غضون
* المشايخ في اليمن صارت لهم صولة وجولة.. ليس بفضل العلم والحكمة والمؤهلات العلمية والخبرات الإدارية بل بفضل المال والاشتغال بالتجارة وبفضل الدولة التي مكنتهم تمكيناً حتى صاروا يتحكمون في كثير من شؤون الحكومة والمجتمع.. وطبعاً هناك شيخ وهناك «شييخ» وعملية التشييخ ما تزال مستمرة.. قليل من هؤلاء مفيدون في مجتمعهم، أما الأكثرية فهي وبال على المجتمع والدولة.تصوروا معي.. لو حدث مثلاً أن استغنت الدولة عن هؤلاء المشايخ وعزلتهم من مناصبهم وتوقفت عن منحهم الأموال من الخزانة العامة.. وتصوروا أنهم فقدوا مشاريعهم التجارية وأفلسوا.. فما هي الأعمال التي سوف يشتغلون بها في اليمن أو في أي دولة مجاورة قد يضطرون للهجرة إليها كما هو حال بقية المهاجرين اليمنيين؟اليمنيون المهاجرون يعملون في بلاد الهجرة في أعمال مؤهلين لها ويتقنونها.. طب.. بناء.. سباكة.. إدارة.. حمل أثقال.. وغير ذلك.. وفي الداخل أعمالنا معروفة ولا يتقنها المشايخ.. هؤلاء الذين لهم صولة وجولة ونفوذ وتمكنهم الدولة تمكيناً لو اضطر أحدهم إلى الهجرة طلباً للرزق ففي أحسن حالات حظه قد يصلح بواب عمارة في حي المهندسين بالقاهرة أو متسولاً في الرياض أو حارساً شخصياً في دبي أو حارس شركة في الكويت أو سائق سيارة عائلية لدى إحدى الأسر في قطر.. هذا إذا كان يحسن قيادة السيارات!أزعم أني لا أتجنى على هؤلاء.. ولكم مثلاً أن تتخيلوا أن الشيخ الذي تعرفونه قد تخلت عنه الحكومة أو عزلته من منصبه فما هي المهنة التي يجيدها إذا ذهب إلى مصر أو السعودية طلباً للرزق؟ وهو الشيخ شبه الأمي.. وبعد ذلك سيقول قائل منا بعد اكتشاف هذه الحقيقة المرة: يا للسخرية.. هؤلاء يتحكمون علينا بينما لا يصلح أحدهم لإدارة سوق ماشية في دولة مجاورة!كما قلت في البداية.. الكلام هنا يتعلق بأكثرية المشايخ، بينما قليل من المشايخ مفيدون لمجتمعهم ومؤهلون أو على الأقل يقرؤون ويكتبون.. والمشايخ موجودون في بلدان عربية وغير عربية، فهناك شيخ حارة وشيخ يدير قرية وشيخ جماعة ومن خلالهم تحل المنازعات وتصل مطالب الناس إلى الحكومة.. و.. و.. فلا مشكلة في المشيخة هناك.. المشكلة عندنا أن المشايخ يشتغلون في مهام لا علاقة لها بتلك القضايا الاجتماعية.. يشتغلون بإدارة دولة وقيادة مؤسسات عامة ويحكمون بعقلية شيخ القبيلة الذي كان موجوداً قبل ظهور اللغة والتعليم ونظام الإدارة.