يستند الناس اليها في ممارسة حقهم الانتخابي. [c1]نقلاً عن صحيفة الحياة اللندنية[c1]
جربة الشورى في السعودية
أخبار متعلقة