نبض القلم
إمداد الطفل بالقيم السامية الموجهة لسلوكه، والضابطة لتصرفاته، هدف سام ينبغي أن تسعى التربية في بلادنا إلى تحقيقه، لأن ذلك يؤدي إلى جعل الناشئ يشعر بقوة السلطة الذاتية في نفسه، والتي بها يستطيع التحكم بسلوكه وضبط انفعالاته، فيتكون لديه ما يمكن تسميته بالضمير الديني النابع من داخل نفسه، وهو الذي يهذب النفس ويصقلها ويربيها على المثل الخلقية العليا، وينظم معاملاتها وعلاقاتها الإنسانية فلا يكفي أن يحفظ المتعلم الأحاديث النبوية أو الآيات القرآنية ما لم يكن ذلك مقترناً بتعويده على القيام بها عملياً في كل المناسبات.فلا يكفي مثلاً أن يحفظ الطفل حديثاً شريفاً عن السلام الاجتماعي في حين أن أباه وإخوته وأفراد أسرته يدخلون إلى البيت كل يوم ولا يلقون على بعضهم التحية (السلام عليكم) بل الواجب أن يعود الطفل على التحية بصورة عملية من قبل أفراد الأسرة جميعهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك” غير أن بعض الناس يدخلون إلى بيوتهم ولا يسلمون على أهلها، بل يباغتونهم وفي ذلك ما فيه من المخاطر، إذ ربما يكون أهل البيت في أوضاع غير لائقة، فلا يجوز الدخول المفاجئ عليهم. وإلقاء السلام ليس محصوراً على الكبار فحسب، بل هو مستحب أيضاً مع الصغار، ففي ذلك تدريب لهم، وفي الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على غلمان يلعبون فسلم عليهم، وعن أنس كذلك أنه قال : “انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا، ثم أخذ بيدي فأرسلني برسالة وقعد في ظل جدار حتى رجعت إليه”.ومثلما هو مستحب تعويد الأطفال على التحية بـ (السلام عليكم) يستحب كذلك تعويدهم على آداب الاستئذان، والتي منها أن يسلم ثم يستأذن، ويعلن عن اسمه وصفته وكنيته، عند دق الباب ولا يدق الباب بعنف وأن يتحول عن الباب عند الاستئذان، فذلك سلوك ينبغي تعويد الطفل عليه، ليصبح سلوكاً ممارساً في حياته.وينبغي كذلك تعويد الطفل على آداب زيارة المريض، وتدريبه على القيام بها عملياً عند عيادة أي مريض ويستحب في هذا الخصوص أن يصطحب الأب ابنه لزيارة المريض، ويدربه على الالتزام بآداب عيادة المريض، مثل : دق الباب برفق، ويغض بصره عن التطلع إلى ما في البيت، وأن يكون وقت الزيارة مناسباً، وأن يدنو الزائر من المريض ويقف عند رأسه، وألا يطيل الجلوس عند المريض لئلا يشق على أهله وأن يدعو له بالعافية، ولا يتكلم بما يزعج المريض ويقلقه، بل عليه أن يوسع له بالأمل ويحثه على الصبر. ذلك أن بعض الناس لا يلتزمون بآداب الزيارة لأنهم لم يتدربوا عليها من صغرهم.وهناك آداب أخرى ينبغي تعويد الطفل عليها، تتعلق بالطعام والشراب، والتي منها : غسل اليدين قبل الأكل وبعده، والتسمية في بداية الطعام، وألا يأكل إلا بيمينه، ويأكل مما يليه ولا يبدأ بالأكل إلا أن يأكل من هو أكبر منه، فهذه الآداب إن تعود الطفل عليها صارت سلوكاً ملازماً له طوال حياته، وهي آداب إسلامية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر القيام بها، ففي الحديث الشريف عن عمر بن سلمة قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي الرسول : “يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”. وفي حديث آخر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : “كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده” وفي ذلك إشارة إلى ضرورة احترام الكبار في موائد الطعام، بحيث لا يبدأ الصغار في الأكل قبل الكبار.ولا بد كذلك من تعويد الطفل على ترك الحقد والكراهية، بإشعاره بالمحبة، وأنه مرغوب فيه، وملاعبته ومداعبته، وعدم التمييز بينه وبين إخوته أو زملائه إن كان في المدرسة.ولا بد كذلك من تعويد الطفل على مراعاة حقوق الآخرين، كحق الأبوين، وحق الأرحام، وحق الجيران، وحق المعلم، وحق الوطن، وكذا تعويده على التلفظ بالكلمات الطيبة، مثل أحسنت، شكراً، جزاك الله خيراً، عفواً .. الخ، فإذا ما تعود الطفل على الآداب الاجتماعية منذ صغره، صار في كبره منضبطاً لآداب المجتمع عموماً.[c1] خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]