اتهمهم المتشدّدون بإفساد عقائد الطلاب ونشر الأفكار الكافرة
الرياض / متابعات:طالب عدد من المعلمين وخبراء التعليم في السعودية بمناقشة ملف التطرف في المدارس والمناهج ضمن محاور الحوار الوطني القادم، ولاسيما أن هناك بعض المعلمين السعوديين الذين طالتهم أضرار جدية من المتطرفين وتناولت قصصهم وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، ومن أولئك المعلمين، المعلم (م.س.ح) الذي عانى بحسب استطلاع نشرته صحيفة (( الوطن )) السعودية تجربة مريرة مع بعض زملائه من الذين يدعون إلى الأفكارالمتطرفة.ويصف ذلك المعلم قصته قائلا: "عانيت كثيراً من هذا الخطر بحكم عملي كرائد للنشاط بالمدرسة التي أعمل بها حيث حملت على عاتقي مهمة توعية الطلاب بخطر الإرهاب وبيان أفكار الفئة الضالة، وقد عملت جاهداً على التحذير من خطر الغلو في الدين والتطرف والإرهاب من خلال الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية وحصص النشاط ودروس التربية الوطنية، وهذا أثار بعض المعلمين المتشددين فبدأوا يؤلبون الطلاب وأولياء الأمور ضدي ويكيدون لي المكائد".ونقلت (( الوطن )) عن معلم سعودي آخر في احدى المدارس طلب منها عدم ذكر اسمه قوله ان " بعض المتطرفين صدرت منهم أشياء لا يمكن تصديقها، منها تسمية مادة التربية الوطنية بـ (الوثنية)، ومنها الإشادة بمطلوبين أمنياً " مشيرا الى انهم استمالوا مجموعة من الطلاب وصاروا يذهبون بهم إلى الاستراحات. واضاف المدرس قائلا ً : (( ولأني وقفت في وجوههم فقد وقفوا ضدي بكل ما يستطيعون ودفعوا عدداً من الطلبة ضدي واتهموني بموالاة الكفار والاستهزاء بالدين والدعوة إلى تحرير المرأة والثناء على أمريكا وتعلم السحر وقراءة الإنجيل وغيرها من الاتهامات )).ووأوضح المعلم حديثه لصحيفة "الوطن" السعودية ان المتطرفين " أقنعوا الطلاب بجواز ذلك ليتخلصوا مني عن طريق المحكمة التي أصدرت حكماً ضدي بالسجن والجلد ولم ينقذني إلا خادم الحرمين الشريفين بعد ما علم بقصتي وأصدر، يحفظه الله، أمره بإبطال الحكم".أما المعلم (م،س ) الذي أوصلته عداوة المتشددين من زملائه له إلى السجن، حيث وقف ضده مُدرّس متشدد يشرف على النشاط، وجماعة التوعية الإسلامية في المدرسة فيقول :) " كنت أحضّر الماجستير، في اللغة العربية وبلغ بعض المعلمين المتشددين أنّ رسالتي كانت عن طه حسين الذي يعتبره بعضهم كافراً، والمشرف الأكاديمي على الرسالة هو الدكتورعبدالله الغذامي الذي يكفّره بعض المتشددين أيضاً. وكانت هاتان المعلومتان كافيتين لرسم صورة سلبية عني.ويردف (م، س): " لذا كنت تحت المراقبة في كل تصرفاتي وأقوالي بهدف التثبّت من "عقيدتي"، وهي طريقة متّبعة لدى المدرسين المتشددين في معظم مدارس الرياض وتُمارس ضد أي معلم جديد. ومن خلال المراقبة تم تكليف طلاب في الفصول التي أدرسها لكي ينقلوا كل ما أقوله لهم في الصف. وقام المدرس المتشدد باستدعاء بعض أولياء الأمور المتدينين! وأبلغهم بأني أبيح للطلاب الزنا واللواط، والعياذ بالله، وغيرها من المزاعم التي لا يصدقها العقل ".وقد صُعق أولياء الأمور - والكلام مازال لـ (م،س)- الذين لم يسألوا المدرس المتشدد عن تسلسل الموضوع ولكنهم صدقوه باعتباره ثقة ومشرفاً على النشاط الديني، وفي نفس الوقت هو إمام جامع دون أن يعرفوا خفايا الموضوع، خاصة أن كل هذه التهم هي مجرد استنتاجات من المدرس المتشدد دون تثبت. وللأسف رفع أولياء الأمور المشكلة إلى السلطات. وتم تكوين لجنة عاجلة للتحقيق لمعاقبتي على "إفساد الطلاب وإخراجهم من الدين"، ثم تلا ذلك أمر باعتقالي من مدرستي وسجني وكفّ يدي عن العمل لولا عفو خادم الحرمين حفظه الله بعد ما أمضيت أكثر من عام في السجن.ولا تختلف قصة المعلم عبدالله أحمد الصميلي الذي حمل على عاتقه مسؤولية وطنية وهو يدرس في قريته الصغيرة "ديحمة" في ثانوية ومتوسطة هذه القرية، حيث يسرد معاناته قائلا: كدت أنجرف وراء أفكار وتيار فئة التكفير نظرا لسلطتهم واستغلالهم جميع المنابر التعليمية والدعوية وتوجيهها لخدمة أهدافهم وبث الفرقة. ولقد كشفت تلك المؤامرات في البرنامج التلفزيوني الشهير "مع الأحداث" وبينت كيف يستغل المعلمون المتشددون الآيات والأحاديث لتوجيهها بما يؤثر في توجهات الطلاب وانتماءاتهم وهو ما دفعني لتقديم جهود مضاعفة لبث الفكر المعتدل والاتصال باستمرار بالمشايخ المعتدلين، وهذا أغضب عدداً من المتشددين فنالني منهم كثير من الأذى".أما المشرف التربوي فالح الجهني فيروي قصته مع دعاة التطرف، منطلقاً من مشاهد لافتة شاهدها في مصليات بعض المدارس، "حيث تفاجئك صورة كبيرة فيها قبور متعددة، قبر محفور، وآخر توضع فيه جنازة ويكب فيه التراب على ميت.. وحين شاهدتها قلت في نفسي يا إلهي ما هذا؟ أيعرض مثل هذه الصور على أطفال صغار ذوي نفسيات هشة، في حين يعتبر بعض المعلمين التصفيق المدرسي من كبائر الذنوب، والسلام الوطني وتعليق صور ولاة الأمر في المدارس محرماً؟".ويؤكد المعلم عبدالله المطيري أنه عايش أجواء التشدد سنين طويلة، ويقول: "في مجال عملي كمعلم في الثانوية أتذكر مرارة تلك الأجواء المليئة بالمؤامرات غير النزيهة التي تعمل بكل حرص للطعن في الظهر". ويضيف: بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت في الرياض شعرت بأن موقف كل معلم هو أن يقوم بما يستطيعه لمحاربة هذا الفكر المتطرف. وهناك قاعدة قد تكون مستمرة هي "أنه كل ما زاد نشاطك ضد محاربة التطرف في مدارسنا تعرضت لحرب شعواء". بتهم معلبة تفتح في وجه كل من له جهد من هذا القبيل، من ضمنها تُهمُ "الاستهزاء بالدين، إفساد عقائد الطلاب" وغيرها.في هذه المواجهة طلب المطيري من بعض الطلاب إعداد مجلة مدرسية تهتم بإبراز قدرات الطلاب في شتى قضاياهم التي يهتمون بها فمنهم من كتب القصة، والمقالة، ومنهم من رسم لوحة للمجلة، وكانت المجلة في أغلبها جهد الطلاب ونتاجهم مع أقل مستوى من التدخل من غيرهم. كان بها باب عن الإرهاب، ومقالات، ومشاركات للطلاب عبّروا عن وجهات نظرهم بكل صراحة، ولكن النار انفتحت عليهم من بعض معلميهم الذين كان يفترض بهم دعمهم في أول إنتاج يخرجونه للناس وأول محاولة للكلام بصراحة، بحسب كلام المطيري.ويعلق المستشار القضائي الشيخ عبد المحسن العبيكان على مثل هذه الحالات قائلا: للأسف الشديد الجهات التربوية لم تقم بواجبها المنوط بها على الوجه الأكمل، هناك تقصير كبير في الجامعات والمدارس عموما، فنسمع للأسف أن هناك من يقوم بالتدريس في المدارس، وإلقاء المحاضرات في الجامعات، وهو يغذي الفكر التكفيري ويستغل خلوه بالطلبة التي هي في الحقيقة خلوة رسمية وتحت مظلة الدولة فأتي له بشباب وجمعوا له رغم أنوفهم في الجامعة أو المدرسة لأجل أن يلقي عليهم المنهج، ولكنه استغل هذا لنشر الفكر التكفيري ولا يزال يقوم بعضهم بهذا العمل وللأسف الرقابة ضعيفة جدا وهذا ما نخشاه في المستقبل.وأضاف الشيخ عبد المحسن في حديثه للزميل فهد العيلي: أقول للأساتذة والمدرسين ولكل العاملين في مجال التربية اتقوا الله في المسلمين عموما واتقوا الله في هؤلاء الشباب خصوصا، لأن هؤلاء الشباب سوف يخرجون للمجتمع، فإذا خرجوا بهذه الأفكار ترعرع فكر الخوارج وفكر التكفير وفكر الانحراف وحصلت الفتن وأصبح الناس جميعا في فوضى لا يعلم مداها أحد، فليتقوا الله عز وجل، والواجب أن يتحملوا المسؤولية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ولاشك أن هؤلاء رعية، فعلى المدرس وعلى الأستاذ الجامعي أن يتقي الله عز وجل، ويحرص على توجيه هؤلاء الشباب بما ينفعهم في دينهم ودنياهم وأن يخرجوا إلى المجتمع شبابا صالحين يهتمون بإصلاح وبناء هذا المجتمع الإسلامي والتعاون والتعاضد فيما بينهم. ونقول للشباب إنهم لا ينبغي أن يسمعوا من كل أستاذ، بل عليهم أن يرجعوا إلى كبار العلماء الراسخين.أما نائب وزير التربية والتعليم الدكتور سعيد المليص فيقول: نعول كثيراً على تفعيل ونشر ثقافة الحوار لنبذ ثقافة التطرف، وطلابنا ومعلمونا يشاركون بفاعلية وحماس في كل فئات المجتمع في محاربة هذه الآفة، من خلال العديد من الفعاليات والأنشطة، وقد أثبت الشباب السعودي ولله الحمد أنهم على درجة عالية من الوعي بقيمة الوطن وتعاملهم والتفافهم حول قضاياهم المصيرية والتعبير عن مواقفهم بوضوح والتمسك بتعاليم دينهم العظيم والولاء والطاعة لولاة الأمر، ولدى الوزارة عدد من المناشط المهمة لنشر ثقافة الحوار، وقبول مبدأ الاختلاف ومن ذلك مشروع الحوار في المدارس الذي بدأت الوزارة في تطبيقه العام الماضي بمشاركة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ويشارك فيه الطلاب وهو يعد مشروعا عمليا للتدريب على نشر ثقافة الحوار في المجتمع وتعليم الأبناء معنى التسامح، وتقبل الرأي والرأي الآخر وتقدير قيمة الاختلاف والتعامل بواقعية مع الأحداث والمستجدات، وأقيمت من خلاله عشرات اللقاءات مع أمراء مناطق ووزراء وشخصيات في الدولة وغيرهم.ويضيف المليص: كما حرصت الوزارة على تطبيق مشروع حوار المعلمين عبر مجالس مستمرة تعبر عن ثقة الوزارة في معلميها وهذه المجالس لها خطط وآليات عامة تأمل الوزارة من خلالها أن تحقق الكثير من الإيجابيات مما ينعكس مباشرة على الطلبة والاقتداء الحسن بمعلميهم.ومن جهته لا ينفي وزير التربية عبد الله بن عبد المحسن العبيد وجود تقصير في وزارته بشأن تلك المسألة، ولكنه يرفض أن تتهم وزارة بأكملها وتُحمّل وحدها تبعات هذه القضية الخطيرة، ويتابع قائلا، "في الوزارة ما يقرب من 5 ملايين طالب وطالبة ويعمل بها أكثر من 500 ألف إنسان ما بين مسؤول وموظف ومعلم ومعلمة، وهم يمثلون ربع سكان المملكة، فهل كل هؤلاء مسؤولون عن التطرف؟! إن ما تعيشه المملكة حاليا من نماء وتطور الفضل فيه بعد الله تعالى إلى جهود المعلمين والمعلمات الذين تخرجت على أيديهم الأجيال المنتجة الفاعلة المتمسكة بتعاليم الدين الإسلامي الصحيح والمحبة لوطنها والمخلصة لقيادتها. ويرى العبيد أن تلك "الأفكار الضالة والمنحرفة تأخذ عادة طابع السرية والخفاء، ولا يمكن أن تعرف الوزارة أحدا ينشر هذا الفكر المنحرف وتدافع عنه أو تتركه طليقا.. نبرأ إلى الله تعالى من ذلك؛ فنحن مؤتمنون على فلذات الأكباد، وندرك حجم المسؤولية، ووجدنا كل الدعم من الدولة، والوزارة تبذل جهودا كبيرة حاليا لنشر وتعزيز قيم التسامح والحوار وغرس حب الوطن في نفوس الناشئة من خلال العديد من الأنشطة المدرسية، وقد شاركت الوزارة في تنفيذ الحملة الوطنية للتضامن ضد الإرهاب بملايين الأنشطة التربوية المدروسة بعناية، وكل ما أرجوه أن نكون جميعا يدا واحدة لمواجهة الأخطار بدلا من تقاذف التهم، وأعود لأكرر بأننا جميعا في خندق واحد ولسنا فريقين متضادين يرمي كل واحد الآخر".