د.نعيم الأشهب :إذا كانت حماس لم تفصح مع بدء نشاطها في إطار الانتفاضة الأولى بأنها تطرح نفسها ليس كمكمل لمنظمة التحرير، بل كالبديل لها، سياسيا ً و أيديولوجيا، فإن ميثاقها الذي طرحته في 28 أغسطس 1988 لا يترك مجالا ً للشك في ذلك ، الأخذ في الحسبان أنه لا يوجد في الساحة الفلسطينية إلا ميثاق واحد هو ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية. وقد جاء ميثاق حماس يحمل شرطها للاعتراف بمنظمة التحرير. فقد جاء في المادة الثانية والثلاثين من هذا الميثاق: “ ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة، فنحن جنودها ووقود نارها التي تحرق الأعداء وهذا الشرط الذي لا يهادن، لا تنال منه الكلمات الدافئة التي تليه ، والتي تقول: “ فموقف حركة المقاومة الإسلامية من منظمة التحرير الفلسطينية هو موقف الابن من أبيه والأخ من أخيه والقريب من قريبه، يتألم لألمه إن أصابته شوكة، ويشد أزره في مواجهة الأعداء ويتمنى له الهداية والرشاد”، ذلك أن ممارسات حماس قبل صدور هذا الكلام وبعده لا تزكيه. وحتى بعد أن جاءت حماس إلى السلطة عبر آليات أرستها منظمة التحرير الفلسطينية، فإن حماس ترفض الاعتراف بالمنظمة كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، رغم اعتراف الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني والمجتمعين العربي والدولي بذلك ، وترتهن هذا الاعتراف بإعادة تشكيل هذه المنظمة، وليس إصلاحها وتطويرها وتفعيلها، مما يخلق القناعة بأن هذا الاعتراف رهين بالهيمنة عليها، بحيث يتحقق مفهوم البديل من خلال المحتوى وليس الشكل بالضرورة . يسجل هذا الميثاق في مادته الثانية: “حركة لمقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث”. بعد هذا التعريف بنسب حماس يمكن تصنيف مواد هذا الميثاق إلى عدة أبواب مختلفة: أولا ً - يتضمن الميثاق الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث والأقوال وحتى الأشعار الدينية من جهة, ومن جهة أخرى تعابير عامة ليس لها مدلول محدد وذات طابع دعائي، كما تنص المادة العاشرة من هذا الميثاق، التي تقول: “وحركة المقاومة الإسلامية وهي تشق طريقها سند لكل مستضعف ، ونصير لكل مظلوم , بكل ما أوتيت من قوة، لا تدخر جهدا ً في إحقاق الحق وإبطال الباطل بالقول والفعل في هذا المكان وفي كل مكان يمكنها أن تصل إليه وتؤثر فيه “. ثانيا ً - يخلو ميثاق حماس من أي ذكر للإمبريالية الأمريكية، السند الرئيسي، وفي مختلف الميادين، للعدوان والاحتلال الإسرائيلي. بل لعل المادة الثانية والعشرين من هذا الميثاق تفسر هذا التجاهل للإمبريالية الأمريكية. تقول هذه المادة: “خطط الأعداء منذ زمن بعيد وأحكموا تخطيطهم كي يتوصلوا إلى ما وصلوا إليه، آخذين بالأسباب المؤثرة في مجريات الأمور، فعملوا على جمع ثروات طائلة ومؤثرة سخروها لتحقيق حلمهم، فبالأموال سيطروا على وسائل الإعلام العالمية, من وكالات أنباء، ودور نشر، وإذاعات، وغير ذلك. وبالأموال فجروا الثورات في مختلف بقاع العالم لتحقيق مصالحهم وجني الثمار، فهم من وراء الثورة الفرنسية والثورة الشيوعية ومعظم ما سمعنا عن ثورات هنا وهناك، وبالأموال كوَنوا المنظمات السرية التي تنتشر في مختلف بقاع العالم لهدم المجتمعات وتحقيق مصالح الصهيونية، كالماسونية، ونوادي الروتاري, والليونز، وأبناء العهد وغير ذلك، وكلها منظمات تجـسـسـية هدامة. وبالأموال تمكنوا من السيطرة على الدول الاستعمارية ودفعوها إلى استعمار كثير من الأقطار، لكي يستنزفوا ثروات تلك الأقطار, وينشروا فيها الفساد . “وعن الحروب المحلية والعالمية حدث ولا حرج، فهم من خلف الحرب العالمية الأولى، حيث تم لهم القضاء على دولة الخلافة الإسلامية وجنوا الأرباح المادية وسيطروا على كثير من موارد الثروة، وحصلوا على وعد بلفور وأنشأوا عصبة الأمم ليحكموا العالم من خلال تلك المنظمة، وهم من خلف الحرب العالمية الثانية، حيث جنوا الأرباح الطائلة من تجارتهم في مواد الحرب، ومهدوا لإقامة دولتهم وأوعزوا بتكوين هيئة الأمم ومجلس الأمن بدلا ً من عصبة الأمم لحكم العالم من خلال ذلك أيضا.“وما من حرب تدور هنا وهناك إلا وأصابعهم تلعب من خلفها، (كلما أوقدوا ناراًً للحرب أطفأها الله و يسعون في الأرض فسادا ً والله لا يحب المفسدين). “ فالقوى الاستعمارية في الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي تدعم العدو بكل ما أوتيت من قوة، ماديا ً وبشريا، وهي تتبادل الأدوار” ويوم يظهر الإسلام تتحد في مواجهته قوى الكفر”فملَة الكفر واحدة”. لقد تعمدنا نقل المادة الثانية والعشرين من ميثاق حماس بكاملها تقريبا، ليدرك القارئ من نصها الواضح سبب غياب أية إدانة أو ذكر للإمبريالية الأمريكية، التي لولاها لما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية حتى اليوم , بل ولما قامت إسرائيل بعدوانها في حزيران 1967. فبموجب مفهوم حماس المعروض بوضوح في هذه المادة، فالإمبريالية الأمريكية خاصة، والغربية عامة، مغلوبة على أمرها ! حتى استعمار الشعوب الأخرى على مدى قرون وإفناء عشرات وعشرات الملايين من أبنائها بالقتل والتجويع والأمراض , ونضح خيراتها بلا رحمة هو بدوره - أي الاستعمار- مسير لا مخير كما يقال، رغم أن الاستعمار والإمبريالية نشآ قبل مولد الصهيونية السياسية التي هي إحدى الإفرازات السامة وأحد الأدوات الأكثر عدوانية وعنصرية للإمبريالية الرأسمالية العالمية. وبالمناسبة، فهذا المفهوم الغريب يلتقي اليوم مع ما يشيعه بعض أصدقاء الولايات المتحدة في منطقتنا، لتبرير دعمها غير المحدود لإسرائيل وجرائمها وجرائم الولايات المتحدة ضد الشعوب العربية من أنها - أي الولايات المتحدة - مغلوبة على أمرها، وأن اللوبي الصهيوني له اليد العليا في تقرير السياسة الأمريكية اليوم .أما ان الثورات الكبرى كالفرنسية والروسية وغيرهما لا تعود لنضوج أزمات عامة اقتصادية - سياسية - اجتماعية في البلد المعني بل إلى دسائس الصهيونية، رغم أن هذه الثورات كان لها دور حاسم في تقدم مسيرة الحضارة الإنسانية، فإن هذا التفسير المثير لقيامها، أي تلك الثورات، يمنح الصهيونية العنصرية العدوانية شرفا ً لا تستحقه من جهة، ومن جهة ثانية يشي هذا التفسير بترحم على الأنظمة المهترئة التي أتت عليها هذه الثورات والأحداث، كانهيار الخلافة العثمانية التي قطعت مسيرة الشعوب العربية على مدى أربعة قرون، باسم الدين، تخَلفت بسببها شعوبنا العربية عن ركب الحضارة، بحيث غدت سهلة على الاستعمار الغربي بعدئذ . هذه الخلافة التي كانت بؤرة ليس للعسف والظلم الوحشي وحسب، بل وللفساد والتعفن.. ويتساءل المرء: هل هذه الخلافة تمثل من وجهة نظر حماس، صورة الدولة الإسلامية التي يطمحون لعودتها، لتتحكم بمصائر شعبنا وشعوبنا العربية ؟. لعل هذا يذكر بطموح جماعة الإخوان المسلمين في مصر للمناداة بالملك فاروق خليفة للمسلمين، رغم موالاته للاستعمار وفسقه المشهور، وهل المهم في المحصلة هو الشكل والاسم أم المحتوى والممارسة؟!.ثالثا ــ يضع ميثاق حماس المفهوم الديني لمقاومة الاحتلال كبديل للمفهوم الوطني التحرري وليس تكملة له، ويضع مفهوم الوحدة الدينية كبديل لمفهوم الوحدة الوطنية. وانطلاقا من هذا المفهوم يتناول الميثاق تحالفات حماس الإقليمية والدولية كذلك . فالمادة الخامسة عشرة من الميثاق تقول في إحدى فقراتها: “ولا بد من ربط قضية فلسطين في أذهان الأجيال المسلمة على أنها قضية دينية ويجب معالجتها على هذا الأساس”. كما جاء في المادة السادسة والعشرين ما يلي: “والفكرة العلمانية ، ( 1 ) مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة، وعلى الأفكار تبنى المواقف، والتصرفات وتتخذ القرارات”.“ومن هنا، مع تقديرنا لمنظمة التحرير الفلسطينية ــ وما يمكن أن تتطور إليه ــ وعدم التقليل من دورها في الصراع العربي الإسرائيلي، لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لتبني الفكرة العلمانية. فإسلامية فلسطين جزء من ديننا ومن فرط في دينه فقد خسر”. في هذا الخصوص، تقدم “الجهاد الاسلامي” تفسيرا متأخرا لموقف حماس السلبي من منظمة التحرير، وذلك في مداخلة ممثلها الدكتور أنور أبو طه، في الندوة التي نظمها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في بيروت، يومي 30 و31 أيار 2006. فقد جاء في مداخلة ممثل الجهاد الاسلامي في هذه الندوة قوله:“ويجدر أن نلاحظ هنا أن التركيز تاريخيا على المنظور الايديولوجي في الحكم على منظمة التحرير والقول بأن الموقف الشرعي الاسلامي لا يبيح للاسلاميين الانخراط فيها كان مرده بشكل أساسي غياب الدور الاسلامي عن ساحة الجهاد والكفاح الوطني الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، فكان وصم منظمة التحرير بأنها علمانية مخالفة للاسلام ترياقا يريح “الضمير الاسلامي” الغائب عن ميدان الفعل ومبررا للابتعاد عن ساحة الجهاد والمقاومة”.ثم تأتي المادة الحادية عشرة من ميثاق حماس، فتقول: “تعتقد حركة المقاومة الإسلامية أن أرض فلسطين وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها ، ولا يملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية، ولا يملك ذلك ملك أو رئيس ، أو كل الملوك والرؤساء، ولا تملك ذلك منظمة أو كل المنظمات سواء كانت فلسطينية أو عربية، لأن فلسطين أرض وقف إسلامي على كل أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، ومن يملك النيابة الحقة عن الأجيال الإسلامية إلى يوم القيامة ! .“هذا حكمها في الشريعة الإسلامية، ومثلها في ذلك مثل كل أرض فتحها المسلمون عنوة، حيث وقفها المسلمون زمن الفتح على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة”. غني عن القول أن محنة الشعب الفلسطيني منذ النكبة 1948، قد برهنت بما لا يدع مجالا لأي شك ، أن شعار التحرير من النهر إلى البحر ليس فقط بلا رصيد ، بل وقدم لإسرائيل وعلى مدى عقود أفضل غطاء للتنكيل بالشعب الفلسطيني والاعتداء المتواصل على حقوقه بدعوى “الدفاع عن النفس”. إن العودة إلى هذا الشعار ليس لها إلا معنى واحد وهو نسخ وإسقاط كل التجارب المريرة التي دفع الشعب الفلسطيني بسببها ثمنا باهظا للغاية، والعودة به إلى مربع الصفر. إن تاريخ الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، منذ قيام دولة اسرائيل وحتى اليوم، يشهد بوضوح لا لبس فيه ان حكام اسرائيل المتعاقبين لم يهتموا يوما، ولم يفكروا بحل هذا الصراع، على أساس قرارات الشرعية الدولية. بل انصرف همهم الى اتقان ادارة هذا الصراع، على نحو تبدو فيه اسرائيل، أمام الرأي العام، ضحية، بينما الضحية الحقيقية – الشعب الفلسطيني - هي المعتدي!.وفي هذا المضمار، فقد كان الحليف الرئيسي لنهج هؤلاء الحكام، وعلى الدوام، هو التطرف الفلسطيني، وحتى قبل دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشرة، التي تبنت قرارات الشرعية الدولية، وانتزعت، لأول مرة، زمام المبادرة السياسية من يد اسرائيل.. حتى قبل هذا بسنين عديدة، نشطت اسرائيل لاسكات أي صوت فلسطيني مسؤول وواقعي، فمنذ حادث ميونخ 1972 الذي قتل فيه الرياضيون الاسرائيليون والذي اتضح لاحقا أن غالبية القتلى الاساسية لقوا حتفهم برصاص الشرطة الالمانية، بموافقة اسرائيلية، اتخذت السلطات الاسرائيلية من هذا الحادث المشبوه، ستارا لتصفية المع الكوادر الدبلوماسية لمنظمة التحرير في اوروبا تحديدا، هذه الكوادر التي اشتهرت بأنها كانت تخاطب الراي العام الاوروبي بلغة المنطق الواقعي المسؤول، بينما لم تقترب فرق الموت الاسرائيلية من المزاودين والمتطرفين. فالتطرف على جانب الخندق يغذي التطرف على جانبه الآخر.وينبغي الاعتقاد بأن هذا النهج الاسرائيلي في حفز التطرف الفلسطيني كان له دور هام في نتائج الانتخابات الاخيرة للمجلس التشريعي. فقد حجب الاسرائيليون عمدا عن عرفات ومن بعده محمود عباس تحقيق أي انجاز سياسي ذي شأن في مجال تحرير الأرض الفلسطينية، وتخفيف معاناة سكانها، بهدف دفع المواطن الفلسطيني الى مواقع التطرف بعد ايصاله الى حالة من اليأس والاحباط، من السياسة الواقعية التي تحرج حكام اسرائيل، والتي لم يفلحوا في تحييدها إلا بالاستثمار الواسع لبعض الممارسات المتطرفة الفلسطينية كالتفجيرات ضد المدنيين داخل الخط الأخضر. أمّا قضايا الفساد على أهميتها وكذلك مشاكل الفلتان الأمني الذي تفاقم بعد رحيل عرفات، فإنها لم تكن إلا القشة التي قصمت ظهر البعير – كما يقال، ولم تكن السبب الأساسي ، في تحول الناخب الفلسطيني لصالح حماس في الانتخابات الاخيرة للمجلس التشريعي.وبينما لم تطرح حماس ، منذ صدور ميثاقها وحتى اليوم، وهي في السلطة، أية خطة عملية لتحقيق هدف “التحرير الكامل” الذي تنادي به ، فإن ميثاقها يحرم أي نشاط سياسي أو دبلوماسي لتسوية النزاع على أساس قرارات الأمم المتحدة. فقد جاء في المادة الثالثة عشرة من الميثاق المذكور: “ تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية. فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين” . وتضيف نفس المادة: “وما تلك المؤتمرات إلا نوعا من أنواع تحكيم أهل الكفر في أرض المسلمين، ومتى انصف أهل الكفر أهل الإيمان ؟ ولن ترض عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل أن هدى الله هو الهدى ولو اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ولي ولا نصير” (120 - البقرة ).وتخلص المادة الثالثة عشرة من ميثاق حماس إلى القول: “ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد، أما المبادرات والطروحات والمؤتمرات الدولية فمضيعة للوقت، وعبث من العبث”. غني عن القول أن كلمة “ الجهاد” العائمة بدون أية خطة فعلية تستند إليها تبقى كلمة ميتة بلا معنى محدد وملزم . ويصل هذا المنطق السلبي في تناوله للقضية الفلسطينية إلى مداه حين يستشهد الميثاق في مادته السابعة بحديث منسوب للرسول يقول: “ولا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود (فيقتلهم المسلمون) حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الفرقد فإنه من شجر اليهود”. والسؤال المباشر الذي يثيره هذا الاستشهاد: ما علاقة المعركة من أجل فلسطين اليوم بقيام الساعة ؟! بعد هذا يتساءل المرء: ترى، لو أخذ الجزائريون وهم شعب مسلم بمنطق هذا الحديث المشبوه الذي لا نستبعد أن يكون قد زوره الوضاعون الإسرائيليون اليهود بعد ان تأسلموا غداة وفاة الرسول أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه ، أما كانوا خسروا قيام جبهة تضامن فعالة داخل فرنسا لعبت دورا حيويا في تحقيق انتصار ثورتهم ؟ . أما في حالتنا الملموسة فنتساءل: هل كان أولى بنا، والحالة هذه، أن نتولى نحن سحق رأس الفتاة الأمريكية اليهودية، راشيل كوري إذا إختبأت خلف حجر أو شجر بدل البلدوزر الإسرائيلي الذي سحقها بالفعل، لأنها جاءت عن بعد آلاف الأميال للتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني العادل ووقفت بشجاعة في وجه البلدوزر الإسرائيلي لمنعه من التقدم لهدم بيت فلسطيني؟ وهل بمثل وشاية من هذا الحجر كان علينا أن نقضي على ماير فلنر الذي كان العضو اليهودي الوحيد في الكنيست الإسرائيلي الذي وقف متحديا يشجب ويدين العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية في حزيران 1967، وبسبب ذلك تعرض لاحقا للطعن بالسكين على يد أحد عناصر حزب حيروت الصهيوني (الليكود لاحقا) ، أم أنه بهذا الحجر كان ينبغي علينا سحق رأس المحامية التقدمية اليهودية، فليسيا لانغر، التي دافعت بشرف خلال سنين طويلة عن المئات من ضحايا الاحتلال في السجون ، وتجوب اليوم أوروبا لفضح ممارسات هذا الاحتلال وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني ؟!. وبموجب هذا المنطق ماذا نفعل اليوم بأولئك المعادين للاحتلال من الإسرائيليين اليهود الذين يواظبون دون كلل، على المشاركة في جميع المظاهرات والفعاليات ضد جدار الفصل العنصري وضد الاستيطان ومصادرة الأراضي ولمساعدة القرويين الفلسطينيين في قطف زيتونهم ، المعرض لسرقة المستوطنين واعتداءاتهم ، وبسبب ذلك يتعرض هؤلاء الإسرائيليون اليهود للضرب والإهانات من الشرطة والجيش والمستوطنين الإسرائيليين. ولعله من مفارقات حماس أن يرى المرء بعض رموزها، بعد أن أصبحت في السلطة، يسيرون في هذه الفعاليات الاحتجاجية جنبا إلى جنب مع هؤلاء اليهود المعادين للاحتلال. ومن هذه المفارقات كذلك، أن يسمع المرء من بعض مسئولي حماس بعد أن أصبحوا في السلطة انتقادات للولايات المتحدة التي تقود حملة تجويع شعبنا ، لإرغامه على الركوع أمام الاملاءات الإسرائيلية والأمريكية .إن المنطق السليم يقول بان من له مصلحة في التحريض ضد أتباع الأديان السماوية وبضمنها اليهود ، وصولا ً الى عزل شعبنا العربي الفلسطيني عن حلفائه من أية ديانة أو قومية كانوا وعلى مختلف مستوياتهم وإمكانياتهم وإسهاماتهم، هو العدو الإسرائيلي وسنده الإمبريالية الأمريكية، لا غيرهما . وإن الخاسر الوحيد من إستخدام هذا الحديث المزوّر والمسيئ الى الاسلام والرسول عليه الصلاة والسلام هم المسلمون وحدهم دون سواهم .وتحت عنوان “الدوائر الثلاث” تنص المادة الرابعة عشرة من ميثاق حماس على أن “قضية فلسطين تتعلق بدوائر ثلاث، الدائرة الفلسطينية والدائرة العربية والدائرة الإسلامية. و كل دائرة من هذه الدوائر الثلاث لها دورها في الصراع مع الصهيونية، وعليها واجبات”. لكن خارج هذه الدوائر الثلاث كان العالم ( لدى صدور ميثاق حماس عام 1988) ، “إما شرق شيوعي أو غرب صليبي” كما جاء في المادة الرابعة والعشرين من الميثاق المذكور، ولكن إذا أخذنا في الحسبان أن “الغرب الصليبي” وعلى رأسه الولايات المتحدة والتي لم يرد اسمها ولو مرة واحدة في هذا الميثاق ــ يمحض إسرائيل دعما غير محدود، وأن “الشرق الشيوعي” كان حتى انهياره، يدعم القضية الفلسطينية العادلة ، فهل نمتنع عن قبول أي دعم ، وأيا كان مصدره، إلا إذا أسلم أولا وليس ذلك وحسب، بل كان تفسيره للإسلام وفق معايير حماس؟! كان مجرد وجود المعسكر الشرقي يشكل قوة ردع في وجه تمادي العدوانية الأمريكية ضد الشعوب الأخرى ومنها الشعوب العربية، وحين انهار هذا المعسكر شعرت حتى الأنظمة الرجعية التي كانت تناصبه العداء، في الأساس خضوعا للارادة الأمريكية ، شعرت هذه الأنظمة بأنها فقدت بانهياره هامش المناورة أمام أملاءات واشنطن المتغطرسة . ومن مفارقات حماس ، في هذا الصدد أيضا، أنه ما أن أعلنت نتائج انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وحتى قبل تشكيل الحكومة الحمساوية، توجهت إلى موسكو (بعد أن أصبحت الأخيرة جزءاً من الغرب الصليبي) استجابة لدعوة موسكو، طلبا للعون والمساندة، وهي تتطلع بلهفة إلى دعوات مماثلة من عواصم أخرى من الغرب الصليبي، فهل تخلت حماس وهي في السلطة عن مفاهيمها وهي خارج السلطة ، أم أن المقصود بالمقاطعة كان”الشرق الشيوعي” الذي كان يقف إلى جانب قضيتنا والقضايا العربية الأخرى ؟. مأخوذ في الحسبان أن الغرب الصليبي كان موقفه محسوما ومنذ البداية، إلى جانب إسرائيل. أما الدائرتان العربية والإسلامية اللتان تشكلان حدود العمل من أجل القضية الفلسطينية، بموجب ميثاق حماس، فلعل حماس، وهي في السلطة، أقدر على أدراك أن الغالبية العظمى من دول هاتين الدائرتين ، في وضعهما الحالي، لا تستطيع أن تقوم بأي عمل لصالح القضية الفلسطينية لا تقبل به أو تجيزه واشنطن. وهنا ايضا، من المفارقات التي راحت تتجاوز الحصر في مواقف حماس، بعد أن أصبحت في السلطة، نداءات اسماعيل هنية، رئيس الوزراء، الى المجتمع الدولي للتدخل لوقف العدوان الاسرائيلي عقب اختطاف الجندي الاسرائيلي، متجاوزا في نداءاته هذه الدوائر الواردة في ميثاق حماس.وفيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية، يكتفي ميثاق حماس، في مادته العشرين بإيراد الحديث النبوي التالي، بعد الإشارة المقتضبة والعامة التي تقول: المجتمع المسلم مجتمع متكافل والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “نعم القوم الأشعريون كانوا إذا جهدوا في حضر أو سفر جمعوا ما عندهم ثم قسموه بينهم بالسوية”، ويمسك الميثاق أن يضيف شيئا في القضية الاجتماعية البالغة الأهمية، وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الطبقات الفقيرة والمستغَلة. وبينما تتحدث المادة السابعة عشرة بعبارات المديح العام عن المرأة باعتبارها “مصنع الرجال” و”دورها في توجيه الأجيال وتربيتها “، ومساعي الأعداء لحرفها عن هذا الدور المشرف. فإن المادة الثامنة عشرة، وهي تكملة لسابقتها، لا ترى للمرأة من دور سوى رعاية البيت وتنشئة الأطفال. والسؤال هو: أين حقوقها المدنية والسياسية، ليس الموعودة بل حتى التي تحققت حتى الآن ومن ضمنها حقها الانتخابي، هذا الحق الذي نالته بجدارة وحصلت عليه قبل مجيء حماس للسلطة، بل وكانت حماس أكثر المستفيدين من هذا الحق حيث حشدت كل امرأة من أتباعها وزوجات أتباعها يوم الاقتراع للإدلاء بأصواتهن.وتنص المادة الثانية عشرة من ميثاق حماس على التالي: “الوطنية من وجهة نظر حركة المقاومة الإسلامية جزء من العقيدة الدينية، وليس أبلغ في الوطنية ولا أعمق من أنه إذا وطئ العدو أرض المسلمين فقد صار جهاده والتصدي له فرض عين على كل مسلم ومسلمة، تخرج المرأة بغير إذن زوجها ، والعبد بغير إذن سيده” .وإذا ضربنا صفحا عن قضية “العبد” في هذا الزمان، المثيرة للاستغراب والاستهجان، فمن المنطقي أن يثار التساؤل: كيف يستقيم إيراد هذا الوصف السليم والصحيح مع امتناع حركة الإخوان المسلمين التي تحدَرت منها حماس، أكثر من عشرين عاما على الاحتلال دون مشاركتها في مقاومته؟! إلا إذا كانت شاغلة عنه، كما ورد سابقا، في العمل لقيام الدولة الإسلامية باعتبارها مهمة تعلو وتتقدم على مهمة مقاومة الاحتلال، أو أنها ــ الحركة ــ مشغولة في مكافحة اليسار والشيوعية. في هذا السياق، يورد د. زياد أبو عمرو في كتابه السالف الذكر ما يلي:” وتشيع بعض الأوساط الوطنية أن الشيخ أحمد ياسين زعيم المجمع الإسلامي في القطاع، كان قد أقسم على المصحف أمام المحقق الإسرائيلي بأن ما ضُبط في حوزته من أسلحة عام 1984، كان سيستخدم ضد القوى اليسارية” (2) ، بينما يفسر الشيخ عبد العزيز عودة الذي ترك مع زميله فتحي الشقاقي حركة الإخوان المسلمين منذ 1975 ليتزعما تنظيم الجهاد الإسلامي .. يفسر هذا الشيخ سبب تأخر حركة الإخوان المسلمين في الانخراط في مقاومة الاحتلال بالقول: “أن الإخوان المسلمين معنيون في الوقت الحاضر بالتربية والإعداد. بررت الجماعة عدم انخراطها في مقاومة الاحتلال مقاومة مسلحة بأن “قيادة الصراع لم تكن بأيدي إسلامية” (3).وينقل الدكتور ماهر الشريف عن كتاب “مقدمة حول مركزية فلسطين والمشروع الاسلامي المعاصر (المنهج، بيروت، بيت المقدس للصحافة والطباعة والنشر، حزيران 1989)، والذي يرجح أن يكون كاتبه الدكتور فتحي الشقاقي، زعيم جماعة الجهاد الاسلامي، ينقل عن هذا الكتاب القول: من أخطر الموضوعات التي تواجه العمل الاسلامي اليوم، وتُعتبر سببا رئيسيا يطرحه الذين يدعون الى تأجيل الموضوع الفلسطيني بتأجيل الجهاد في فلسطين حتى قيام الدولة الاسلامية ووجود الخليفة الذي يعقد ألوية الجهاد (موضوعة) إننا نعيش اليوم فترة العهد المكي، أي فترة التربية والصبر.. لقد نظر الاسلاميون التقليديون الى اسرائيل كمشكلة مزعجة، نجمت عن مشكلة أساسية أو كلية تمثلت في سقوط النظام السياسي – الاسلامي وسقوط الخلافة وغياب الدولة الاسلامية، ويستمر هذا الطرح (التقليدي) في التأكيد أن مواجهة اسرائيل لا تتم إلا بعد اقامة الدولة الاسلامية.. ويقول أصحاب هذا الطرح أنهم يسلكون بذلك درب الرسول الذي لم يُؤذن له بالقتال والجهاد الا بعد اقامة الدولة الاسلامية في المدينة، بعد فترة من التربية والاعداد العقائدي استمر ثلاثة عشر عاما كاملة في مكة” (4 )وعلى كل حال، فالميثاق على كثرة ما تعرض له من قضايا ، فهو يخلو من عناصر برنامج يكون ملزما للحركة، طالما هي تتطلع إلى السلطة، فهل ردهم عن هذا النقص الخطير هو ترديد ما قاله المرشد المؤسس لحركة الإخوان حسن ألبنا، حول هذه النقطة بالذات حين قال: “ نحن مسلمون وكفى ، ومنهاجنا منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى ، وعقيدتنا مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وكفى”. ولكن حين قررت حماس خوض انتخابات المجلس التشريعي ، لم يكن أمامها من مفر سوى أن تتقدم ببرنامج انتخابي مقابل برامج التنظيمات الأخرى المشاركة في الانتخابات. لكن برنامجها جاء مطبوعا بالتعميم وبالوعود غير القابلة للتحقيق، وذلك بغرض دغدغة عواطف المواطن المقهور. هذا، عدا شعارات الاصلاح ومحاربة الفساد التي غدت شعارات للجميع بما في ذلك المشاركين في الفساد![c1](يتبع يوم الاثنين القادم)(1) العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة ، دون مساس بحرية المعتقد الديني للمواطنين والمقيمين من غير المواطنين .(2) د. زياد أبو عمرو ، الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ص 62 . (3) الصدر السابق، نقلا عن الشيخ عبد العزيز عودة ، الزعيم الروحي لحركة الجهاد الإسلامي ، مقابلة شخصية 24/4/1987.(4) د. الشريف، ماهر، في كتابه “البحث عن كيان” ص363 .[/c]
|
فكر
الأزمة الفلسطينية في ضوء ميثاق حركة ( حماس )1 ـ 2
أخبار متعلقة