أشرفت الباحثة الأميركية - الإيرانية الأصل، شيرين هنتر، مؤخراً على إصدار كتاب شارك فيه 19 مفكراً وباحثاً في شؤون العالم الإسلامي. الكتاب جمع العديد من الأوراق والبحوث والاتجاهات، وصدر تحت عنوان Modernization, Democracy, And Islam أي "التحديث والديمقراطية والإسلام".صحيفة "الشرق الأوسط"، نشرت في عدد يوم 16 / 5 / 2007 حواراً أجرته بالإنترنت مع الأستاذة "هنتر"، التي تعمل حالياً مديرة لـ"برنامج الإسلام" في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن، حول بعض محتويات الكتاب، وحول التحديث والديمقراطية في العالم الإسلامي، نود هنا توسعة الحوار فيها. هل الإسلام مسؤول عن تأخر المسلمين؟! "أهم الأسباب التي جعلتني متحمسة لإصدار مثل هذا العمل الكبير، كانت تعود إلى تفشي التفسيرات التبسيطية لأسباب تأخر العالم الإسلامي ديمقراطياً وتحديثياً، وذلك على نحو متزايد، والتي تذهب إلى اعتبار الإسلام مسؤولاً عن هذا التأخر بوصفه عائقاً أمام التقدم والتحديث. وأردت أن أوضح أن الأمر ليس كذلك. إن هدف هذا الكتاب هو تحديد العوامل المسؤولة إجمالاً عن السجل الهزيل للعالم الإسلامي في مجالي التحديث والديمقراطية". كثيراً ما أسأل نفسي عندما أرى اهتمام مراكز الدراسات العالمية بحال الديمقراطية والحداثة في العالم الإسلامي، هل يهتم المسلمون بهذه المشكلة بنفس الدرجة؟ وهل هي بعض اهتمامات الجماعات الدينية والإسلام السياسي وغيرها؟ وهل في مكتبتهم دراسات عن العالم الإسلامي حول مثل هذه القضية؟ والجواب بالنفي طبعاً للأسف الشديد، كما أشرنا في مقالات سابقة، فمن أندر الكتب في مكتبة "الصحوة الدينية"، دراسات عصرية حديثة بالأرقام والتفاصيل حول العالم الإسلامي ومشاكله، بل إنني أزعم أن الإسلاميين لو كانوا يهتمون ويتابعون مثل هذه التفاصيل، لتغير نمط تفكيرهم على نحو كامل! ولو لم تكرس مراكز الأبحاث الأميركية والأوروبية اهتمامها على مشاكل العالم الإسلامي وقضاياه، لما سمع الكثيرون عنها، ولما اطلعوا بهذا العمق على تفاصيلها الدقيقة التي تعرضها كتب هذه المراكز. "أهم ما أوضحه الكتاب في رأيي أن الإسلام ليس العائق أمام تطور العالم الإسلامي.. بل هناك عوامل أخرى تتعلق في بعض جوانبها بطبيعة النظام الدولي هي التي تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد". وتشير الباحثة إلى التنوع الحالي في الإسلام، مما يسهل على المسلمين حرية الاختيار: "هناك تيارات ثقافية مختلفة داخل الإسلام، واليوم لدينا عدة تفسيرات مختلفة للإسلام، فهناك الإسلام المتشدد والإسلام التكفيري الجهادي المتطرف، وهناك لإسلام المحافظ المعتدل، والإسلام العقلاني التقدمي". ولكن لماذا تظهر كل هذه الجماعات الإسلامية المتشددة، والتي يتفنن بعضها في العنف والإرهاب مستخدماً أحياناً النصوص الدينية نفسها التي ربما يعتمد عليها المعتدلون، إن كانت التيارات الثقافية والاجتهادية بهذه الدرجة من الاتساع في الإسلام؟ باختصار، ما الذي يحتاجه العالم الإسلامي اليوم؟ أجابت الدكتورة "هنتر": بأن "الشيء الأهم في اعتقادي اليوم هو دعم مبدأ حرية الفكر وتشجيع البحث العقلي والعلمي، ويبدو هذا مُلحاً وضرورياً، لأن من دونه لا يمكن للمسلمين أن يصبحوا "منتجي معرفة" وسيظلون تابعين للآخرين، والشيء الثاني، وهو مرتبط بالأول، احترام حقوق الإنسان وكرامته والذي يُعد جزءاً أصيلاً في التشريع الإسلامي. والشيء المهم الآخر هو التعليم، خاصة تعليم الإناث الذي يظل منخفضاً في معظم بلاد العالم الإسلامي". لقد كانت السمة البارزة في حضارة العالم الإسلامي في زمن العباسيين مثلاً أو في الأندلس، تقبل الآخر دينياً وثقافياً. ولهذا شارك المسيحيون واليهود والصابئة وغيرهم فيها، ووجدت عقائد الهندوس من يكتب عنها، وكُتب اليونان من يترجمها. بينما لا تكاد اليوم تنشط جماعة إسلامية في أي قرية أو مدينة حتى يتطاير فوقها شرر النزاعات الطائفية! إلى جانب حرية الفكر وحقوق الإنسان والتعليم -تقول د. هنتر- "إن على المسلمين أن يطوروا نسخة خاصة بهم من الحداثة"، "من خلال عملية تبنٍّ انتقائي للعناصر الأساسية للتحديث وتحويلها إلى نماذج مقبولة ثقافياً". ثم تضيف: "يملك الإسلام تراثاً عقلانياً وتفكيراً وإنتاجاً علمياً يجب العمل على إحيائه وترويجه، وبالتالي إثبات أن العقلانية والحداثة لا تتعارضان مع الإسلام، وإذا استطاع المسلمون تطوير نسختهم الخاصة من الحداثة، فإن الغرب سيقبلها". ويعتبر "الحداثيون" و"الليبراليون" عموماً الجماعات الإسلامية والجمود العقائدي الذي تروج له، أقوى مانع في ظهور حتى "الحداثة الإسلامية" نفسها. وينسى الكثير من الباحثين أن تحديث المجتمع ليس من أولويات الإسلاميين بل المحافظة والثوابت والضوابط. ولا يرى الإسلاميون قدوتهم في منجزات الحضارة الإسلامية في بغداد العباسية والأندلس، بل في نصوص وغزوات ومفاهيم القرن الهجري الأول وبداية ظهور الدعوة الإسلامية، وهذا كله مما يعقد عملية تحديث مجتمعات العالم الإسلامي. فالثقافات والمجتمعات الإسلامية متعددة، ولكن تحديث مجتمعاتنا أو إنتاج "حداثة إسلامية" لم يعد قضية فقهية أو دينية، بل تم تسييس كل هذا بما يتناسب ومصالح وأفكار وتوجهات الأحزاب الإسلامية. صحيح أن الإسلام، كما تقول الباحثة، يملك تراثاً عقلانياً، وصحيح أن من الفقهاء كالطوافي من أجاز الاجتهاد مع وجود النص، ولكن التجديد في الفقه لم يكن سهلاً في الماضي، وهو اليوم بنفس الصعوبة. بل إن الروحية المحافظة تزداد تشدداً وتجاهلاً للتطور العلمي والحضاري الذي قلب كيان المجتمعات، بما في ذلك بالطبع مجتمعات البلدان العربية والإسلامية. "الإسلام، تقول الباحثة د. هنتر، "لا يعادي الحداثة ولا التحديث ولا الديمقراطية"، وتضيف أن ثمة قراءات معينة للإسلام، وتفسيرات معينة للحداثي، تجعل الاثنين متعارضين. وتقول إن الإسلام ليس وحيداً في هذا الجانب، "ففي الواقع أي قراءة مختزلة لأي دين تجعله متعارضاً مع الحداثة والديمقراطية". وتحذر الباحثة، ومعها كل الحق في هذا، أنه "عند مناقشة دور الإسلام في إعاقة أو مساعدة التحديث، فمن الضروري توضيح أي إسلام وأي حداثة وديمقراطية محل النقاش، فمن الواضح أن القراءات المختزلة والراديكالية للإسلام تتعارض مع الديمقراطية الليبرالية ومع الحداثة". ولكن من شأن هذا التحديد والتوضيح لما نفهم من الإسلام والحداثة ربما، أن يتوقف أو يتعثر الحوار إذ لا توجد جهة واحدة تعرِّف الإسلام، وهناك "فهم رسمي" و"فهم شعبي" و"فهم حزبي عقائدي حركي" و"فهم صوفي" وهكذا. ومما يزيد الصعوبة إلى جانب تعدد المفاهيم، غياب حرية الكاتب والباحث والمحاور في العالم العربي والإسلامي، بعكس ما ينعم به الباحثون المسلمون في أوروبا والولايات المتحدة! وهذه مفارقة محزنة لا مجال للخوض فيها هنا! فباستطاعة أي مجموعة من الباحثين والأكاديميين المسلمين، من سُنة وشيعة، أن يتداعوا إلى أي ندوة أو يضعوا أي كتاب في الإسلام والشريعة والعقيدة، وأن يبحثوا في مختلف القضايا بحرية مطلقة، كما نرى في كتاب " التحديث والديمقراطية والإسلام"، حيث أبدى بعض الباحثين شكوكهم، كما تقول د. هنتر، حول إمكانية تطور نسخة إسلامية للحداثة أو أي دين آخر. ومثل هذه الحرية الفكرية لا وجود لها في العالم العربي... أو إيران! ومن الأفكار المثيرة للجدل والتي تطرحها الباحثة د. هنتر تفريقها بين التحديث والديمقراطية، فقد قامت ألمانيا النازية وقام الاتحاد السوفييتي بتحديث ألمانيا وروسيا في ظل القمع والديكتاتورية! وهناك بعض الدول مثل اليابان في ظل حكم "ميجي" والصين الشعبية وتايوان وكوريا الشمالية وسنغافورة وبعض دول أميركا اللاتينية، قد أنجزت التحديث في ظل أنظمة شمولية واستبدادية. ومع ذلك، تقول الباحثة: "إن معظم الدول الحديثة هي تلك التي لديها أنظمة ديمقراطية". بقي أن نختتم حديثنا بالدعوة إلى فتح مجالات الدراسة والبحث والنقد بحرية كاملة في العالم العربي والإسلامي، فهذا من أهم الشروط لأن نعرف من نحن وماذا نريد! فأغلب بلداننا.. بلا ديمقراطية وبلا حداثة! [c1]نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية[/c]
الديمقراطية والحداثة في العالم الإسلامي
أخبار متعلقة