رسالة دكتوراه عن :
[c1]تقديم :[/c] نشأت الصحافة الفلسطينية وتطورت عبر خمس مراحل تاريخية. تبدأ الأولى بصدور الصحف باللغة العربية في القدس في العهد العثماني سنة 1876، لتتوقف في مطلع الحرب العالمية الأولى 1914. ثم تبدأ المرحلة الثانية بعودة الصحف إلى الصدور في ظل الانتداب البريطاني 1919 وتمتد لنهاية عام 1948، والمرحلة الثالثة تأتي ما بعد النكبة وقيام الكيان الصهيوني وضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1950. وتأتي المرحلة الرابعة بعد حرب 1967" ، أما المرحلة الخامسة فقد بدأت بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 والذي بموجبه تم الانسحاب الإسرائيلي من المدن الفلسطينية الرئيسة، وتم إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية. في رسالة الدكتوراه ، التي نالتها بدرجة امتياز من جامعة كراسنا دار في روسيا ، تسرد الدكتورة وداد البرغوثي ، وهي الأستاذة في جامعة بير زيت في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة تجربة المرأة الفلسطينية في ميدان الصحافة وبالذات تلك المختصة بالشؤون النسوية . وهي دراسة تستحق القراءة والاهتمام كونها تتحدث عن المراحل النضالية للمرأة الفلسطينية في مختلف الجبهات ودورها في الصحافة الفلسطينية . وقد حاولنا أن ننقل للقارئ أهم ما ورد في الدراسة القيمة بمجملها ، حيث خصصت د. البرغوثي دراستها حول صحيفة " صوت النساء " كأول مطبوعة نسائية فلسطينية . والدراسة التي بين أيدينا تتكون من ثلاثة فصول ، يتناول الفصل الأول الصحافة الفلسطينية ومقدمات ظهور الصحافة النسائية ، فيما يفند الفصل الثاني خصائص ومشاكل الصحافة النسائية ، أما الثالث فيعالج بإسهاب، وعن حقائق عاشتها الكاتبة، صحيفة "صوت النساء" الصادرة منذ عشر سنوات وحتى اليوم عن ( طاقم شؤون المرأة ) في رام الله بفلسطين ، وهي الصحيفة التي أسستها الدكتورة البرغوثي وترأست تحريرها لمدة ثلاث سنوات . وفي هذا الحيز نورد فقط الفصل الخاص بصحيفة " صوت النساء " التي يأتي ذكرها عن تجربة عاشتها الكاتبة بإيجابياتها وسلبياتها ، في ظل ظروف وأوضاع سياسية سيئة يعانيها الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة على مرأى ومسمع الأمة العربية والإسلامية وأنظمتها السياسية المختلفة . [c1]صوت النساء :[/c] "صوت النساء " أول صحيفة نسويه فلسطينية تصدر بانتظام لفترة طويلة وبدون توقف .فقد صدر العدد الأول منها في الخامس والعشرين من تموز 1996 وما تزال حتى اللحظة.لذلك استطاعت هذه الصحيفة أن تشكل لنفسها هوية متميزة شكلاً ومضموناً لم تستطعه أية مطبوعة نسويه فلسطينية لا قبلها ولا بعدها حتى الآن. وسيعالج هذا الفصل "صوت النساء" من حيث مضمونها وشكلها ومن حيث آلية عملها والإشكاليات التي يحتمل أن تواجهها."صوت النساء" مضمونا :جاء صدور الصحيفة بعد أن خاض الشعب الفلسطيني أول تجربة ديمقراطية في حياته، ألا وهي تجربة الانتخابات الرئاسية وانتخاب السلطة التشريعية الفلسطينية وبدء التحضير لانتخابات المجالس البلدية. لذلك حرصت المؤسسة( طاقم شؤون المرأة) على إيلاء هذه التجربة اهتماما خاصا ، وأن تلعب دورا هاما من أجل مشاركة نسويه فاعلة في الانتخابات والحياة السياسية العامة. وكانت لدى المؤسسة رؤية واضحة لدور الإعلام في هذا المجال ، وكان لا بد لذلك من وجود منبر إعلامي يعبر عن رؤية المؤسسة لمشاركة المرأة وإيصال هذه الرؤية لأوسع فئة من فئات الشعب.واختارت المؤسسة قبل ذلك - والخيارات أمامها محدودة- أن تشرف على إعداد صفحة يومية خاصة بالمرأة في جريدة " القدس" الأوسع انتشارا. وكانت حتى ذلك الوقت هي الصحيفة اليومية الوحيدة التي تصل إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ، وإن كانت هذه الصحيفة تصدر في منطقة خاضعة لسلطة الاحتلال الإسرائيلي وتخضع موادها لمراقبة الرقيب العسكري الإسرائيلي.إلا أن القائمين على صحيفة "القدس" رحبوا بصفحة تقليدية نمطية قد تساهم في زيادة مبيعات الصحيفة. هذا ما أكده مالك الصحيفة لرئيسة طاقم شؤون المرأة زهيرة كمال ولوداد البرغوثي (الكاتبة) والتي أوكل إليها الطاقم مهمة الإشراف على هذه الصفحة. لكن هذا الموقف قوبل بالرفض كما سبق وذكر في فصل سابق. وقر قرار المؤسسة على إصدار مطبوعة مستقلة . وكانت صحيفة الأيام قد بدأت بالصدور ، فتم الاتفاق مع الصحيفة على إصدار مطبوعة مستقلة اتفق على تسميتها " المرأة والانتخابات". وحصل الطاقم في حينها على تمويل من مؤسسة "سيدا" الكندية لمشروع يحمل نفس الاسم، من ضمن مهمات هذا المشروع إصدار هذه المطبوعة.ثم تغيرت التسمية بعد ذلك إلى "صوت النساء ". حيث انتهى مشروع المرأة والانتخابات.وواجهت مسألة الانتخابات البلدية جملة من المشاكل التي عطلت العملية الانتخابية برمتها وحلت التعيينات محل الانتخابات. أما الجريدة فكان استمرارها بحد ذاته أحد استراتيجيات المؤسسة. واتجهت المؤسسة ومعها الصحيفة إلى توجهات أوسع وأشمل من موضوع الانتخابات لتشمل مختلف القضايا التي تستحوذ على اهتمام النساء.فإذا كانت "صوت النساء" قد نأت بنفسها عن موضوعات بعض الصحافة النسائية العربية وحتى العالمية التي اختارت لنفسها دورا تقليديا يكرس "تشييء" المرأة ، فقد اختارت لنفسها جملة من المحاور البديلة. سنتناول كل محور على حدة ونرى كيف غطت هذه الصحيفة على مدار هذه المحاور وموقف الحركة النسوية منها، منطلقين من كونها تعبر عن موقف طاقم شؤون المرأة الذي تمثل مواقفه الإستراتيجية مواقف كافة أقطاب الحركة النسوية الفلسطينية باستثناء النساء الإسلاميات أو أي توجهات نسائية دينية أخرى.أما المحاور فهي:- المرأة والمشاركة السياسية.- المرأة والعمل- المرأة والقوانين والتشريعات- الأدب والثقافة- نساء مبدعات- التعليم- الانتفاضة- الإشكاليات التي واجهت "صوت النساء"[c1]1) المرأة والمشاركة السياسية :[/c]مع صدور العدد الأول من صحيفة "المرأة والانتخابات"،كانت وزارة الحكم المحلي الفلسطينية قد باشرت بتعيين لجان بلدية مؤقتة تقوم مقام البلديات في إدارة شؤون المدينة أو القرية.هذه التعيينات بالنسبة للنساء شكلت إجحافا مزدوجا ، من جهة كان هذا الإجحاف بحق الديمقراطية نفسها لأنه لم تجر انتخابات ، من جهة ثانية فإن التعيينات جرت في كثير من الأحيان خاصة في القرى على أساس التقسيم السياسي والعشائري، الأمر الذي لا يحتمل وجود النساء. أما السلطة الفلسطينية فقد ربطت مسألة الانتخابات الفلسطينية بزوال الاحتلال لأنه يشكل عائقا حقيقيا أمام هذه العملية.من هنا وجد هذا الموضوع أصداء كبيرة على صفحات الصحافة المحلية بشكل عام وعلى صفحات " المرأة والانتخابات" بشكل خاص.فحتى اللجان المعينة كانت نسبة النساء فيها قليلة جدا . "فعدد النساء المعينات في الهيئات المحلية المختلفة سواء كانت مجالس بلدية، قروية ، أو لجان مشاريع فيبلغ 13 من مجموع 3081 أي بنسبة " 042 %(1).وكتبت الجريدة عن تباري المرشحين "لإشمال برامجهم نقاط تتعلق بتحسين وضع المرأة أو الإيمان بحقوقها كأضعف الإيمان .إن هذا يشير إلى أنه من الصعب تجاهل وضعية المرأة ، وإن كان الهدف فقط تناولا شكليا وليس حقيقيا.لذا من يعمل على تحضير كتلة لخوض الانتخابات القادمة ، بدأ يبحث عن "العروس" التي سيزين بها كتلته. أقول العروس لأنه مازال يتم التعامل بقضية المرأة كقضية رمزية ، وهو نهج لا يسير عليه فقط الساعون لبناء كتل انتخابية ، ولكن انتهجته السلطة الفلسطينية . فوزيرة واحدة تكفي " لتزيين " مجلس الوزراء"(2) فالتعيينات" ضرب للعملية الديمقراطية من حيث مبدأ التعيين من ناحية ومن ناحية ثانية يحاصر المرأة ويسلبها إمكانية احتلال مكانها وأخذ دورها في هذه التشكيلات" (3)رغم أن وثيقة الاستقلال والقانون الانتخابي أكدا على مساواة المرأة بالرجل ، " إلا أن ما يعطى لها على الورق يؤخذ منها على أرض الواقع"(4) .وأصدر طاقم شؤون المرأة بيانا عبر فيه عن قلقه إزاء سياسة التعيينات ، نشرته "المرأة والانتخابات" في عددها الأول (5).من ناحية ثانية فقد ركزت " المرأة والانتخابات" على دور الأحزاب السياسية في دعم المرأة ، حيث لم يكن هذا الدور يتناسب على الإطلاق مع دور المرأة في الأحزاب ولا مع حجمها ولا مع برامج الأحزاب التي تتحدث دائما عن سيادة الديمقراطية والعدالة والمساواة. وتناولت " المرأة والانتخابات " ولاحقا "صوت النساء" هذا الدور بالنقد . ففي افتتاحية العدد الثاني تساءلت النساء : "لماذا يصمت الكل حتى أكثر الناس مناداة بالديمقراطية ؟ هناك بعض الأطراف التي تعتقد أنها لو تركت الأمور لانتخابات ديمقراطية ، يمارس فيها الكل حقه في الاقتراع ، قد لا تحصل على مقعد في هذا المجلس . لذلك التزمت الصمت واستراحت للكسب السهل .ولا أحد يسأل :أين المرأة ؟لماذا لم تمثل كما يجب ؟. وكل يقول في برامجه السياسية: المرأة نصف المجتمع. ولكن لا أحد يسأل : لماذا نعتمد الأسس العشائرية والفئوية السياسية والطائفية ؟، على عكس ما تنادي به برامج الأحزاب ؟ لماذا تستبدل القضايا البرنامجية والمبدئية بمقعد في مجلس بلدي أو قروي؟"(6).وفي مواجهة التشكيك بقدرات النساء ودورهن الذي يجب أن يضطلعن به في مواقع صنع القرار، وردا على دعاة التزام المرأة بأعمال البيت وتربية الأطفال ،يقول دكتور علم الاجتماع نادر عزت :" إن استثناء النساء من التمثيل في المجالس المحلية يعني خطرا على مواضيع كثيرة مهمة للمجتمع بأكمله.فالمرأة بحكم التربية الاجتماعية ودورها المهم داخل البيت والأسرة والمدرسة ، ستتأكد من أن المجالس المنتخبة لن تتجاهل المواضيع التي تواجه الأسرة ، سواء التي تتعلق بتربية الأطفال أو تعليمهم ، أو تلك التي تواجه الرجل والمرأة من حيث العمل والأجور والظروف المعيشية بشكل عام "(7)وانتقدت أقلام عديدة في "المرأة والانتخابات" قانون الانتخابات في مجموعة من النقاط ، سواء كان ذلك من خلال المقالات التي تكتب أو من خلال استطلاعات الرأي والاجتماعات والمداولات التي جرت على هامش القانون ، أو ماكان خلال مقابلات مع نساء يرغبن في ترشيح أنفسهن. وقد أجملت الحركة النسوية الفلسطينية الممثلة في طاقم شؤون المرأة هذه الانتقادات في رسالة تم توجيهها إلى كافة أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني ، وتم توزيعها عليهم خلال اجتماع التشريعي في مطلع أيلول/سبتمبر 1996. ونشرتها المرأة والانتخابات ، حيث تضمنت الرسالة انتقادا للبنود التي تعيق مشاركة المرأة في الانتخابات واقتراح بنود بديلة ، من شأنها أن تتيح مجالا أوسع لهذه المشاركة. ففي حين يتطرق قانون الانتخابات إلى بنود تتعلق بشروط الترشيح من شأنها أن تقلل من فرص مشاركة المرأة كاشتراط العمر ب25 عاما كحد أدنى واشتراط التحصيل العلمي للمرشح بإنهاء الدراسة الثانوية (12 سنة دراسية) ، ودفع مبلغ 500 دينار( أي ما يزيد على 700دولار أمريكي) وغير ذلك من البنود ،فقد اقترحت الحركة النسوية في رسالتها سالفة الذكر 17 بندا لتعديل القانون الانتخابي ، نذكر منها:- ضرورة وجود كوتا نسائية كنوع من التمييز الإيجابي لصالح المرأة .- فيما يتعلق بالمادة( 22)والتي تشترط أن يدفع مبلغ 500 دينار فإن طاقم شؤون المرأة أوصى بتحويل الرسوم إلى رسوم رمزية . وذلك بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية بشكل عام وللمرأة بشكل خاص. - بالنسبة لاشتراط التحصيل العلمي في المادة(24) رقم5 ، فإن طاقم شؤون المرأة يرى من خلال اطلاعه على الإحصائيات التي تشير إلى أن نسبة التعليم عند الذكور ضعفها عند الإناث ، إن هذا الاشتراط يقلل من فرص النساء لترشيح أنفسهن ولذلك أوصت النساء باستبدال مرحلة التعليم الثانوي بالمرحلة الإعدادية{أي 9 سنوات دراسية بدلا من12}(8). موضوع الانتخابات استحوذ كثيرا على اهتمام " المرأة والانتخابات" . فمن العدد الأول وحتى العدد السادس تم رصد 28 موضوعا ما بين المقالات والافتتاحيات والتقارير والمقابلات مع نساء يرغبن في ترشيح أنفسهن أو نساء تم تعيينهن في اللجان.هذا بالإضافة إلى الأخبار القصيرة المتعلقة بالنشاطات ذات الطابع الانتخابي النسوي.وصادف صدور العدد السادس انتهاء مشروع" المرأة والانتخابات" . أي انتهاء نشاطات الطاقم في هذا المجال. بسبب وقف تمويل هذا النشاط. ولم يبق من المشروع سوى الجريدة موضوع هذا الفصل.وكانت الجريدة مكونة من 8 صفحات من الحجم الصغير(A3). وتصدر تحت شعار "ناضلنا معا من أجل التحرير فلنناضل معا من أجل البناء" .موضوع الانتخابات بعد انتهاء المشروع تراجع على صفحات الصحيفة.فقد أصبحت هذه المواضيع قليلة لسببين :الأول: هو انتهاء المشروع وبالتالي تقليص النشاطات المتعلقة بهذه القضية.الثاني: إن موضوع الانتخابات نفسه لم يعد بتلك الحيوية السابقة ليس بالنسبة للنساء فحسب بل بالنسبة للجميع ذلك أن سياسة الاحتلال نفسه وتضييقه الخناق على الشعب الفلسطيني وسياسات الحصار والمماطلة في قضية الانسحاب من مناطق اتفق على انسحابه منها ، كل تلك الأمور غيرت في أولويات الشعب الفلسطيني.هذه الأمور كلها تجد انعكاساتها على صفحات الصحافة وعلى أولوياتها.ففي حين كانت صحيفة المرأة والانتخابات جاهزة للصدور فقد حدث تغيير مفاجئ جراء الكشف عن قيام إسرائيل بحفر نفق تحت المسجد الأقصى ، الأمر الذي أدى إلى خروج المواطنين الفلسطينيين في مظاهرة احتجاج، وكان الرد الإسرائيلي على ذلك مذبحة سقط ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى.هذا الأمر بحد ذاته كان مدعاة لتغيير عدد الصحيفة عشية صدوره بما يتناسب وحجم الحدث.وهذا تطلب من رئيسة التحرير في وقتها(وداد البرغوثي) التي تعمل لوحدها على إصدار العدد أن تتوجه إلى المستشفيات المختلفة حيث الشهداء والجرحى وإلى الميدان حيث تجري المواجهات وإلى بيوت الشهداء وإلى مراكز التبرع بالدم، من أجل أن يكون العدد مناسبا للحدث.فكان العدد السادس عددا مختلفا نوعيا من حيث مضمونه ومن حيث شكله عن الأعداد الخمسة السابقة. ولكن صدور العدد تأخر يومين عن موعده بسبب الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال على مدينة رام الله ، فتأخر صدور العدد من يوم الخميس كالمعتاد إلى يوم السبت.ومن هنا كان على "المرأة والانتخابات " أن تغطي مشاركة المرأة في هذه الأحداث قدر المستطاع.وقد شاركت المرأة في تنظيم المسيرات والمظاهرات ، والمشاركة في تشييع الشهداء وزيارة الجرحى والتبرع بالدم،وغير ذلك من الفعاليات التي اقتضتها اللحظة السياسية والواجب الوطني. [c1]( يتبع )[/c]