لم يعد ثمة مبرر يستوجب منا التريث في إعلان حالة استنفار قصوى ضد الإرهاب والإرهابيين, ومعهم وقبلهم منابع التطرف والغلو التي تلقي بذور ثقافة العنف في عقول الناشئة نصوصاً جامدة يتم اجتزاؤها من كتاب الله وسنة رسوله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وربما أيضاً من أحاديث موضوعة وغير صحيحة يتم تلقينها للبسطاء والأبرياء بتأويلات وتفسيرات هي أبعد ما تكون عن المقاصد الحقيقية لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء رحمة للعالمين, بما هو عليه دين محبة وألفة ورحمة وتسامح, يدعو للحب والسلام وينبذ العنف والحقد والكراهية , وينشر قيم التسامح والعفو حتى في التعامل مع الأعداء .نعم لم يعد لدى أي منا ما يمكن أن يبرر به أي مشروع تعاطف مع دعاة الغلو والتطرف والعداء المطلق للإنسان والأوطان والحياة .. ولم تعد جلابيب التدين والدعوة تكفي لمنعنا أو إثنائنا عن قراءة ما بين سطور تلك الثقافة الاقصائية العدائية القاتلة التي يبثها الغُلاة المتطرفون في عقول البسطاء من خلال ندوات وخطب وحلقات ودروس معظمها تتم على مسمع ومرآى من الجميع . لقد سمعنا وقرأنا وتابعنا كثيراً عن جرائم قتل ودمار وتفجيرات وعمليات انتحارية ذهب ضحيتها أناس أبرياء رجال ونساء وأطفال وعمال وتجار وجنود وفلاحون في بقاع كثيرة من دول العالم , لكن كثيرين منا " نحن أبناء اليمن " لم يستوعبوا حقيقة المأساة وخطورة تلك الأعمال الإجرامية التي ينفذها أناس يدعون أنهم في صدارة من يحمي الدين الإسلامي ويذود عن حياضه , وهم في الحقيقة أول وأخطر من يسيء إليه وأخطر من يؤلب عليه الأعداء .وها نحن اليوم – في اليمن – نشهد عينة من تلك الأعمال الإجرامية القذرة والوحشية التي استهدفت فوجاً من السياح الأسبان الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة لا في غزو العراق ولا في حرب أفغانستان ولا في احتلال فلسطين ولا حتى في ملاحقة تنظيم القاعدة , ثم إذا كانت ذريعة منفذي العملية الإجرامية البشعة أن السياح الأسبان ليسوا مسلمين , فما هي ذريعة قتل وإصابة اليمنيين الذين كانوا بصحبة الفوج السياحي سائقين ورجال أمن .. ؟ثم أين تعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي شددت على حماية الذمي والمؤمن في بلاد الإسلام من معتنقي الديانات الأخرى ..؟ثم أين هؤلاء من تشريعات الدين الإسلامي التي عمل بها رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم خلال سنوات الدعوة ومعارك الفتوحات والدفاع عن الدين , حيث لم تكن سيوف المسلمين تُشهر إلا في وجوه من يقاتلون المسلمين , ولم يحدث مطلقاً أن رفع أحدٌ من أصحاب الرسول وجنوده سيفه في وجه عابر سبيل أو في وجه مزارع أو تاجر أو طفل أو امرأة لا في ديار المسلمين ولا في تلك البلدان التي جرت فيها معارك الفتوحات . إن ما حدث في مأرب بما هو عليه من عمل لا إنساني .. لا أخلاقي .. لا ديني .. لا وطني .. ليس سوى إضافة بشعة إلى السجل الإجرامي البشع الذي شهدته من قبل مدينة ( جبلة ) في محافظة إب .. ومنطقة ( حطاط ) في أبين , وميناء عدن .. وساحل حضرموت .. وجميعها أعمال مدانة ومجرمة تسيء للدين الإسلامي وتستهدف السلام والأمن والاستقرار , فضلاً عن استهداف سمعة اليمن واقتصادها وقيم المجتمع وأعراض وتقاليد وأخلاق اليمنيين . ولذلك كله فإننا جميعاً معنيون بالتصدي لهذه الأعمال ومجابهتها والتصدي لمن يغذي بذورها بثقافة العداء والعنف والتطرف والغلو أينما وجدوا , حتى وإن جاؤونا يرتدون ثياب الطُهر والصلاح فقد وصفهم وبين حقيقتهم المولى عز وجل بقوله : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون , ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " .صدق الله العظيم.
|
فكر
ألا إنهم هم المفسدون
أخبار متعلقة