تسمرت لحظات وأنا ألمح شعارات الأحزاب الاسلاموية في الأردن وهي ترفع شعار الإسلام هو الحل . تسلقت الي شفتي ابتسامة يخرج منها الغبار، غبار الذاكرة المرة، عندما كنت صغيرا، ومازلت برعما ينمو تحت تراب الخيمة الاسلامية، وأنا أصرخ في الميكروفون بشعار الإسلام هو الحل.كلما سألني شاب عن معضلة اقتصادية أو سياسية أو سيكولوجية أقول له: الإسلام هو الحل.هكذا كنت أردد الشعارات التي كانت تلف في سندويشات الأحزاب السياسية حتي اكتشفت أن الشعار يعني علي أرض الواقع أن دكاكين الأحزاب الإسلاموية هي الحل وليس الإسلام. كانت سندويشات تقطر منها دسومة البرغماتية بامتياز.لم أكن ملتفتا أن هذه الأقراص المنومة من الشعارات كانت توضع إلينا في شاي الحزب، وأن المقصود بها هو أن شيخ القرية هو الحل.كانت الدكاكين الحزبية تبيع علينا هذه الوجبات السريعة بعد أن تخزن عقولنا في ثلاجاتها المستوردة والمصنوعة من جلود الشباب الطرية، والضائعة في صحراء الأيديولوجيات الضيقة التي تأخذ من إسلامنا الجميل ما يصب في مصلحة البورصة وتلقي ما يتعارض مع مصلحتها الي المحارق.تمر السنون وتنتهي المحارق وما زلنا نرجع الي ذات المصيدة ونكرر ذات الأخطاء، ذلك لأن الدكاكين السياسية هي هي. تتغير الأجيال ويبقي الشعار هو الشعار، محشواً بغبار التاريخ والعقلية الجامدة الاستاتيكية، لأنه لا يوجد هناك من يمتلك تصفية العقل بما علق به من أملاح الأفكار.الاسلام شيء جميل، جاء ليوجد توازنا في الحياة، لكن من قال إنه يجيب علي الأسئلة الحديثة، الطبية، والهندسية، والصناعية؟ لقد أصبحنا نشاهد دكاترة مسلمين مصابين بعقدة النقص تجاه الغرب، فيستخدمون كحيلة شرعية، ولسد العجز الذاتي كل عضلاتهم، لإثبات أننا سبقنا الغرب في كل صغيرة وكبيرة من إظهار أننا نمتلك إعجازا علميا في كل صغيرة وكبيرة.الغريب لقد حولوا الإسلام الي كتاب هندسي وطبي وسيكولوجي وذري يجيب عن كل شؤون الحياة، فأضاعوا بوصلة الحياة وأضاعوا هذا الشباب الشوزفريني التائه ما بين طلاسم التاريخ وتعقيدات الحاضر بحداثته وعولمته وأوروبيته وحضارته وفوبيا المستقبل الغامض.لسنا بحاجة في انتخابات الأردن او الكويت او البحرين او العراق الي استخدام مخدرات دينية، الدين منها براء لصالح دكاكيننا التي نفتحها علي ضفاف الغيبوبة الشرقية.قوتك في مدي ما تملك من إجابات رقمية علمية، وما تمتلك من مشاريع واقعية، وليس مجرد شعارات تطلقها في الهواء وأنت عاجز عن ترجمتها الي واقع علي الأرض.لقد ملأنا الأرض من مثل هذه الشعارات ومثل هذه الفتاوي. نحن بحاجة اليوم الي فتاوي تحرض علي اليقظة، وتحرض علي الوعي. يقول الشاعر الحداثي، أدونيس في إحدي مداخلاته: هل تتحول الفتوي الي شيء إيجابي؟ أفتوا لإقامة مراكز البحوث العلمية والمعرفية. افتوا بضرورة التقدم والابتكار.نعم، إننا بحاجة الي فتاوي تعيد علاقتنا بالحياة، وتزيل الأتربة المتكدسة علي العقول، وتكنس كل النفايات المتراكمة علي عقولنا العربية والاسلامية.ملأنا عقول الناس بفتاوي الطهارة والنجاسة ودماء المرأة من الحيض الي النفاس الي الاستحاضة حتي قال عالم دين مسلم : شيبتني الدماء !!.حتي النصوص اختزناها عبر رؤيتنا الضيقة وقراءاتنا المحدودة. النص يكبر إذا قرأناه بعقل كبير، ويصغر إذا قرأناه بعقل صغير. لهذا لا تتعجبوا إذا أصبحت أغلب تفاسير المسلمين علي شتي مذاهبهم لقرآننا الكريم تفاسير مذهبية تنسج في مصانع طائفية، تستقوي بالأفكار المسبقة والأحكام الجاهزة، وتفصل حسب مدي تراكم الكلسترول الطائفي علي مفاصيل وعي المفسر ذاته.يجب ألا نتعجب من الحساسية الجلدية ما بين السنة والشيعة، والتي تحولت الي مرض الصدفة والإحمرار والطفح الجلدي بينهم في العراق. إن هذا المرض انتشر في الأجساد والعقول والأنفس بسبب التفسيرات الملغمة والخطب المفخخة بفتيل الطائفية، وبسبب الشحن الايديولوجي الذي يسكب كزيت حارق في عقول الصغار، في المعاهد والمدارس والمخيمات. العالم مشغول بغزو الفضاء وبالغزو الاقتصادي والتكنولوجي ونحن مشغولون بالنفخ الايديولوجي علي بعضنا البعض.أكثرنا انشغالا بتوزيع منشيتات الوحدة الاسلامية في الصحف والكتب والمؤتمرات التقريبية هم رجال الدين، وهم أكثر الناس استخداما للكوميديا السوداء ضد عقائد الآخرين تحت الطاولة. هذا الانفصام يصنع لنا شبابا يحمل القضية ونقيضها. نحن بحاجة الي علماء يقطرون في عيوننا الفرح، فأوطاننا أصبحت فينيسيا تطفو هذه المرة علي الدموع، وليس علي الماء، وأصبح مسلسل الرعب يلتف علينا بسلسلة طويلة كسلسلة مسلسل جيمس بوند الشهيرة. يقول المعري:هو عبء ثقيل علي الحياة من يظن الحياة عبئاً ثقيلا.إن رفعنا لمثل هذه الشعارات يقودنا الي الانزلاق نحو البحيرات المذهبية الساخنة بالحقائق الوهمية.نحن نسير نحو سلسة من الأنفاق.لو نظرنا الي الشعارات الأردنية فهي خاطئة، ولنا تجربة في العراق، حيث تحول حتي البسكويت الي بسكويت طائفي. قنوات طائفية ومدارس طائفية وأحزاب طائفية والنتيجة هو ضياع بلد بأكمله مكتنز بحضارة عريقة ضاعت بين ليلة وعشاها بعد دكتاتورية مازل البعض يبكي عليها. ديجول عندما جاء بمشروعه الاقتصادي قال له الشعب الفرنسي: إجلس في البيت، ونحن للأسف الشديد جعلنا من صدام رجل الضرورة!. أصبح العراق مشروع خسارة كبرى، وكأنما أصبح هذا البلد بلد منذور للعذاب.الحل للعراق هو ديمقراطية قوية للجميع بعيدا عن المذهبية. نعم أخرج السنة من غرفة الحكم بالبجامة، ولكن ليس الحل هو في أخذ الغرفة كاملة للشيعة أو السنة. الحل أن يشارك الجميع، وأن يخرج الشيعة من عقدة الماضي، وأن يخرج السنة من عقدة المستقبل. ان تغيير التوازنات في المنطقة كما هي العصا الأمريكية لا يمكن أن تخدم المنطقة فلابد -كما هو منهج العالم السوسيولوجي العراقي علي الوردي - من مراعاة القاع السوسيولوجي لتغيير أي مجتمع.الديمقراطية منهج وتربية وسلوك لا يمكن أن تزرع علي الأرض ما لم تزرع في العقول والقلوب، فالديمقراطية لا يمكن أن تنمو بقرار رئاسي.والسؤال: لماذا لا نستفيد من الغرب فالغرب قتلتهم الحروب وأكلت الحرب العالمية الأولى أكثر من 62 مليون فرد وما زالت جرائم الجيش الأحمر تلطخ التاريخ الغربي. يقول أوسكار دايلد: كلنا غاطسون في مصرف الماء، ولكن بعضنا ينظر الي النجوم.كما يقول الماغوط في ديوانه سياف الزهور : البؤس هو الوحيد المتماسك في العالم العربي!.هل لنا أن نكتب علي معاهدنا كما كتب سقراط علي معابد أثينا: أعرف نفسك بنفسك ثم جاء في العصر الحديث فرويد ليختمها ب واعترف بها ؟ أتمنى ذلك. فنعترف بالهزيمة حتي نلتحق بالحضارة وإلا ستبقى الآفاق مسدودة. عودا علي بدء أقول: الحل هو بالدولة المدنية وليس الدولة الدينية، والدين لا ينمو إلا في ظل دولة دينية لذلك نقول: الدولة المدنية هي الحل.[c1]* عن/ صحيفة «الراية» القطرية[/c]
الدولة المدنية هي الحل!
أخبار متعلقة