اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب (5)
سيُلاحظ القارئ الكريم حرص كاتب هذه السطور على الربط بين ردود الفعل الغاضبة على فيلم «الرهان الخاسر» من قبل كتاب وصحافيين وصحف محسوبة على تيار الإسلام السياسي في اليمن، وبين الاحتفاء بخبر دمج تنظيمي « القاعدة» في اليمن والسعودية ، والتسابق على تغطية هذا الحدث، وانفراد صحيفة «الناس» التي تنتمي إلى هذا التيار بنشر حوار مع الأمير الجديد لتنظيم «القاعدة» الموحد في الجزيرة العربية في مخبئه السري، حيث اكتسب هذا الحوار أهمية حيوية لجهة عرض منظومة الأفكار والأهداف الرئيسة للمشروع السياسي الذي يسعى إلى تحقيقه هذا التنظيم الإرهابي على طريق إحياء نظام الخلافة الإمبراطوري، بوصفه الهدف المحوري لحركة « الإخوان المسلمين » منذ تأسيسها في عام 1928م غداة الإعلان عن إنهاء نظام « الخلافة » الإمبراطوري في تركيا ، وإقامة النظام الجمهوري على أنقاضها، بعد هزيمة دولة الخلافة «العثمانية» في الحرب العالمية الأولى.ولئن كان أمير «القاعدة» قد أوضح بدون لبس الأهداف الإستراتيجية والوسائل العملية التي يتبعها تنظيم «القاعدة» الذي يقدم نفسه على أنه حركة جهادية إسلامية، ينقسم العالم في منظورها العقائدي إلى فسطاط للإيمان وآخر للكفر يشهد حربًا دينية عالمية على الإسلام والمسلمين، حيث تنخرط في هذه الحرب ـ بحسب منظور «القاعدة» قوى يهودية وصليبية كافرة بالتعاون مع دول وحكومات مرتدة عن الإسلام، وممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يستلزم توجيه «الجهاد المسلح» صوب الدول الكافرة في عقر دارها من خلال الغزوات المفخخة، إلى جانب استهداف حكومات البلدان العربية والإسلامية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع دول فسطاط الكفر، وتسمح لسفنها وبوارجها بالمرور في الموانئ الإسلامية، ولمواطنيها بزيارة بلدان العالم الإسلامي لغرض التجسس، ونشر الخنا والفجور، واالتبشير بالمسيحية تحت مسمى «السياحة».وإذ يرى أمير «القاعدة» أن الحرب على الكفار ليست خيارًا تكتيكيا ً ، بل هدف إستراتيجي، لأنها كانت لازمة للإسلام منذ ظهوره وانتشاره، وستظل ــ أيضا ــ من أجل أسلمة العالم، بما في ذلك تخليص الشعوب الإسلامية من حكوماتها التي تلتزم بمواثيق دولية تتعارض مع حاكمية الشريعة الإسلامية، فإنه لا يخفي ــ أي أمير القاعدة ــ تكفيره للديمقراطية وأنظمة الحكم وأنماط الحياة التي فرضتها الحضارة «الغربية» على العالم الإسلامي تحت تأثير العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية الدولية.من هذا المنطلق يدعو أمير «القاعدة» إلى تخليص الشعوب الإسلامية من الجاهلية الجديدة، وبناء المجتمع الإسلامي المثالي على غرار نموذج إمارة «طالبان» التي أقامت العدل وطبقت الشريعة الإسلامية واستنهضت فريضة الجهاد ضد فسطاط الكفر ومن والاه من « الحكومات المرتدة و الطوائف الممتنعة » !!وبوسع كل من يطالع تفاصيل المشروع السياسي لأمير تنظيم «القاعدة » الموحد في الجزيرة العربية عبر صحيفة «الناس» ، اكتشاف جذوره الأصلية في الخطاب الديني لشيوخ الحركة الصحوية السعودية التي أفرزت هذا المشروع السياسي، وبلورت منظومته الفكرية وأطره التنظيمية والحركية، وأساليبه الدعوية داخليا وخارجيا، وصولا إلى صياغة مطالب داخلية لتطبيق نموذج أكثر تشددا للشريعة الإسلامية مما هو موجود في السعودية . وأبرز هذه المطالب تحريم الغناء والموسيقى والفنون والرياضة والمصنفات الفنية، وفرض المزيد من القيود على حقوق النساء، وتوسيع نطاق التدخل في خصوصيات الأفراد، وتكفير النظام التعليمي الرسمي والمطالبة باستبداله بشبكة واسعة من المدارس والمعاهد والجامعات الدينية غير الرسمية التي تربي تلاميذها ومنتسبيها بروح التبرؤ من حضارة العصر الحديث وأنماط العيش واللباس «المستوردة من الغرب الكافر»، والولاء لنمط حياة وتفكير «الأسلاف» والتشبه بهم وتطبيق (شريعتهم) كشرط لبناء المجتمع المسلم. كما يمكن ملاحظة ملامح أخرى أكثر وضوحا لهذا الخطاب في كتب المنظر العقائدي لتنظيم «القاعدة» الدكتور أيمن الظواهري، وبالذات «الحصاد المر» و«الولاء والبراء» و«فرسان تحت راية النبي» و«التبرئة» على نحو ما سنأتي إليه في جزء لاحق من هذا المقال.في السياق نفسه يمكن القول إن المحتوى الرئيسي للخطاب الإعلامي الذي تميزت به الحملة المناهضة لفيلم «الرهان الخاسر» يكاد أن يكون مشابها للخطاب الإعلامي الذي تميزت به الحملات المناهضة لفيلمي ( كيف الحال ) و ( مناحي ) السعوديين، ولمختلف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية لمكافحة التطرف والإرهاب بدعم وإسناد واسعين من المجتمع المدني والقوى الجديدة التي أفرزتها حركة النهضة والتنمية في المملكة العربية السعودية الشقيقة.بهذا المعنى يمكن أن نفهم تركيز معظم الكتابات التي تناولت فيلم « الرهان الخاسر» على اتهام هذا الفيلم والمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون التي أنتجته بمحاربة الإسلام، حيث تتساوى الحرب على الإسلام في منظور هذه الكتابات، مع منظور أمير « القاعدة » لهذه الحرب، وما يترتب على ذلك من وجوب الجهاد ضد فسطاط الكفر ومن والاه داخل الكيان الإسلامي، وصولاً إلى إقامة نظام الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية على نحو ما قامت به دولة «طالبان» بوصفها نموذجا يتوجب تطبيقه في أي بقعة من الأراضي الإسلامية التي يتم تحريرها من طواغيت الطوائف الممتنعة والقوانين الوضعية، ثم الانطلاق منها للجهاد ( تحت راية النبي ) من أجل تغيير وأسلمة العالم حتى يكون الدين كله لله.وعندما تكون إمارة «طالبان» نموذجا للمجتمع المسلم الذي يطبق الشريعة الإسلامية الصحيحة كضمان لإلحاق الهزيمة بفسطاط الكفر الذي يشن حربا على الإسلام، فإن فيلم «الرهان الخاسر» يعتبر بمقتضى هذا النموذج جزءا من الحرب على الإسلام، لجهة المشاهد الدرامية التي تـُعلي من شأن الموسيقى والغناء والفنون وعمل المرأة والسياحة والقيم والمصالح المشتركة بين مختلف الأمم والشعوب، بما في ذلك السرد السينمائي الذي يجسد قيم التسامح والمحبة والاحترام والرحمة بوصفها من قيم المجتمع اليمني الذي يهتدي بالإسلام على نحو ما يرمز إليه موقف أحد المواطنين اليمنيين الذي قام بالتسليم على أحد السياح الأجانب في مدينة صنعاء القديمة ، وقيام أحد المتطرفين بنهره وزجره وسحب يده ومنعه من مصافحة ذلك السائح الأجنبي الذي يدعو أمير «القاعدة» الى قتله لأنه ما جاء إلى اليمن ، (إلا للتجسس أو نشر الرذيلة والفجور أو التبشير بالنصرانية ) !!هكذا يتماهى مفهوم محاربة الإسلام عند الحانقين والغاضبين على فيلم «الرهان الخاسر» مع أفكار منظري الإرهاب وأمرائه ، لأنّ رفض نموذج إمارة «طالبان» الذي تسعى إلى تحقيقه الحركة الصحوية الاخوانية و تنظيم «القاعدة» في السعودية واليمن بالعنف أو بالسلم ، يعد بالضرورة محاربة للإسلام من منظور الحركة الصحوية الاخوانية!!قد يرى القارئ الكريم إنني لجأت الى التعميم في تناول الكتابات التي هاجمت فيلم «الرهان الخاسر».. ولربما يكون ذلك صحيحا إلى حد ما بسبب كثرتها وسطحيتها وتشابهها، لكن ذلك لا ينفي الحاجة لتناول بعض الكتابات المتميزة بعيدا عن التعميم، وأهمها مقالتان للأخ عبدالفتاح البتول في صحيفة «الناس» ومقال ثالث للأخ مروان الغفوري في صحيفة «المصدر»، مع احترامي لحق الأخوين عبدالفتاح البتول ومروان الغفوري في التعبير الحر عن آرائهما وأفكارهما ومعتقداتهما الايديولوجية، وقناعتي بوجوب التحلي بأكبر قدر من الموضوعية عند نقد آرائهما وأفكارهما، الأمر الذي يستدعي تأجيل مناقشة آراء وأفكار البتول والغفوري إلى الحلقة القادمة من هذا المقال ، وذلك بهدف تمكين القارئ الكريم من التعرف على المرجعية الفكرية (الفقهية) والمنطلقات السياسية لهذه الآراء والأفكار والمعتقدات الايديولوجية ، وما تنطوي عليه من تشوش تعود جذوره إلى إشكاليات ما تسمى « الحركة الصحوية الجديدة للإسلام السياسي» التي قادها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين غداة هجرة قياداته من مصر إلى السعودية على إثر صدامهم مع ثورة 23 يوليو والزعيم القومي الراحل جمال عبدالناصر، وانخراط الإخوان المسلمين بعد الهجرة في عملية الاستقطابات السياسية والأيديولوجية الاقليمية والدولية لمرحلة الحرب الباردة، ثمّ وصلت ذروتها بالصدام مع المصالح الوطنية العليا للدولة السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وانكشاف الدولة والمجتمع في المملكة العربية السعودية أمام أخطار داخلية وخارجية نجمت عن تلك الأحداث الإرهابية التي شارك فيها (18 شابا سعوديا من أصل 19 انتحاريا)، بالإضافة إلى تزايد الأعمال الإرهابية التي استهدفت زعزعة أمن واستقرار وتماسك المجتمع السعودي، بأدوات أيديولوجية دينية انقلابية أسهم الإخوان المسلمون في صياغتها وتنظيم مخرجاتها الحركية ، انطلاقا من أراضي المملكة العربية السعودية بعد هجرتهم إليها . وهو ما يفسر غضب الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي في تصريح شهير وغير مسبوق أدلى به لصحيفة «السياسة» الكويتية عام 2002م، وصف فيه الإخوان المسلمين بأنّهم ((أصل البلاء والمصائب التي حلت بالعالم العربي والإسلامي )) !!والمعروف أن هجرة الإخوان المسلمين إلى السعودية تمت في مناخ العلاقات المتأزمة بين مصر والسعودية في بداية الستينات من القرن العشرين . وقد تسببت هجرتهم السياسية إلى السعودية في تغيير الفكر الديني السائد ، على خلفية التزاوج بين المنهج التكفيري لأفكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه « الدرر السنية »، وبين المنهج التكفيري لأفكار سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، حيث يمكن اعتبار حصيلة تزاوج الأفكار الواردة في هذين الكتابين ما يمكن أن نسميه تجاوزا « إنجيل الإرهاب »!!الثابت أن الحركة الإخوانية الصحوية في السعودية اتسمت بنزوعها نحو التدين السني الوهابي الحنبلي البدوي ، فيما تكامل معها الصحويون الاخوانيون في اليمن بتبني فقه الامام الشوكاني بعد انحيازه الى المرحلة البدوية الأولى من فقه الامام الشافعي، وهي مرحلة تجاوزها الامام الشافعي نفسه جذريا على أثر سفره الى مصر وإقامته فيها ، حيث استقر المذهب الشافعي في صيغته المصرية المدنية التي أخذ بها أتباع هذا المذهب في مصر و اليمن، قبل ظهور الطبعة اليمنية للحركة الاخوانية الصحوية السعودية في بداية الثمانينات من القرن العشرين . وهي الفترة التي شهدت انتشار صيغة متشددة للتدين السني الذي يهتم بإعلاء شأن المظاهر والقشور الخارجية للسلوك الديني، مثل إعفاء اللحية وحف الشوارب ، وكراهية إسبال الثياب وتكثيف حجاب المرأة . وقد أفرط الصحويون السعوديون واليمنيون في تحريم مس اللحية بعد أن كان جائزا في السابق قص ما يتعدى قبضة الكف، وبالغوا في تحريم إسبال الثياب بعد أن كان في السابق مكروها، وتشددوا في حجاب المرأة بثياب كثيفة ، وزادوا إلى حجابها قطعا إضافية مع وجوب لبس القفازين لإخفاء كفيها ، كما أضافوا صوتها الى قائمة المحرمات ، بعد ان اعتبروا صوت المرأة عورة مغلظة !!وفي سياق التزاوج بين المنهج التكفيري الوهابي والمنهج التكفيري الإخواني القطبي على أراضي المملكة، انبرى رموز الصحويين السعوديين إلى تكفير المخالفين لأفكارهم ، ودعوا إلى ملاحقتهم وإبعادهم من الأقسام الثقافية في الصحف والنوادي الأدبية والرياضية وفروع جمعيات الثقافة والفنون، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من محتوى كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للشيخ عوض القرني، وكتاب (فِرُّوا إلى الله ) للشيخ سفر الحوالي وكتاب (القول المختار في وجوب معاداة الكفار) للشيخ حمود بن عقلا الشعيبي . وقد تعرضت هذه الكتب لنقد صريح من قبل الدكتور غازي القصيبي وزير الكهرباء الأسبق ووزير الخدمة المدنية حاليًا في كتابه الشهير (حتى لا تكون فتنة ) الذي حذر فيه من مخاطر انتشار الفكر التكفيري وثقافة الكراهية، بعد ظهور طبقة الفقهاء السياسيين الذين يزعمون بأنهم ولاة الأمر الأساسيون، بينما الحكام مجرد شركاء لهم، مشيرا إلى أن المجتمع السعودي لم يألف هذه الظواهر قبل ظهور رابطة العالم الإسلامي كمنظمة أممية حركية للمنظمات والجماعات الإسلامية الصحوية التي أفرطت في نزعاتها الرامية إلى إيجاد صدام بين الدولة والمجتمع من خلال التشكيك بشرعية الدولة في المجتمعات الإسلامية ، على نحو ما عبر عنه الشيخ سفر الحوالي في كتاب (كشف الغمة عن علماء الأمة ) بقوله : « لقد ظهر الكفر والإلحاد في صحفنا، وفشا المنكر في نوادينا، ودُعي إلى الخنا والزنا والفجور في إذاعتنا وتلفزيوننا، واستبحنا الربا في مصارفنا، أما التحاكم إلى الشرع، فالحق أنه لم يبق للشريعة عندنا إلا ما يسميه أصحاب الطاغوت الوضعي الأحوال الشخصية وبعض الحدود التي غرضها ضبط الأمن » !!وكان الشيخ عبدالله عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي قد أصدر تصريحا في عام 2004م على أثر تفاقم المواجهات بين الدولة والجماعات الارهابية ودعاة الفكر الضال في السعودية ، طالب فيه الحكومة والأسرة المالكة بأخذ رأي رجال الدين ( يقصد الفقهاء السياسيين ) قبل الدخول في مواجهات مع ( الشباب المتحمس ) بحسب تعبيره ، مشيرا الى ( ان العلماء ــ يقصد رجال الدين ــ هم ولاة الأمر وليس الحكام ) ، ما أدى الى موجة من ردود الفعل الغاضبة ، كان أبرزها تصريح صدر عن الأمير تركي الفيصل عندما كان سفيرا ً لبلاده في لندن ، شدد فيه على ( أن الملك والأسرة المالكة والحكومة ومجلس الشورى ، هم ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية وليس غيرهم ) !!أما العداء للغرب فهو صراع حتمي وفق المنظور الصحوي للشيخ سفر الحوالي في كتابه المشار إليه آنفـا حيث قال : ( فلا حرج ولا تردد في الإجابة القاطعة الواضحة عن سؤال ما هو موقف الإسلاميين من المبادرة العربية للسلام وفكرة حوار الحضارات والتعايش بين الأديــان؟ فهو الرفض الحاسم وليس ذلك عنادا ولا تصلبا، ولكنه موقف عقدي محتوم ) !!من جانبه يقول الشيخ سلمان العودة في كتابه (حيّ على الجهاد) : « لقد أصبح كثير من الناس ولا أقول عامة الناس، بل من دعاة الإسلام ــ مع الأسف في هذا العصرــ يتصورون أننا في دعوتنا الناس جميعا للإسلام ينبغي ألا نسلك إلا طريق نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة السلمية، ولا نحتاج الى رفع راية الجهاد، ولا نحتاج الى حمل السيوف للقتال.. والواقع أن من يقرأ القرآن الكريم لا يحتاج إلى أي كلام ولا بيان ليظهر له بطلان ذلك » !!.بالتزامن مع هذه الآراء التي صدرت في السعودية في مطلع الألفية الثالثة من هذا القرن الميلادي ، أعاد الداعية الإخواني الصحوي الشيخ عبدالله صعتر إنتاجها في اليمن حيث قال لصحيفة « العاصمة » في أكتوبر عام 2002م : (( لا يجوز أن يبقى أحد من البشر خارج الإسلام، ولا يجوز أن يبقى مكان في الأرض لا يحكمه الإسلام.. فالمعركة قائمة لهذا الغرض والصراع مستمر على هذا الأساس.. والله تعالى ما أرسل رسوله (صلى الله عليه وسلم) ليدعو ويبقى في مكانه ، ولكنه قال له ولأتباعه من بعده : «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» أي قاتلوهم ليكون الإسلام هو الحاكم للأرض ومن عليها )) !!.في الاتجاه نفسه لم يخف الشيخ حمود هاشم الذارحي ــ وهو أحد رموز الحركة الصحوية الاخوانية في اليمن ــ ابتهاجه بأحداث 11 سبتمبر 2001م الارهابية ، حيث نشرت صحيفة (العاصمة) التي يصدرها حزب التجمع اليمني للاصلاح، حديثا صحفياً له بمناسبة الذكرى الأولى لتلك الأحداث في عددها الصادر يوم 13 اكتوبر 2002م ،وصف فيه تلك الأحداث التي أدانها العالم بأنها (( تبعث على الأمل كونها اختصرت مسافة كبيرة من الزمن على الحركات والشعوب العربية والاسلامية لإقامة نظام الخلافة على مناهج النبوة )) !!والمثير للتأمل أن الشرائط الصوتية والمحاضرات والفتاوى والآراء التي درج الشيخ عبدالله صعتر وغيره من شيوخ الحركة الإخوانية الصحوية في اليمن على ترديدها ، تكاد أن تكون نسخة يمنية مكررة للخطاب الصحوي الإخواني في السعودية الذي يدعو إلى جهاد الكفر والجاهلية أينما وجدها المجاهدون ، ووجوب منع دخول السياح الكفار إلى البلدان الإسلامية، ومحاربة الثقافة الكفرية التي تتسلل عبر الغناء والموسيقى وأفلام الفيديو والمهرجانات الغنائية ومعارض الصور والفنون التشكيلية والاختلاط في الأسواق والمراكز التجارية.لا ريب في أن كل من يتأمل مضامين وأبعاد الخطاب الصحوي الإخواني في السعودية واليمن بوسعه ملاحظة أنه يدعو الى أن يكون العالم ساحة جهاد بالسلاح ضد الحضارات والأديان والدول الكافرة، ويحرِّض على تحويل البلدان الإسلامية إلى ساحات ساخنة لحروب داخلية ضد الدول والحكومات والمثقفين والفنانين والنساء العاملات والمنشآت السياحية، والمصارف ووسائل الإعلام المقروءة والسمعية والبصرية وكل أدوات الحياة العصرية ، بذريعة ظهور الكفر والإلحاد والمنكرات، بما في ذلك وجوب إعلان الجهاد ضد التوجهات (الكفرية) للدول التي تمتنع عن تطبيق الشريعة ، ولا تقيم الحدود إلا على المجاهدين الذين يواجهون الأعداء الكفار في بلاد المسلمين لأغراض أمن هذه الدول فقط !!ومن نافل القول إن فيلم «الرهان الخاسر» نجح من خلال الاستخدام الإبداعي والتقني الراقي لأسلوب السرد السينمائي المعتمد على المؤثرات السمعية والبصرية ، في تعريف الإرهاب بوصفه عنفـا يتخذ شكل الجريمة المنظمة التي تلحق أضرارا بالوطن والدولة والدين والمجتمع والقيم الإنسانية المشتركة والوحدة الوطنية والأمن والسلم الدوليين. وقد سبق لنا في الحلقة الثانية من هذا المقال الاشارة الى أن فيلم «الرهان الخاسر» استخدم التجريب الفني للمشاهد المركبة ، والسرد السينمائي البنيوي ، في توصيف الجريمة الإرهابية كنتيجة موضوعية لمقدمات فكرية تتسم بالنزوع الى الاقامة الدائمة في الماضي ، والغلو والتطرف والتكفير والإقصاء والأحادية وعدم القبول بالآخر.ويبقى القول إن منظري تنظيم « القاعدة » شأنهم شأن منظري الحركة الإخوانية الصحوية في السعودية واليمن، يتوزعون إلى اتجاهات متنوعة ومتقاطعة عند نقطة مشتركة ، تتمثل برفع راية الشريعة الإسلامية كغطاء لمشروعهم السياسي الرامي الى إقامة نظام الخلافة الذي يسعون إلى تحقيقه بالسلم أو العنف ، والغلو في تعريف الشريعة الإسلامية، انطلاقا من منظور أيديولوجي منغلق وعدواني. وهو ما نجد تجسيدا له في المخرجات الفكرية للحركة الصحوية الجديدة للإسلام السياسي الإخواني في الجمهورية اليمنية والمملكة السعودية اللتين تخوضان منذ بدايات الألفية الثالثة الميلادية مواجهة سياسية وأمنية وفكرية وثقافية مع الإرهاب بوصفه نتاجا لأفكار ضالة وملتبسة بالدين، ما يدفعنا إلى التحذير من أن يتحول الهجوم على فيلم « الرهان الخاسر» اليمني ، الى مرافعة (صحوية) خاسرة للدفاع عن الإرهاب، لا تختلف في مضمونها وأساليبها عن الهجمات التي تعرض لها فيلما (مناحي) و( كيف الحال ) السعوديان ، والحملات التي شنها الصحويون السعوديون ضد الأعمال الدرامية والسينمائية والفعاليات الثقافية والكتابات الصحفية في المملكة، بما في ذلك الهجمات الإرهابية التي طالت أجهزة الدولة والأحياء السكنية في السعودية.. حيث شاركت في جميع تلك الهجمات ، كتائب جهادية صحوية تمارس الدعوة باللسان والبيان ، وأخرى تتبنى الدعوة بالسلاح والسنان ، وثالثة بالاثنين معا ً.. وهو ما سنوضحه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.[c1]--------------------------------* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]