من يرصد وقائع وأحداث العالم بدقة وعمق وبتأمل كبير في تفاصيلها وخطوطها العريضة لا يجد صعوبة كبيرة في استخلاص واستنتاج مغزى ومعنى هذه الأحداث والوقائع في دوافعها وخلفياتها وأبعادها، وهي بمجملها تجسد نوازع الاستبعاد والاستبداد والاستغلال والاحتكار، وبالتالي نزعات الاستعلاء والسيطرة والهيمنة والطغيان على مقدرات وحقوق الغالبية العظمى من شعوب الأرض من قبل حفنة من اللصوص ومصاصي عروق ودماء وأعمار الناس.وهي حالة نشأت مع ظهور الدولة القمعية في مرحلة الإقطاع الاقتصادي والسياسي، ومن ثم الرأسمالي المتوحش الذي لازال سائداً في عالمنا المعاصر، مهما اختلفت الإدعاءات والتبريرات الوهمية وفي تزييف وعي الناس وتوجهاتهم الحياتية ينعكس هذا الأمر في واقع العلاقات بين الدول صغيرها وكبيرها، وفي المؤسسات الصغيرة والكبيرة، ولن يتغير هذا العالم ويصبح عادلاً إلا بتغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة بجعلها أنظمة اجتماعية أكثر عدلاً ومساواه.ولن يتأتى ذلك إلا بإحداث ثورة عامة وشاملة في وعي الأجيال تضع حداً نهائياً لمآسي البشرية المتكررة عبر عقود قرون من زمن مضى، لتستعيد الشعوب حريتها وكرامتها وسيادتها على مقدراتها، وتضع حداً للحروب المدمرة ونهب ثروات الشعوب، وهذا وحده ما يستحق التضحية مرة واحدة وإلى الأبد، وبدون ذلك ستبقى الأماني والطموحات والأحلام كلها مؤجلة ومرحلة من جيل لآخر، وستظل الأفكار عقيمة إن لم ننتج فعلاً تعبيرياً حقيقياً في واقع عالمناالمعاصر، وسيظل الجميع يدور في دوامة الأوهام التي تسومها أجهزة الإعلام والصحافة بصورة يومية وبشكل مموج وباهت.إن ما يعيق هذه التحولات المطلوبة والملحة هو السلوك الانتهازي والعمقي الرخيص والوصولية والمزايدة عند بعض الفئات والشرائح الاجتماعية، وكذا بعض مظاهر البلطجة السياسية التي تطفو على السطح من وقت لآخر، والسلبية الاجتماعية عند بعض الفئات المقهورة والواقعة قرب الجهل والمرض والفقر والبطالة والتشرد، وهذا أمر يستدعي التحرر من الخوف والجبن الموروث من العهود الماضية، والاستعداد من قبل كل الشعوب الحية في الدخول في مواجهة عالمية للفساد والظلم وعدم العدل، ليتحقق نظام عالمي جديد بديل للنظام القائم ليستعيد الإنسان إنسانيته وحقوقه وحريته.
عـالـم متـغيـر
أخبار متعلقة