رواية
[c1]الفصل الأول[/c]دخلت سهى غرفة الجلوس تبحث عن حقيبة يدها التي وضعتها عندما دخلت مسرعة إلى البيت، حين رن الهاتف استعجلت سهى خطواتها وهي تطير طيراناً من غرفة نومها وهي تغير ملابس العمل اليومي لتلحق عرس صديقة طفولتها الوحيدة “سميحة” التي تعيش في مدينة أخرى تبعد عن بيتها بيوم واحد ولذا استعجلت سهى في تجميع ملابسها بعد انتهاء أسبوع العمل الشاق الذي كان يشكل جزءاً كبيراً من حياتها حيث لم تعد هناك حياة أخرى غير تفكيرها اليومي بعملها المرهق والمزعج وكانت دائماً تصرخ وتشتكي من عدم وجود وقت كافٍ للاختلاء بنفسها.وبالرغم من شكاواها الكثيرة إلا أنها حققت حلمها الذي كانت تحلم به منذ الصغر، أن تصبح صحفية مشهورة.وبينما كانت تبحر في أفكارها استيقظت، وهي تنظر إلى مرآة السيارة وتقول للسائق بسرعة سأتأخر على القطار وغداً صباحاً عرس سميحة.غافلني النوم من كثرة إرهاقي ونمت عميقاً وأنا في رحلتي على القطار، وحين فتحت عيني شعرت بدفء معطف غريب يحتويني، وفتحت عيني وإذا برجل يجلس في المقعد الأمامي، وينظر لي بابتسامة لم أفهمها، ويقول من أرهقك إلى هذا الحد أيتها الشابة.لم أصدق ما اسمعه، ولكني كنت مازلت في حالة سكون وهدوء وإرهاق لم استطع معه خوض حرب الكلام مع هذا الرجل الغريب.أفقت كلياً وأنا أشم رائحة الكوفي ولم أستطع مقاومتها وهو يقدمه لي، فأخذته منه وأنا أقول كوب ساخن من القهوة هذا ما كنت بحاجة إليه، اعتدلت في جلستي، وشكرته تلقائياً نظرت عبر النافذة وأنا أتأمل القطار يمشي بكل سرعته وهو يقطع مسافة كبيرة عبر الحقول قال: على فكرة أسمي أحمدقلت: “سهى” دون أن أنظر إليه لأشبع فضوله ونظرت مرة أخرى إلى الطبيعة وهي قد بدأت بتوديع شهر الربيع لتبدأ جميع الأوراق بتغيير لونها إلى الأصفر وتسقط على الأرض لتغطيها بلوحة خلابة رائعة، معلنة دخول فصل الخريف وقد بدأت الرياح الخريفية تتلاعب بها لتندمج تلك اللوحة وتصبح نوتة موسيقية تسحر النفوس وترفعني معها من أرض الواقع إلى عالم السكينة والهدوء وحينها أرجعني صوت أحمد ليخبرني:أحمد: أن الأعمال الشاقة يجب على الرجل تحملها وليست لفتاة مثلك“يبدو لي أنه يريد التحدث لا أكثر” ما عملك الشاق؟سهى: صحفية ورأيت لهفته وهو يسأل ما أسمك أيتها الصحفية أخبرته أسمي ثم بدأ بالهجوم والذي كنت لا أريد سماعه، ثم بدأ القول أنت قاسية على الرجال أنك في جميع مقالاتك تهاجمين الرجال أليس كذلك؟!سهى: لا ليس كذلك. وأردت أن أغفو مرة ولكن كيف وقد بدأ بالثرثرة مرة أخرى وهو يحكي وكان لبقا في الكلام وهو يحاول فتح باب الحوار حول المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من المشاكل الأخرى وحينها نظرت أليه لأخبره إني في عطلة من العمل وأريد أن أرتاح من السياسة والعمل الصحفي ليتركني وشأني.ورجعت لأنام مرة أخرى وهكذا مر الوقت وقمت على إعلان وصول القطار وانشرح صدري لأنني سأتخلص من هذا الثرثار، وسألتقي بصديقتي التي بدأ لي أن صوتها حزين جداً وهي تدعوني أن أكون بالقرب منها في هذا اليوم وإلا ستلغي الزفاف ولذا عملت المستحيل للوصول إلى هنا.خرجت من القطار متوجهة إلى بيت صديقتي وأنا متجاهلة ذلك الرجل الغريب لأركب التاكسي وها أنا أقف على باب صديقتي أدق الجرس وأعود إلى الخلف بذكرياتي، فهذه المدينة لها أثر كبير على حياتي وما أنا عليه اليوم كوني صحفية وكان أخر لقاء لي مع صديقتي حين أخبرتها إنني سأذهب إلى العمل في إحدى الصحف المشهورة في مدينة أخرى بعيدة عن موطني.فتح الباب وألقت سميحة بنفسها على صدري تحتضنني وهي تقول:سميحة: الحمد لله انك جئت ادخلي سهى كم أنا مشتاقة لك، رتبت ثيابي وأنا أتكلم معها وأسألها هل كل شي على ما يرام وحينها بدأت تذرف الدموع وهي تخبرني بأنها خائفة من الزواج ثم سألتني هل اختياري صح وهل هذا قدري وغيرها من الأسئلة الكثيرة وحينها قلت:يكفي اهدئي دعينا نذهب للتنزه واخبريني بتمهل ما الذي يزعجك؟ابتسمت وهي تقول أحب فيك هدوءك وأنا سعيدة أنك هناذهبنا إلى التنزه وتكلمنا عن أشياء كثيرة ما عدا الزفاف، ثم سألتها هل ما زالت تحبه؟سمحية: أحبه وهو يحبني ولكني..سهى لا داعي لا وجود لأي مشكلة وهذا هو مطاف الطريق الأخير لخطبتكما، توقفي عن القلق أنت مسيطرة على الوضع، ارمي بأفكارك العشوائية، واجلسي بهدوء بعد ساعتين سيكون كل هذا القلق في أخبار أمس، ستبدأ سعادتك الحقيقة أليس هذا هو حلمك؟!سميحة: نعم أنت على حق، كنت أحلم بهذا اليوم كل يوم ولكن حين قرب الموعد شعرت برعب وخوف لم أعرفه في حياتي.سهى: هذا طبيعي ستودعين أيام العزوبة وستتقاسمين حياتك مع زوجك في السراء والضراء أليس جميلاً ورائعاً أن يكون بقربك إنسان يحبك ويهتم بك ويتقاسم معك كل ألامك وأفراحك؟. سميحة: صحيح نعم هذا حلم حياتي.ثم استمريت بالحديث إن الزواج مسؤولية عزيزتي وأنت تحملت المسؤولية منذ الصغر فلماذا هذا القلق ورأفت يحبك بجنون وأنت تعرفين ذلك، ولن يجرحك أبدا هيا لا تحسدي نفسك. نظرت إلي وهي تقول:سميحة: ربما لهذا السبب أنا قلقة هل تعتقدين انه سيظل يحبني مثل السابق أم سينتهي زواجي بطلاق مثل أمي وأبي.سهى: لا، لم أكن أعرفك متشائمة أبدا ماذا بك؟سميحة: لا أعرف فجأة سالت نفسي هل هذا هو الشخص الذي سأقضي معه بقية حياتي أما سيلعب القدر لعبته المريرة معي.ثم اقتربت إلي، وكأنها طفلة صغيرة تهرب من عقاب وهي تقول لي أنا بحاجة إليك هل عرفت لماذا كان صوتي حزيناً عندما اتصلت بك، شعرت بتوترها وأخذتها في حضني، وأنا أقول لها لا تقارني مصيرك بمصير والديك ولا تلومي أحد على ماضيه وكل إنسان له قدر يختلف عن الآخر، ولا أحد يعرف ماذا ينتظر نحن غداً، ولكن هذا لا يعني أن نهرب من الحياة ونرفض أن نخوض تجاربها المختلفة، ومنها الفاشلة ومن الأخطاء نتعلم صديقتي.ثم استمريت في الحديث:هيا توقفي وانظري إلى خطيبك كم هو سعيد وأخبريني هل هذا وهم، نظرت إليه وهي ترف الدموع ثم قالت:نعم أنت على حق لن أخذله مهما حصل وسأحافظ على عائلتي .. ابتسمت وأنا أقول لها هيا تزوجي وسأقرصك الليلة ربما ألحقك أنا أيضاً وأعرفي إني سأكون بقربك دائماً إذا احتاجت إلي ما عليك إلا إن ترفعي سماعة التلفون وستجديني بقربك مهما مرت السنون ومهما كان حجم المشكلة.ضحكت وهي تقول: نعم ستلحقينني أكيد أنت بجمالك وعلمك وعملك،ستقابلين رفيق حياتك وسأحضر زفافك أنا أيضاً بدوري وسأهدئ من روعك في هذه اللحظة أيضاً فليس من السهل عليك تخطي هذه المسألة دون مساعدتي أيضاً ضحكنا ونحن نتذكر كيف كنا مع بعض في طفولتنا،والمقالب العديدة التي دبرناها وإلى الآن لم يعرف أحد بذلك بل أصبحت إحدى أسرارنا الدفينة.رجعنا إلى البيت وقد بدأت مراسيم الزفاف والكل مشغول بحفلة الزفاف أما أنا فبقيت بقربها إلى أن بدأ الضيوف بالتوافد بجموع كبيرة.وحين انتهت مراسيم الزواج وبدأ الحفل الراقص،ابتعدت إلى إحدى الشرفات لارتاح من هذه الزحمة وضجيج الموسيقى الصاخبة.وبدا القدر يلعب معي،وإذا بصوت رجل ينادي باسمي.أحمد:لن تهربي اليوم مثل المرة السابقة آنستي الصحفيةرأيت الرجل نفسه الذي كان يشاطرني كابينة القطار قبل وصولي إلى زفاف صديقتي.سهى: لم أهرب بل كنت مستعجلة لا أكثر.حين تقابلت عيوننا هذه المرة كان مختلفا رأيت أمامي رجلاً أنيقاً وابتسامة عريضة ورائحة عطر زكية وشخصية لا يمكن تجاهلها.وقلت في نفسي ماذا بي؟دخلت صديقتي وهي تقول أين أنت؟كنت أريد أن أعرفك على رئيس عملي في الشركة العالمية للملاحة؟،أنت هنا أحمد وحينها تذكرت أنها أخبرتني أنها توظفت في إحدى الشركات العالمية وباركت لها وفرحت من أجلها.وضحك بصوت عال وهو يقول: لقد تعرفنا على بعض بما فيه الكفاية.لم تعجبني جرأته،ولكن هناك شيء ما يجذبني إليه وهذا الشعور كان يخيفني ودخلت قاعة العرس وحاولت الهروب منه بين الحين والآخر.ثم دخلت امرأة في أبهى ملابسها وهي تشع جمالا ورونقا تبحث عن شخص ما وكأنها أضاعت جوهرة غالية،تم ابتسمت بمكر وهي تتجه إلى أحمد وتأخذه إلى حلبة الرقص ولا أعرف ماذا حصل لي،حين بدآ يتمايلان في الرقصة وهي تضحك بصوت عال شعرت بألم في حلقي وخرجت من الحفلة ورجعت البيت.وفي منتصف الليل أيقظتني من نومي سميحة قلت لها ماذا تعملين هنا.قالت لي: أجمعي حقيبتك سنذهب في رحلة على متن باخرة في شهر العسل إلى روما أذهبي معي هيا لا تقولي لا.. أنا أريدك معي هيالم استطع رفض دعوتها وجمعت حقيبتي وخرجنا معا والمطر بدأ بالهطول وذكرنا طفولتنا ونحن نضحك ونجري إلى ناحية السيارة وحين جلست رمى معطفه على جسمي إحدى الجالسين في المقاعد الخلفية للسيارة قلت شكراً تلقائياً ثم كانت المفاجأة يا إلهي أحمدنظرت إلى صديقتي وهي تبتسم لي وتخبرني إن هذه الرحلة هديته،أخبرتني سميحة أنه قد جهز لهم شهر عسل على متن باخرته لم أتفوه بكلمة واحدة بل استمرت وأنا أراقب المرأة الجميلة وهي تحتضن يديه وتنظر إلي من أسفل إصبعي إلى آخر شعري وأنا في حالة مزرية مرهقة وثيابي مبللة وشعري وهي في أفضل حال وبالقرب من ذلك الترثار وزير النساء كمان...