وسط ركام الفوضى الشاملة في المشهد الدموي العراقي ضمن إطار الحرب الأهلية و الطائفية المستعرة بوتائر متصاعدة و مرعبة دخل على الخط المتشابك صراع جديد ضمن إطار البيت الشيعي تمثل في إعادة الجدل القديم / الجديد حول التيارات المتصارعة داخل ذلك البيت الذي بات يشهد حالة إحتقان حقيقية مع تصاعد حدة الشعارات و الشعارات المضادة و التي تشابكت خلالها كل الخطوط لنشهد اليوم إنقساما حقيقيا ضمن إطار الطائفة الواحدة وهي حالة ليست جديدة بقدر ما هي تعبير حقيقي عن حال الأزمة الداخلية بين مكونات المجتمع العراقي، ففي الآونة الأخيرة برزت بعض الكتابات المهاجمة بعنف ضد الشيخ فاضل المالكي أحد الخطباء المعروفين في المنبر الحسيني و هو مثير للجدل منذ أكثر من عقدين أتيح لي شخصيا أن اشهد قبل 21 عاما و في مدينة (قم) الإيرانية إحدى معاركه الكلامية و الخطابية ضد التيارات الفارسية وفي عقر دارهم و معقلهم؟ قبل أكثر من عقدين وتحديدا في عام 1985 كانت الحرب العراقية / الإيرانية في أوج إشتعالها وكانت الأوضاع في جبهات الحرب اوضاعا إستنزافية مكلفة الثمن ماديا وروحيا وبشريا بعد إنكسار حدة الهجمات الإيرانية الكبرى التي بدأت منذ خريف 1981 بكسر حصار عبادان و توجت بإسترجاع المحمرة في ربيع 1982 و التي سبقها تدمير القوات العراقية في قاطع الشوش/ ديزفول، لتنتقل الحرب للعمق العراقي إعتبارا من ليلة 14 تموز/ يوليو 1982 فيما عرف وقتها بعمليات (شرق البصرة الأولى)..؟ وفي المرحلة التي نحن بصددها نشطت صفحة تدميرية عبثية أخرى كانت تسمى ب (حرب المدن)!؟ وحيث كانت صواريخ الموت تتهاطل على التجمعات السكانية في الجانبين لتحصد الأبرياء العزل وكانت الطائرات العراقية تقصف العاصمة الإيرانية طهران كل ليلة لدرجة أن الإيرانيين وعند حلول الظلام كانوا يتندرون فيما بينهم ويقولون : (صدام آمد)؟ أي جاء صدام!!، من جانب آخر كان الوجود الشعبي العراقي يتعاظم في إيران مثيرا بطبائع الأمور مشاكلا عدة، ولكن الجانب المثير للإنتباه كان تبلور المشاعر الوطنية والروح القومية الإيرانية ضد ذلك الوجود، وهي مسألة حاولت الأحزاب الإسلامية العراقية المرتبطة بالجانب الإيراني الإلتفاف عليها و التقليل من شأنها، إلا أن تجاهلها لم يكن ممكنا بطبيعة الحال، بعد أن عبيء ذلك الشعور الوطني الإيراني وتداخل مع شعارات دينية ومذهبية تمثل الحصيلة الآيديولوجية للنظام الإيراني و لا تخلو من غمز ولمز وتلميح لدرجة التوضيح ضد شيعة العراق أي الشيعة العرب ؟ وأتذكر جيدا أنه في شهر محرم (عاشوراء) لعام 1985 إنتشر في الشارع الإيراني شعار زاعق يقول بالنص :(ما أهل كوفة نيستيم إمام تنها ممانيد...) أي ما معناه بالنص أيضا:(إننا لسنا أهل الكوفة ولن نترك الإمام وحيدا ولو هلكت الأمة)!!في إشارة واضحة لغدر زعامات أهل الكوفة بالإمام الحسين بن علي و أهل بيته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في كربلاء عام 60 هجرية!! و القصد النهائي من ذلك هو سحب ذلك الموقف التاريخي على عراقيي الزمن الحالي؟ وسرعان ما تم التفاعل العراقي مع ذلك الشعار وترجم عن نفسه من خلال توتر المواقف الخطابية في بعض المنابر الحسينية المعروفة في مدينة (قم) الإيرانية التي كانت تمثل عصب التواجد الشعبي العراقي من مهجرين ومهاجرين و طلاب حوزويين و عمال و كسبة و حرفيين فخطيب (الحسينية النجفية) العلامة الشيخ فاضل المالكي رفض هذا الشعار علانية وجهارا بل ونبذه وأثبت فساده التاريخي مؤكدا على أن الجيش الأموي الذي قام بجريمة قتل سيد الشهداء وأهل بيته كان يضم أكثر من أربعة آلاف مقاتل فارسي ولغوا في دماء الإمام الشهيد وإن إلقاء المسؤولية على الشيعة العرب في قتله هي تهمة باطلة!! فيما كان موقف الحسينية الكربلائية ممثلا بالسيد (جابر آغائي) مؤيدا للطروحات الإيرانية معتبرا أن تخاذل أهل الكوفة و جبنهم كان السبب الرئيسي في مصرع الإمام الحسين؟ وبطبيعة الحال كان إختلاف المواقف يعكس رؤية آيديولوجية واضحة، وأتذكر أيضا أنه خلال قراءة المقتل الحسيني يوم العاشر من محرم وصلت للشيخ فاضل المالكي قصاصة ورق أعلن فحواها على جمهور الحاضرين كانت تتضمن إتهاما للشيخ بالروح القومية العربية!! وإنفجر الموقف وأحتدم النقاش الذي كان و لازال يعبر عن طبيعة المخبوء في نفوس الجانبين وسرعان ما مرت الأزمة ولكنها تركت ذكريات لن تنسى تعود اليوم بعض إشكالياتها في ظل ما يقال عن صراع عربي عراقي / فارسي للهيمنة على شؤون المرجعية الشيعية ويتردد إسم الشيخ الدكتور وآية الله فاضل المالكي نفسه بين جنباتها وقد قرأت للأسف تهجم فاضح ومعيب ضد الشيخ المالكي وآرائه وهي ممارسة لا تجوز في ظل حرية الإجتهاد و البحث و الرأي الذي تميز به الفكر الفقهي الشيعي عبر التاريخ، و ما يدور حاليا من صراع للإرادات في العراق كانت له جذور و متبنيات فكرية سابقة ولكن الوضع العراقي المريض حاليا قد رسم مواقفا متطرفة ومعيبة تساهم في التعويق وليس في البناء، وصراع العمائم العراقية هي من الأمور المعروفة و المفهومة لأنها تعبر عن توجهات مراحل مستقبلية كاملة وهي جزء حيوي من مرحلة البناء المستقبلي العراقي و الشيخ فاضل المالكي لا يعبر أو يهدف لزعامة شخصية بقدر ما يصبو للتعبير عن توجهات لها وجودها الميداني في الساحة الشيعية في العراق وهي ساحة عراقية يتصارع حولها الأضداد، فمن يضمن ولاء شيعة العراق سيكون له القدح المعلى في تقرير مصير البلد بأسره خصوصا وأن الروح المتسامحة لشيعة العراق كانت على الدوام هي الإطار الجامع لمنظومة الوحدة الوطنية وعروبة شيعة العراق هي قدر حقيقي لا تتناقض ومباديء الفكر الشيعي الحقيقية بقدر ما تضيف إليه و تغنيه، نتمنى مخلصين أن يظل النزاع و الصراع الفكري حبيس حلقات الدرس و البحث و لا يتجاوزه للشارع، فكفانا دماءا و فرقة و لطما... و تبقى الحقيقة فوق الجميع؟إنها ذكريات عابرة لمرحلة ساخنة لم تزل تطبع الواقع الراهن بكل مؤثراتها رغم غبار السنين و الأحداث؟التضحيات الرهيبة التي قدمها الشعب العراقي و ناضل من أجلها وطيلة أكثر من أربعة عقود سوداء دموية وقاسية ضد نظام صدام حسين لم تكن تقربا أو تزلفا لفئة أو عشيرة أو حزب أو عمامة ؟ بل فعل الشعب ذلك كرد فعل طبيعي لرفض الظلم ولنصرة الحرية ومن أجل أن يكون للعراق والعراقيين مكان تحت الشمس في عالم ينمو ويتطور بشكل ثوري بينما تتراجع شعوبنا تحت رحمة الطغاة والجلادين والعشائريين وسقط متاع القوم من القتلة والمجرمين والمتخلفين، وحينما ضحى الشعب العراقي وقدم الدماء العبيطة من أجل الحرية والإنعتاق فلم يكن ذلك لمصالح وحسابات طائفية ومناطقية ضيقة وليس لحساب عمامة معينة أو لصالح أبناء الآلهة الجدد وإستبدال البعثيين الطغاة بالمعممين الذين لا يشبعون من النهب والإستحواذ والتسول المقدس والضحك على عقول البسطاء من المؤمنين ؟ بل فعل ذلك من أجل التقريب من يوم الخلاص. و بناء الوطن العراقي على أسس الحداثة و التقدم و المساواة، ويبدو أننا كنا نحلم حلما جميلا سرعان ما أفقنا على كوابيس الواقع بعد أن تمكنت شياطين الطائفية و العشائرية و العنصرية من التسلل لتفرض خياراتها التدميرية على شعب مدمر بالكامل. وما يدور في العراق اليوم من ظواهر شاذة هو أمر قد تجاوز كل التوقعات وحتى الإحتمالات ذات الطابع الكوابيسي المحض، فلقد تحولت حرية العراق الى حرية النهب من قبل مجموعة من الذين كانوا بالأمس القريب يشكون من الفاقه والعوز وقلة الأعوان و يتلمسون المساعدات من هذا الطرف أو ذاك فإذا بهم بعد أن حقق الأمريكان لهم حلم حياتهم وأسقطوا النظام يتحولون لماكنة نهب لا تشبع ولطاحونة هيمنة وإستحواذ لا تعرف الكلل ولا الملل ولا الرحمة !! لقد تحول (مستضعفوا) الأمس القريب لطغاة الوقت الحاضر!! وكل ذلك يجري تحت شعارات ( النهب الإيمانية) ولصالح المستضعفين!!. وسأوضح ما أقصده بالضبط خلال السطور القادمة التي تكشف واقعا مخزيا وحقائقا مؤلمة سكت عن أغلبها كتاب العراق لأسباب شتى لعل من بينها الخوف من إهدار الدم والتكفير! ومن أهمها (النفاق) وهي الصفة الملتصقة بغالبية كتابنا ومثقفينا للأسف ؟ لأن هؤلاء قد أثبتوا على الطبيعة من أنهم ليسوا أهلا لحمل أمانة الكلمة أو لرسالة الحرية المقدسة التي لا تعلو فوقها أي هامة أو عمامة تدعي العصمة والألوهية المزيفة.لقد لفتت نظري خلال مراسم عاشوراء الأخيرة في العراق والتي إستثمرتها الأحزاب الدينية والطائفية إستثمارا سياسيا مروعا في محاولة لإستعراض القوة والهيمنة على الشارع الشيعي العراقي من خلال المبالغة في الطقوس الغريبة عن الإسلام وحتى عن التشيع العربي المعروف قبل أن تشوهه المؤثرات الإيرانية والفارسية البعيدة كل البعد عن بساطة الدين وسماحة العقيدة وتراث أهل بيت النبوة الأطهار الرافض لكل ممارسات أهل الغلو والتطرف!... أقول لفت نظري وقتها قيام السيد (عمار الحكيم) إبن زعيم المجلس الأعلى (عبد العزيز الحكيم) بقراءة المقتل الحسيني أمام أعتاب وأقطاب رجال الحكومة العراقية الهمايونية السنية!! وقيام هؤلاء ومنهم الجلبي والربيعي وغيرهم بذرف دموع التماسيح الإستعراضية فكان منظرا هزليا أكثر من كونه مأساويا، فعمار الحكيم رغم (قداسته المفروضة وزعامته الطموحة) لا يصلح أساسا لقراءة المقتل لعدم خبرته ولصغر سنه ولضعف قابلياته إذا ما قورنت بكبار القراء من أمثال المرحوم (عبد الزهرة الكعبي)!!، فهذا الشاب الصغير قد أضحى الزعيم المقبل لآل الحكيم وحيث أخذت دوائر المجلس الأعلى الإعلامية تلمعه وتصقله وتعده لعرش الخلافة المنتظر؟ وهو ما تبذل من أجله اليوم كل الجهود وتتم كل الإستعدادات في ظل غياب القيادات الشعبية والوطنية العراقية وإنكفاء المشروع الوطني العراقي، وتعرض العراق للنهب والإستباحة من العصابات الدينية والطائفية التي تهيمن على شوارعه بدءا من عصابات المجلس الأعلى الإيرانية المسماة (فيلق بدر)!! وليس إنتهاءا بعصابات مقتدى المنغولي الصغير وجيشه المهدوي البائس وقطعانه الإجرامية من اللصوص والقتلة و ميليشياته المنفلتة و التي تضم عتاة المجرمين و الشقاوات و السرسرية، وإذا كانت جماهير النجف قد خرجت سابقا وهي تهتف ضد مقتدى وجيشه قائلة : { جيشك مقتدى كله حرامية }، فإن جماهير النجف نفسها باتت تستغيث تتحدث اليوم عن حملات الهيمنة والإستحواذ والمصادرات الكبرى التي تمارسها جماعة المجلس الأعلى على المدينة ومقدراتها وهو أمر كتب عنه بعض المعلومات ثم توقف الحديث ليصبح صمتا هامسا في ظل الرعب والخوف من القتل والتصفية الجسدية لكل من يفكر في الوقوف بوجه العصابات الدينية والطائفية الجديدة.. فعمار الحكيم مثلا وقد أضحى في ظل مرض والده وإمكانياته المحدودة هو اللولب الحركي لجماعة المجلس أمينا عاما لما يسمى بمؤسسة (شهيد المحراب)!! وهي المؤسسة التي قامت بمصادرة العديد من قطع الأراضي الستراتيجية في مدينة النجف والدور السكنية التي كتب عليها أنها عائدة (للسيد عمار الحكيم)!! في موقف يذكرنا بتصرفات عدي صدام حسين أيام سطوته!!، فلقد تمت مصادرة الدور السكنية الكبيرة (600 متر) وما فوق في المنطقة الواقعة بين ساحة ثورة العشرين وعلى إمتداد طريق (أبو صخير) بإتجاه الديوانية! أي ما مساحته عشرة كيلومترات ومن بلدية النجف وبسعر بخس ورمزي وبحجة أنها ستخصص كأماكن مهيئة لإستقبال الزوار الإيرانيين!! بل أن المجلس الأعلى وبقوة وإرهاب وسلاح منظمة بدر قد أرسلوا إنذارا صريحا لبلدية النجف أمده 3 أشهر لأخلاء البلدية والبحث عن مقر جديد وقد بقي من الموعد شهر حتى الآن!! والبلدية تبحث اليوم عن مأوى يأويها ؟ كل ذلك من أجل عيون ما يسمى بمؤسسة (شهيد المحراب) وزعيمها السيد (عمار الحكيم) دام ظله الوارف!!.كما أن حزب الدعوة وعبر زعيمه الجعفري رئيس الوزراء العراقي السابق، غير راغب بالخروج من مولد النهب بلا حمص ولا عدس فقد هيمن هو الآخر على (منتزه النجف) ومتنفسها الوحيد ليحوله لما يسمى ب(مؤسسة الشهيد الصدر)!!أما آل بحر العلوم (رعاه الله) فقد إكتفوا من الغنيمة والكيكة النجفية بقطعتي أرض فقط لا غير إحداهما قرب نقابة المعلمين والأخرى في (حي الفرات)!! وهنيئا لأهل القناعة!!.أما الزعيم الخطير والمقاتل الصنديد مقتدى الصغير فقد أنشأ حي سكني أسماه (حي الرحمة) ووزع قطع الأراضي على أتباعه الصدريين بواقع 200 متر لكل عنصر!! وهو الحي الواقع ما بين حي المعارض والمنتزه المنهوب من قبل حزب الدعوة (طريق كربلاء)!!.ومما زاد في هيمنة وإستحواذ جماعة المجلس الأعلى على أراضي النجف ومنشآتها هو وجود المحافظ من جماعة المجلس الأعلى وإسمه (أسعد سلطان أبو كلل) الذي لم يتورع أيضا عن تخصيص منطقة (الجدول) أو (النزلة) وهي منطقة زراعية منخفضة للإستثمار السياحي والفندقي مع شركات إيرانية وخليجية!!، والطريف أنه حتى القبور لم تسلم من عمليات النهب والهيمنة والإستحواذ!! فلقد أصدر نائب المحافظ وهو من المجلس الأعلى أيضا وإسمه (عبد الحسين عبطان) قرارا طريفا برفع أسعار المقابر، فلقد كان سعر المقبرة حجم 50 متر في زمن صدام 500 دينار فقفز اليوم بقرار من نائب المحافظ لسعر خيالي وهو نصف مليون دينار؟؟.و المصيبة الكبرى هي قيام المحافظ بإصدار قرار على الطريقة الصدامية يقضي بمنع غير مواليد النجف من التملك في المحافظة؟؟ أما لقمة العيش فقد أصبحت ضيقة جدا على عمال النجف البسطاء الذين تتحكم بهم وبأرزاقهم مافيات المقاولين الإيرانيين الذين أضحوا هم أهل البلد فيما تحول فقراء النجف و البسطاء من الشيعة هناك للاجئين في وطنهم!!؟ إنها مهزلة تحكم صبيان نظام طهران في رقبة شيعة العراق ؟ وإنها مهزلة الحرية العراقية التي تحولت لكابوس، كما أننا نكتب إستجابة لطلب و نداءات إخوتنا من فقراء الشيعة و محروميهم الذين تتلاعب بمصائرهم مافيات النظام الإيراني العنصرية.كل هذه المهازل تجري بتخطيط من عمائم العراق المقدسة والتي كانت حتى الأمس القريب تستجدي المعونات في لندن وطهران ودمشق فإذا بها اليوم تتحول لشركات سمسرة عقارية بوضع اليد!!.. وما يحصل في النجف هو جزء بسيط من سيناريو نهب واسع يمارس ضد العراقيين... فهل هذا هو العراق الذي حلمنا به؟.[c1]* كاتب عراقي[/c]
|
فكر
صراع العمائم في العراق
أخبار متعلقة