* عبدالملك الفهيدي تزايدت في الآونة الأخيرة تصريحات قيادات المعارضة وكتابها والداعية الى التدخل الخارجي تتكرر مع بروز أي تباين بين أحزاب المعارضة والحزب الحاكم حول القضايا ذات الصلة بمستقبل البلد.ورغم أن الحديث عن اللجوء إلى الخارج في تصريحات قيادات المعارضة اليمنية بدأ كتقليد ً لما حدث في لبنان بالتحديد، بعد نجاح المعارضة اللبنانية في الدعوة لتشكيل لجنة دولية للتحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث بدأت المعارضة اليمنية تثير إمكانية لجوءها إلى الخارج لتشكيل لجنة دولية للتحقيق في قضية اغتيال الشهيد جار الله عمر -الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني- الذي اغتيل خلال افتتاح المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح في ديسمبر العام 2002م،الا أنها جاءت لتؤكد قلة الخبرة السياسية، وعقم قيادات أحزاب المعارضة في ابتداع أساليب ناجعة للتعامل مع قضايا البلد.لكن توالي التصريحات والمواقف الصادرة عن قيادات المعارضة وإعلامها كشف عن تحول موضوع الاستقواء بالخارج من مجرد تكتيك سياسي يستخدم في التصريحات الإعلامية إلى توجه عملي سعت المعارضة إلى استغلاله لإدارة معاركها وخلافاتها مع السلطة والحزب الحاكم إلى درجة كشفت عن حقيقة عجز المعارضة اليمنية عن تقديم نفسها كبديل قادر على تولي زمام المسئولية وقيادة البلد.ويمكن للمتابع رصد دلائل كثيرة عن ذلك التوجه بدءاً من تصريح الأمين العام المساعد لاتحاد القوى الشعبية "أحد أطراف اللقاء المشترك" الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في لقاء نشرته صحيفة "الناس" والذي أصدر فيه ما يشبه الفتوى بجواز وشرعية الاستقواء بالخارج لتغيير النظام في الداخل.وعلى الرغم من محاولة المتوكل نفسه لاحقاً تفسير ما جاء في تصريحه بشكل آخر بعد الانتقادات الشديدة التي وجهت له ، إلا أن تصريحات ومواقف المعارضة أكدت أن ما صدر عن المتوكل لم يكن الا بداية كشفت فيها المعارضة عن توجهها للاستعانة بالخارج حتى لو جاء ذلك على شاكلة تكرار ما حدث في العراق.وبدا واضحاً ترجمة ذلك التوجه من خلال تكثيف الإعلام المعارض لإعادة نشر التقارير الدولية- رغم أن معظم معلوماتها منشورة رسمياً- بأساليب تعمد الى ترسيخ حالة من اليأس والإحباط لدى المتلقي، وتصور وضع البلد بالكارثي، وامتد ذلك إلى اعتماد تصريحات مختلف قيادات المعارضة على ما نشر في تلك التقارير وكأنها أدلة إدانة ضد الحزب الحاكم والحكومة والقيادة السياسية.وساهمت أساليب الصياغة الإعلامية المعتمدة على "الفبركة" والتشويه، والانتقائية في النشر في إحداث حالة من الاحتقان والإحباط لدى المواطن، تجلت أبرز مظاهره في أعمال العنف والشغب التي شهدتها المظاهرات في بعض المدن اليمنية عقب قرار الحكومة بتنفيذ الإصلاحات السعرية في مجال المشتقات النفطية.وجاء ترحيب التجمع اليمني للإصلاح غير المشروط بالدعوة الأمريكية الأوروبية للحركات الإسلامية المعتدلة للدخول في حوار معها ليمثل دليلاً آخر على التوجه نحو سياسة الاستقواء بالخارج، فالإصلاح وهو أكبر أحزاب المعارضة رحب بتلك الدعوة، وأبدى استعداده للدخول في حوار مع الأمريكيين والأوروبيين بشكل مغاير تماماً لموقف حركة الإخوان المسلمين في مصر التي اشترطت للدخول في حوار مماثل أن يتم عبر القنوات الحكومية الرسمية في مصر، وتحديداً عبر وزارة الخارجية.ولم يكد يمر وقت قصير على ذلك الترحيب الإصلاحي حتى أعلن الشيخ عبدالمجيد الزنداني-رئيس مجلس شورى الإصلاح- عن موقف مغاير لحزبه إزاء تلك الدعوة؛ حيث اشترط ضرورة الاتفاق على محاور للحوار، وضرورة مروره بالقنوات الرسمية، فضلاً عن اشتراطه اللجوء إلى علماء الأمة لإبداء آرائهم حول مواضيع الحوار من أجل ضمان عدم وجود قضايا يتم الاتفاق عليها خارج إطار الرؤية الشرعية.وكشف تصريح الشيخ الزنداني -آنذاك- حقيقة وجود أزمة داخلية يعيشها حزب الإصلاح من ناحية، واللقاء المشترك من ناحية أخرى؛ حيث فسر تصريح الزنداني بأنه رد فعل على موقف سياسي اتخذه قادة حزبه دون اللجوء إلى مجلس الشورى الذي يرأسه، أو حتى دون استشارته شخصياً.وتزامن موقف الزنداني مع موقف الشيخ عبدالله الأحمر -رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح- الذي دأب منذ العام الماضي على إبداء المعارضة والرفض، بل و الانتقاد اللاذع لسياسات الولايات المتحدة تجاه الكثير من القضايا، سواء بالنسبة للأمة العربية، أو بالنسبة لليمن.وفي الوقت نفسه كرر قياديو بعض أحزاب المعارضة، سيما في التنظيم الناصري، وحزب البعث، وهم حلفاء أساسيون للإصلاح في إطار المشترك رفضهم القاطع للتدخلات الأجنبية أو الاستقواء بالخارج لفرض الإصلاحات، وهو ما أكد وجود خلافات عميقة داخل منظومة المشترك حيال قضايا كثيرة، ومنها قضية الاستقواء بالخارج.وجاء إعلان الرئيس علي عبدالله صالح نيته عدم خوض الترشيح للانتخابات الرئاسية العام الجاري ليفشل توجهات المعارضة، وبعض قادة المنظمات المدنية التي كانت تسعى للتنسيق مع السفارات والمنظمات الأجنبية للتدخل في التأثير على سير عملية الانتخابات الرئاسية لصالح المعارضة.وفي هذا الإطار اعترفت الصحفية رحمة حجيرة رئيسة منظمة منتدى الإعلاميات اليمنيات، و"هي إحدى المنظمات التي نشطت في إقامة علاقات مع السفارات الأجنبية، سيما الأمريكية" بوجود ذلك التوجه،حيث أشارت في مقال نشرته صحيفة "النداء" عقب الإعلان الرئاسي إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح كان ذكياً وفوت الفرصة على الأمريكيين للتدخل والتأثير في مسار الانتخابات الرئاسية، وهو ما كان ينوي الأمريكيون القيام به - حد تعبيرها.وأثارت قضية اللقاء الذي جمع عدداً من منظمات المجتمع المدني بوفد تابع لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في السفارة الأمريكية العام الماضي ردود أفعال كثيرة، وتساؤلات عن مشروعية وأهداف ذلك اللقاء، سيما وأنه تم بشكل سري.وعلى الصعيد نفسه كثفت وسائل إعلام المعارضة من تناولاتها لقضايا الاصلاحات قبيل زيارة الرئيس إلى أمريكا، محاولة التركيز على وجود خلافات بين اليمن والولايات المتحدة، على كثير من القضايا، وأن تلك الزيارة ستمثل فرصة لممارسة واشنطن ضغوط على الرئيس واليمن بخصوص موضوع الإصلاحات السياسية، إلا أن نجاح تلك الزيارة، وما أكدته تصريحات السفير الأمريكي في صنعاء فيما بعد عن خصوصية وأهمية تلك الزيارة مثل ضربة لما كانت المعارضة تسعى إليه، الأمر الذي أدى الى استعجالها في إعلان ما سمته بمشروع الإصلاحات السياسية، وهو المشروع الذي عكس حقيقة الأهداف التي تسعى إليها المعارضة والمتمثلة في استغلال قضية الإصلاحات السياسية كأسلوب للضغط على الحكومة والحزب الحاكم لتحقيق مكاسب، بعيداً عن السعي لتقديم برامج ورؤى سياسية تخدم الوطن ومستقبله.وعلى الرغم من فشل تلك المساعي إلا أن قيادات المعارضة استمرت في تصعيد مواقفها الداعية إلى التدخل الخارجي، وجاء رد رئيس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح محمد قحطان على تصريحات أدلى بها نائب رئيس كتلة المؤتمر ياسر العواضي، ليؤكد توجه المعارضة نحو الخارج بشكل أكبر من ذي قبل.ففي حين طلب العواضي من الإصلاح تحديد موقفه من حرب الانفصال التي كان خلالها مع المؤتمر، جاء رد قحطان انفعالياً الى حد مطالبته بتشكيل لجنة دولية لمحاربة الفساد، ولجنة دولية للتحقيق في تلك الحرب وتقييم آثارها.. وهو التصريح الذي عكس مصداقية القول بأن المعارضة تسعى للاستعانة بتدخل خارجي، من اجل فرض إصلاحات سياسية تتبناها من ناحية، أو التأثير في سير ونتائج الاستحقاقات الانتخابية القادمة من جانب اخر.وجاءت الخلافات حول الانتخابات التكميلية للدائرة (227) بمحافظة ريمة لتشكل منعطفاً جديداً في مسار ترويج المعارضة للتدخلات الخارجية، فقد نشرت صحيفة "الصحوة" مقال رأي للكاتب الاشتراكي عبدالرحيم محسن، حول تلك الانتخابات، دعا فيه أحزاب المشترك إلى رفض الدخول في الانتخابات المحلية والرئاسية القادمة، إلا بتدخل خارجي يفضى لتشكيل لجنة وطنية جديدة تتولى إدارة الانتخابات ، ودعوة الأمم المتحدة للإشراف الكامل عليها.وعلى الرغم من أن طرح محسن يدخل في إطار الرأي الشخصي، إلا أنه جاء منسجماً مع ما سبق وطرحته المعارضة حول التدخل الأجنبي، وفي ضوء بيان شورى الإصلاح الأخير الذي دعا قيادة الحزب إلى التفكير بجدية قبل اتخاذ قرار بخوض أي انتخابات قادمة. لهذا لن يتدخل الخارج!وفي المقابل فإذا كانت المعارضة بذلت -وما تزال- جهوداً مضنية بهدف استمالة الخارج للتدخل في التأثير على مسار القضايا الوطنية، إلا أنها فشلت حتى الآن في ذلك لأسباب كثيرة، أبرزها نجاح القيادة السياسية والمؤتمر الشعبي العام، واسبقيتهما في تبني قضايا الإصلاحات، وتحويلها إلى واقع من ناحية، ومن ناحية أخرى إدراك القوى الخارجية لعقم أسلوب التدخل لفرض توجهات أو سياسات معينة على الدول في ظل استيعاب النتائج الكارثية للاحتلال الانجلوأمريكي للعراق.فعلى الصعيد الداخلي عرف عن الرئيس علي عبدالله صالح ريادته واسبقيته في الدعوة إلى الإصلاحات السياسية النابعة من الداخل، ولعل عبارته الشهيرة (احلقوا رؤوسكم قبل أن تحلق لكم) تعد ابرز دليل على ذلك..وجاء تجسيد الرئيس والمؤتمر الشعبي العام لحقيقة التوجهات الإصلاحية عبر الاستمرار في تبني برامج إصلاحات شاملة تم إقرارها في المؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام، والتي تضمنها برنامج العمل السياسي للمؤتمر خلال المرحلة القادمة، والبدء بتحويلها إلى آليات تنفيذية.وإذا كانت تلك الإصلاحات تمثل في معظمها ما تنادي به المعارضة، إلا أن الأخيرة ترفض حتى مجرد الاعتراف بأهميتها، وتصر على ضرورة التعاطي مع ما تنادي به بشكل يشكك من مصداقية أهدافها في المطالبة بإصلاحات.. وهو ما يدعو للتساؤل: لماذا تصر المعارضة على مواقفها حيال الإصلاحات التي بدأ المؤتمر بتنفيذها مادامت هذه الإصلاحات ستسهم في تطوير مستقبل البلد سياسياً واقتصاديا؟!!وعلى الجانب الآخر فإن توجهات الإصلاحات التي تبناها المؤتمر الشعبي العام نجحت في إقناع الداخل بعجز المعارضة وفشلها في تبني برامج عملية ناجعة للمساهمة في حل المشاكل الاقتصادية في البلد، أو السعي لتطوير التجربة الديمقراطية، بل وفي إدراك الخارج لذلك، ولعدم جدوى الضغوط لفرض إصلاحات خارجية سيما في ضوء نتائج الاحتلال للعراق، ونتائج الانتخابات الفلسطينية.وتعكس تصريحات المسئولين الغربيين إدراكاً واعياً لواقع اليمن، وتنطلق من قراءة مفادها أن أية محاولات للتدخل الخارجي في الشان اليمني قد تسهم في حال حدوثها إلى إفشال ما حققته اليمن على مدى الأعوام الماضية من نجاحات في مسار الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وقضايا المرأة، وتعزيز الأمن والاستقرار.وينقل عن أحد الدبلوماسيين الغربيين في صنعاء القول: (إذا كان اليمنيون يعرفون بلادهم، فمن نحن لنحاول فرض طريقة عليهم في محاربة الإرهاب).تصريح ذلك الدبلوماسي جاء عقب نجاح تبني اليمن لتجربة الحوار مع المتطرفين من الشباب، وهو التوجه الذي كان يلقى معارضة شديدة من الخارج في البداية.وتأكد ذلك التوجه من خلال تكرار تصريحات المسئولين والدبلوماسيين الغربيين عن دعمهم ومساندتهم لتوجهات القيادة السياسية والحكومة اليمنية في تنفيذ برامجها للإصلاحات،كان اخرها إشادة الخبير الألماني في مجال مكافحة الفساد ومستشار برنامج التعاون اليمني- الألماني لمكافحة الفساد السيد كلاوس هينينق روزن بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليمنية لتنفيذ مصفوفة الإصلاحات التي تم إقرارها في اكتوبر 2005م ،وتعبيره عن الارتياح للنتائج الأولية التي تحققت بعد تنفيذ تلك الإجراءات ..مؤكداً أنها لاقت ارتياحاً كبيراً من قبل الحكومة الألمانية .ويضيف روزن ان الحكومة الألمانية قررت على ضوء تلك النجاحات مواصلة الدعم الذي تقدمه لليمن وخاصة في ظل توافر الإرادة القوية لدى قيادتها السياسية اليمنية لاجتثاث ظاهرة الفساد واقتلاعها من المجتمع اليمني.وأكدت تلك التصريحات أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات والدول الأوروبية لا تسعى للتدخل في مسار الانتخابات في اليمن، وإنما يقتصر دورها على المساعدة والدعم الفني وضمان نزاهة وحيادية العملية.المسئولون في منظمة "إيفس" التي تعد أبرز منظمة دولية تدعم الانتخابات في اليمن، أكدوا مراراً أن دورهم لا يتعدى تقديم الدعم والاستشارة لإنجاح العمليات الانتخابية فقط، مؤكدين عدم إمكانية تدخلهم في التأثير على الانتخابات باعتبارها شأناً داخلياً يمنياً.وخلال الأسبوع الماضي -وأثناء جمع بعض الصحفيين بوفد برلماني بريطاني- بدا هذا التوجه أكثر وضوحاً، فقد علق أحد أعضاء الوفد على إمكانية دعم بريطانيا لمشاركة المرأة اليمنية في الحياة السياسية بالقول: (نحن لا نريد فرض نظامنا على اليمن، وندرك إن النساء في اليمن لديهن القدرة على المشاركة في الحكم، وفقاً للثقافة اليمنية والدين الإسلامي).البرلماني البريطاني كان يعي جيداً ما يريد أن ينقله الصحفيون على لسانه إلى الرأي العام في اليمن.ولتأكيد ذلك قال برلماني آخر وهو يتحدث عن المشاريع التي تدعمها منظمة "أوكسفام" في اليمن بالقول: ( هناك خيط رفيع بين تقديم المساعدات، وبين فرض الآراء، وأيضاً هناك خيط رفيع بين الاعتماد على المساعدات، وبين بناء القدرات)..ولا يمكن قراءة هذه التصريحات سوى بأنها تأكيد على عدم جدوى الاستعانة بالخارج لفرض أنظمة أو سياسات من ناحية، ومن ناحية أخرى تأكيد جدي على إدراك الخارج أن سياسة الاعتماد على الذات هي الأجدى لإحداث تطوير مستقبلي في أي بلد، فأسلوب الاعتماد على الخارج أكان بالمساعدات، أوبالسعي للتدخل أضحى أسلوباً عقيماً، وفاشلاً، وهو ما تؤكده نتائج الاحتلال للعراق، وما أثبتته نتائج الانتخابات الفلسطينية في أن إرادة الشعوب هي التي تصنع التغيير، وليس إرادة أو الاعتماد على إرادة الخارج..ما تحدث به أعضاء الوفد البرلماني البريطاني من وجود خيط رفيع بين الاعتماد على المساعدات وبناء القدرات يمثل رسالة قوية يجب على المعارضة في اليمن استيعابها إذا أرادت تقديم نفسها كبديل للحاكم بدلاً من الدعوة القولية او السعي الفعلي للاستقواء بالخارج بغرض الوصول الى سدة الحكم،لان الخارج مهما كان تدخله لا يمكن أن يوصل حزبا أو أفراد الى كرسي الحكم دون ثمن،وفي المقابل يستحيل أن يمنح الشعب ثقته لمن يخونه ويحاول الوصول الى الحكم عبر بوابة "الاستقواء بالخارج".ـــــــــــــــــــ * كاتب يمني
|
فكر
المعارضة اليمنية عندما تحاول الإستقواء بالخارج !
أخبار متعلقة