الجماعة المرجعية هي الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، وتكون ذات تأثير على قراراته وتصرفاته، وعلى سلوكه بصورة عامة، إذ أنّ سلوك الفرد وتصرفاته يتأثران بشكل كبير بالجماعات المرجعية التي ينتمي إليها، أو التي يطمح في الانتماء إليها.ويرجع سبب ذلك إلى أنّ العَلاقة بين أعضاء الجماعة المرجعية تكون عَلاقة مستمرة ودائمة في أغلب الحالات، وقد يكون بين أعضائها فرد أو أكثر ذو تأثير على غيره، فيقوم بترشيد سلوك الجماعة بحيث يكون سلوكهم متناسقاً، وتصرفاتهم منسجمة، تتماشى مع المعايير الرسمية وغير الرسمية للجماعة التي ينتمون إليها.ومما لاشك فيه أنّ الفرد يخضع في سلوكه وتصرفاته خضوعاً تاماً ومطلقاً للجماعة المرجعية التي ينتمي إليها، فهو يتأثر بالجماعة أو يؤثر فيها، وفقاً لما يتمتع به من نفوذ داخلها، ودرجة اعتماده على الآخرين في إشباع حاجاته ورغباته، أو بمدى اعتماد الآخرين عليه في إشباع حاجاتهم ورغباتهم، أي أنّ تأثير الجماعة المرجعية يزداد أو يضعف وفقاً للحالات أو المواقف التي يجابهها كل فردٍ منهم.ومن أجل ذلك تلجأ بعض القوى السياسية أو الاقتصادية لاختراق الجماعات المرجعية والتأثير على أفرادها، أما لاجتذابها لخطها السياسي، كما تفعل صحف الأحزاب، أو لاجتذابها لشراء السلعة التي تنتجها أو تتولى تصريفها، كما تفعل الإعلانات التجارية.وكلما كانت معلومات الأفراد عن الحياة السياسية في البلد محدودة، أو مضللة، وخبرتهم وتجارِبهم قليلة؛ فإنّه في هذه الحالة يبرز دور الجماعة المرجعية خصوصاً إذا كانت صغيرة، ويزداد تأثيرها على سلوك أفرادها، إذا كانت معزولة عن الحياة العامة، ومحرومة من الخدمات الضرورية؛ فإنّها في هذه الحالة تتخذ موقفاً رافضاً لمحيطها، أو تسلك سلوكاً معادياً لمجتمعها.وتستطيع القوى المعادية للنظام السياسي في هذا البلد أو ذاك أن تخترق صفوف الجماعات المرجعية بإعطائها معلومات مضللة، وتزويدها بأخبار زائفة، وأفكار مغلوطة للتأثير في وعيها واجتذابها إلى صفها المعادي للنظام السياسي القائم، ودفعها لمقاومته بشتى الوسائل، وقد تدفعها في بعض الحالات لاستخدام العنف أو الإرهاب لتحقيق غايات جماعتها غير المشروعة.وليس غريباً أن تلجأ القوى المعادية لليمن إلى الجماعات المرجعية كجماعة الحوثي، والتأثير فيها لدفعها لاتخاذ مواقف معادية للنظام السياسي القائم، في ظل غياب الدولة في بعض المناطق النائية بمحافظة صعدة، أو عجزها عن توفير الخدمات الضرورية الأساسية، أو فشلها في حل قضايا الناس وتلبية حاجاتهم الأساسية، أو تساهلها في حسم المسائل المعلقة وجعلها تتراكم حتى تفاقمت، وصارت تحدث فتنة.والجماعات المرجعية موجودة في كل زمان ومكان، وهي أشكال وألوان، وتختلف باختلاف أحجامها وأهدافها، وتتشكل عادةً بمقتضى الحالات والظروف التي تستدعي تشكيلها. ومن تلك الجماعات المرجعية ما تتكون في أول أمرها من عددٍ قليلٍ من الأفراد، وهم الذين تربطهم ببعضهم صلات وثيقة، كالصلات التي تنشأ بين أفراد القبيلة الواحدة، والتي يتبادل أفرادها فيما بينهم المصالح بصورة مباشرة أو غير مباشرة.وهناك من الجماعات المرجعية ما تتصف بكثرة أعداد أفرادها وهو ما يجعل العَلاقات بين أفرادها غير مباشرة، الأمر الذي يؤدي على قلة تأثير الأعضاء مع بعضهم البعض، وفيها يضعف تأثير الجماعة على سلوكيات وتصرفات أعضائها؛ إلا إذا خضعت لنوعٍ من التوعية المكثفة، أو الإعلان الموجه، بحسب مقتضيات الحاجة والظروف، أو الأهداف، ومن أمثلة هذا النوع من الجماعات النوادي والجمعيات والأحزاب السياسية، وهي التي يجب أن تحظى باهتمام الدولة في عملية التوعية حفاظاً على الوحدة الوطنية، واجتناب الفتن.ويصعب التمييز بين الجماعات المرجعية من حيث الحجم والتأثير في أعضائها، فالجماعات الصغيرة – عادة – يعرف بعضهم بعضاً، ويدرك كل واحدٍ منهم نشاط وسلوكيات وتصرفات بعضهم بعضا، وتمثل العائلة في بلادنا الجماعات المرجعية الصغيرة المتلاحمة، في حين تمثل العشيرة والقبيلة الجماعات المرجعية الكبيرة المتناسقة، أما النوادي والجمعيات والأحزاب فإنّها تمثل المرجعيات الأكبر حجماً، لكن الأقل تناسقاً وتلاحماً في المجتمعات المتخلفة لمجتمعنا اليمني.وليس بالضرورة أن يتفق الأفراد مع معايير وأفكار وقيم الجماعات المرجعية التي ينتمون إليها، وربما كان هذا هو سبب عزوف بعض الناس عن الانضمام إلى جماعة معينة أو رفضهم لأفكارها، وعدم التعاطي مع أطروحاتها، وربما كان ذلك ايضاً سبباً في وجود جماعات مرجعية لها تأثير مضاد على الأفراد الذين ينتمون إليها، عند قيامهم بتصرفات أو سلوكيات معاكسة لما توصي به الجماعة، كما في حالة إيقاف صحيفة أو منع كتاب أو إيقاف مظاهرة، أو حظر مقالة.. أو نحو ذلك، ففي ذلك تصديق لمقولات مشهورة (كل ممنوع مرغوب) و(الإنسان حريص على ما منع منه) وقول الشاعر :[c1]رأيت النفس تكره ما لديها وتطلب كل ممتنع عليها[/c]وقد ينتمي الفرد إلى جماعتين مرجعيتين أو أكثر في وقتٍ واحد، وبالتالي تأثره بقيم وسلوك كل واحدةٍ منها – فعلى سبيل المثال – قد تمثل القبيلة جماعة مرجعية لأحد أفرادها، عند اختياره أسلوباً معينّا في التعامل مع قضية من قضايا الوطن، في حين يمثل الحزب الذي ينتمي إليه جماعة مرجعية أخرى للفرد نفسه، في اختيار الموقف الذي عليه أن يسلكه، فيقع الفرد في تناقضٍ بين انتمائه للقبيلة وانتمائه للحزب، وولائه للوطن.
|
آراء حرة
الجماعة المرجعية
أخبار متعلقة