قصة قصيرة
كان وكعادته أ.د. مطنوش أستاذ علم الفلسفة في الكلية يلقي محاضرته العقلانية بالصوت المرتفع والجهوري في بهو قاعة المحاضرات للطلاب في الكلية " ينبغي علينا إدراك هذه القضية وهي قضية القضايا والموضوع أنه لا يسعى المر الى ملاقاة الخطوب إلاّ إذا كان هناك مبدأ يعيش لأجله وهدف يتكبد كل عناء كي لا يحيد عنه .. أبنائي .. أعزائي يجب أن تعرفوا أن الإماء والعبيد لا يلدون إلاّ إماء وعبيداً فإذا أردنا تحرير الجيل القادم فلنبدأ بتحرير أنفسنا أولاً فنحن ما زلنا حتى الآن إماء وعبيداً وحياتنا مهددة ممن هم أقوى منا ".وبينما كان يلقي محاضرته على الطلاب في القاعة يأتي عميد الكلية ويفتح باب القاعة بطريقة بربرية وينظر إليه نظرة شماتة " السيارة بإنتظارك يا حضرة الاستاذ الدكتور مطنوش .. لقد اوقفت احدى سيارات الاجرة لكي لا تتعب من الانتظار" ثم خرج وصفع الباب وراءه بشدة .كان الطلاب مذهولين مما يحدث أمامهم ولكن الاستاذ الدكتور مطنوش لم يأبه لهذا التصرف وواصل حديثه :"إن من الصعب على المرء أن يخسر كل من حوله بسبب مبادئه وأفكاره ولكن الأصعب والأقسى أن يلجأ الى المداراة ويكون ذلك سبباً في خسارته لنفسه ..ابنائي أعزائي " يعز عليّ فراقكم .. كم أدرك الآن أني أدفع ضريبة قاسية ولكن من يحس أنه أشتاق إليّ فأهلاً به في حي عمر المختار بالشيخ عثمان الذي سأمضي إليه".أخذ يلملم أوراقه ويحزم كتبه ويمسح أطراف أصابعه من آثار الطباشير بعد أن محا آخر ما خطه على السبورة .كانت خطواته بطيئة نحو الباب وقبل خروجه ألقى نظرة أخيرة على جميع طلابه والقاعة بنظرات ولمحات حركة "البانوراما" كان وجهه حزيناً ولكن لهيب الحماس لم ينطفئ في عينيه لا حظ مراقبة العميد له فجعل خطواته أكثر ثباتاً وإتزاناً لم يكن طلاب القاعة الذي خرج منها وحدهم من يحاولون التلصص ومعرفة ما يحدث حتى يطرد أستاذ الفلسفة كانت هناك عيون فضولية كثيرة حاولت استر اق السمع ومعرفة أي حوار يدور بين عميد الكلية والاستاذ في فناء ساحة الكلية كان الممر قد امتلأ بالطلاب الذين كانوا يعانقون أستاذهم بنظراتهم كان أحد الطلاب القريبين من الاستاذ الدكتور مطنوش يعرف سبب طرده من الكلية وأحس بما يعانيه زملاؤه أن الصمت حول هذا الموضوع سيسئ الى سمعة الاستاذ وستحوم حوله الاشاعات كان الاستاذ في طريقه نحو باب الكلية حين أندفع الطالب يشق طريقه بين زملائه وينادي على الاستاذ :- يا أستاذ .. يا دكتور .. مطنوش .. لوسمحت .ألتفت الأخير إليه وانتظره حتى أصبح في مقابلته فلاحظ العبرات التي تملأ عينيه ألتفت الطالب ليتأكد من وجود جميع الطلاب خلفه ثم قال :- إسمح لي يا أستاذ أن أطرح سؤالاً أخيراً قبل رحيلك لماذا أعدم سقراط؟ابتسم الاستاذ الدكتور مطنوش ونظر الى الطالب نظرة امتنان لأنه أدرك مغزى سؤاله .. فأجاب :- لأنه أتهم بإفساد شباب أثينا.كان ذلك آخر سؤال وآخر محاضرة تعلمها طلاب الكلية من أستاذ الفلسفة أ.د. مطنوش.