أضواء
يبدو أن اداء الكتل والتيارات السياسية في الكويت بحاجة لمراجعة شديدة هذه الأيام، خاصة ما يتعلق بالشعارات والبرامج والرؤى المرتبطة بعملية التنمية التي يستحقها بلد كالكويت، فالتاريخ التنموي الرائد للكويت في المنطقة يقابله شبه اجماع من الداخل والخارج بأنه شهد تراجعات حادة في العقدين الأخيرين.وهذا الأمر وإن تحملت بعضا من وزره الحكومات المتعاقبة على البلاد في هذه الفترة، فلا يمكن للتيارات السياسية بأي حال من الأحوال أن تتنصل من مسؤولياتها وتلقي التهم باستمرار على الطرف الآخر. ففي الديمقراطيات النيابية الحية يشترك الجهازان التشريعي والتنفيذي في تقرير مصير عملية التنمية والوجهة التي تتخذها، والبرلمان عادة ما يكون له الدور المؤثر والكبير في دفع الحكومات لإنجازات ملموسة أو إعاقتها عن عمل ذلك بطرق مختلفة، أهمها تحويل دائرة الاهتمام إلى قضايا ثانوية وتهميش القضايا ذات الأولوية.وللتدليل على ذلك يمكن للقارئ مراجعة السلوك السياسي والبرلماني للتيارات الاسلامية بكافة تفرعاتها وذات الأغلبية في التمثيل داخل مجلس الأمة الكويتي، فمعظم القضايا التي تتبناها هذه التيارات تدور حول قضايا السلوك والآداب العامة، فمن حفلة راقصة ومنع مطرب او مطربة من إقامة حفل غنائي إلى لجنة للظواهر السلبية ينشد الداعون إليها أن تكون بذرة على ما يبدو لجهاز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية. وإلى غير ذلك من الأمور التي تدلل أن العقلية التي تحكم هذه التيارات وتؤسس لعملها ونشاطها داخل البرلمان هي العقلية الانتخابية المباشرة. أي أن هذه التيارات لا تمارس برنامجا سياسيا ناضجا يليق بحجمها وقوة تأثيرها وتنصرف عنه إلى قضايا يمكن ادراجها في مرتبة متأخرة على الأجندة الوطنية المفترضة لتيارات بهذا الحجم!.هل يعني هذا أننا نقول بأن حفلة «ماجنة» تقام في مكان علني هو أمر صحيح ولا يجب انتقاده؟ بالطبع لا، وهل يعني ذلك أيضا القول بأن ممثلي الأمة يجب ألا يعبروا عن آرائهم في القضايا العامة وعن آراء ومواقف من أوصلهم إلى قبة البرلمان؟ أيضا هذا غير صحيح، لكن هل من المنطقي أن تكون هذه الحوادث الهامشية هي الشغل الشاغل لتيارات كبيرة الحجم والتأثير، وأن يدخل البرلمان والحكومة في جدل طويل وحالة من الاحتقان تهدد مصير واستقرار كليهما وبقاءه بسبب هذه الأمور الثانوية؟ وان يتم ذلك في الوقت الذي لا تعير فيه هذه التيارات اهتماما كافيا بقضايا التعليم والصحة والاقتصاد، ويكون هاجسها الرئيسي فقط أن تكون ممثلة داخل هذه الاجهزة الحكومية، وان تكسب على الصعيد الانتخابي دون مراعاة التبعات الخطيرة لذلك السلوك على الصعيد الوطني.لعبة الشد والجذب السياسي في الكويت تطرح تساؤلات كثيرة في المحيط الخليجي، فالبلد الرائد في تجربته الديمقراطية الفريدة ها هو عبر برلمانه يقدم نموذجا غير حسن عن الحالة التي تنشدها كافة شعوب المنطقة، والمتمثلة في أن تكون شريكا رئيسيا في صناعة القرار الوطني عبر مجالس وبرلمانات منتخبة، وباتت الأخبار الواردة من الكويت تنحصر في حلّ برلمان وانتخاب آخر، أو استجوابات متتالية تعكس حالة الاحتقان القائمة والتي تنتهي عادة برحيل مجلس وقدوم آخر، الأمر الذي جعل من المقارنة بين التجربة البرلمانية الكويتية والتجارب غير البرلمانية في الخليج تكون لصالح الأخيرة، فمن قائل إن إمارة دبي من دون ضجيج وشعارات الإخوان المسلمين والسلفية بكافة ألوانها الفكرية والقبلية والليبرالية قديمها وجديدها، استطاعت أن تسطر انجازا لا يضاهيه انجاز! وقطر كذلك بقفزات تنموية كبيرة خلال فترة قصيرة من الزمن، ورغم بعض الملاحظات على تلك التجارب الخليجية إلا انه لا يمكن سوى الاعتراف بالنجاحات العمرانية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها الكثير مما تحقق في فترات زمنية قياسية، وقد تحقق هذا في الوقت الذي ينشغل السلفيون (مع كل الاحترام لهم) بحفلة صغيرة في قاعة فندق في مدينة السالمية!يمكن الجزم بأن الحالتين لا تمثلان طموحا لأحد، فلا يمكن الاستفراد بالحكم والقرارات تحت أي ذريعة، بل وحتى في ظل النجاحات الكبيرة التي تحققها هذه الحالة، كما أنه لا يمكن أن يترك برلمان كمجلس الأمة الكويتي ليمارس كثير من نوابه عبثا يضر بالمصالح العليا للبلد نظير اهتمامات ومصالح ضيقة، ويقدم بذلك نموذجا سيئا للآخرين في عدم التقدم بالتجارب الناشئة والمترددة أصلا لدى الدول الخليجية الأخرى! وهذا هو ما يستدعي قيام هذه التيارات بالمراجعات الكافية والمطلوبة قبل أن يكفر الناس بهذه الديمقراطية، ساعتها لن ينفع أحد البكاء على اللبن المسكوب.[c1]*عن / صحيفة (أوان) الكويتية [/c]