قصة قصيرة
سحر صقران لا تزال عيون الليل تطل من مصابيح الشوارع ، تنافس نور الشمس الخافتة قبل أن تنهمر دفئاً ونهاراً طويلاً، تثاءب الورد فاتحاً فمه يبتسم ، ويبتسم القلب فطرة حين يرى السماء تغتسل قبل أن يستيقظ البشر.. وتنشر مسائلهم في عروق الأرض والطرقات. يصيح شيء طويل في يدي كلما قسوت في ضغطي على صدره الأحمر الصغير، لا ادري إن كان يتألم أم يشتكي، لكنني بارع في هذا فلا القي له بالا إلا انه يصيح على وقع حركة رجلي وصوتي الثائر. في اللحظات المائلة التي تنسكب فيها أشعة الشمس رويدا رويدا.. يميل الصبح فيها إلى الفجر والليل، ولا يكاد التائه يميز الشروق عن الغروب إن لبدت الغيوم صفاء الفيروز الفسيح. انطلق تحت اللقاء السماوي المهيب أراقب كيف يتصافح الليل والنهار.. والشمس والقمر يتلاقيان .. فيتشاطران السماء شرقا وغرباً وفي طلق السماء يتبختران . أسرع بعجلتي المطاطيتين في التفافات الطرق والأرصفة ككرة ثلج تجري على بساط حار فيتحد الإسفلت بالمطاط بحركاتي والسكنات ، انطلق عليه مسرعا كنبضات الحياة .. كالتيار. وصلت المكان وقد سبقتني إلى هناك بعض الدقائق كبعض الأحيان فلم أبع سوى واحدة أو اثنتين ثم ذهبت إلى كل الأمكنة فإذا ما فاض الطلاب إلى مدارسهم انغمست في شرايين الزحام، أصب على كل واحدة قطرة مرحة. عندما أمعنت الشمس النظر في منتصف السماء ، احتدت الطباع واحتشدت السيارات في الطرق الواسعة ،أشار لي رجل وأنا على عجلتي وطلب مني أن أعطي للرجل الذي يجلس في الخلف واحدة .ضغط على زر يقبع أسفل يده فتراجع زجاج معتم إلى الأسفل ، رغم ذلك كان ما يزال عالياً ،فانفجرت البرودة من الداخل وابتسامة على وجه رجل يتكئ على تلة من الثقة ، اكبر من الثقة التي يظهرون بها على شاشات التلفاز ، مد يده وأخذها مني ثم وضع نقوداً كثيرة باليد الآخرة وعاود بعد ذلك الزجاج المعتم الارتفاع من جديد حتى اختفى الرجل تماما خلفه.مساءً وعلى المقاعد الخضراء جلس العجائز والكبار يلعب حولهم الأطفال والكرات ،تقفز بينهم الضحكات كالبلي في كل مكان ،يترامى نفير بوقي إلى الآذان فيلتفتون ويقبلون. احد الأطفال ركن وحيداً إلى كرسي يبكي ليشتري له والده ابتسامة مني ، لا اذكر أن أبي اشترى لي مرة منها قبل أن يبتلعه الفوات، علمني أن أبيعها مدعيا أنها ألذ الأطعمة إلي، وان لا يفتر فمي عن الابتسام. اعترف انه علمني وسيلة ناجحة لكنها لم تغرني أو تستهوني مفاتنها كبقية الأطفال ، لقد عنت لي كلمة أراها تنطبق علي إلى كل حد . اشترى له والده واحدة وسارا معا على عشب الحديقة المبلل بقطرات المطر التي بللت حتى الهواء فتوهجت مثلجاتي في الأيدي كالمصابيح، ومثلها أطلت أضواء الليل المنسكب ببطء نظر الشارد، وانسدلت ستائره أمام عيني وعلى إسفلت الشوارع وقفت أعمدتها تدلني على طريق العودة الطويل ورذاذ المطر يتقاطر على وجهي كالعرق البارد ، اقبل النسيم على خدّي يقبلني .. كقبلات والدي ، وإذ أغمض عيني لأراه يبتسم تحت جفني ، اندفعت نحوي كتلة سوداء مبهمة الشكل تزمجر هائلة ، فاصطدمت بها صدمة لها صوت مدو وإضاءة ساطعة تخطف البصر.. في تلك اللحظة السابقة وجدته.. خلف الفوات الأخير ... يبتسم كما الفته .[c1]شتاء 2009[/c]