جوهانسبورغ / متابعات:لا تتعجب أن تتزاحم دول كثيرة بملفاتها عند أبواب “الفيفا” في سبيل الظفر بتنظيم الحدث الرياضي الأبرز في العالم، فبطولة دولية مثل كأس العالم يطمح الكثير إلى تنظيم أحداثها ليس لسبب رياضي فقط، وإنما لأسباب عدة يأتي في مقدمها لفت أنظار العالم لهذا البلد المنظم في النواحي كافة، السياسية والسياحية والاقتصادية والثقافية.فبطولة كأس العالم تحرك الركود الإقتصادي في البلد المضيف وتنعشه كثيراً، خصوصاً وأنها تحظى بملايين الدولارات من “الفيفا”، إلى جانب تحرك اقتصادها في النواحي السياحية، إلى جانب القضاء على نسب كبيرة من البطالة حتى وإن كانت وقتية.ولعل البلد المضيف يحظى أيضاً بإعلانات قوية، إذ إن دخله الاقتصادي من الإعلان بصوره كافة المرئي والمسموع والمشاهد والمقروء يُقدر بملايين الدولارات التي تُنعش الحركة الإقتصادية والتجارية، إلى جانب تسويق أبرز منتجات ذلك البلد وما يميزها عن غيرها، إلى جانب الظفر بما يتميز به من آثار ومقتنيات. [c1]رغم الخروج المبكر[/c]في جنوب إفريقيا، ورغم أن منتخبها لم يواصل تأهله إلى أدوار متقدمة، إلا أن الاقتصاديين يؤكدون أنها حظيت بحركة اقتصادية لا بأس بها على عكس لو أنها تقدمت إلى دور ثمن النهائي على أقل تقدير فإن النشاط الاقتصادي سيكون أكثر حركة ورواجاً، خصوصاً طبقات أصحاب الأعمال والمشروعات الخفيفة، أما الشركات الكبرى فقد دخلت سوق التسويق والإعلان في وقت مبكر.ويؤكد خبراء اقتصاديون كُثر أن الزحف الجماهيري له دور كبير في انعاش الحركة الاقتصادية لـ«الفيفا» والبلد المضيف، كون الرياضة باتت صناعة اقتصادية مربحة للطرفين، فالأول أنشأ الملاعب الجديدة وأعاد تأهيل القديمة منها، إلى جانب تحرك أنشطة وبرامج عدة وتسويق في مجالات كثر، إلى جانب لفت انتباه شعوب العالم إلى السياحة ومقوماتها في هذا البلد، خصوصاً وأن بلداناً حول العالم بات اقتصادها يرتكز في دخله الأول من السياحة، بينما الفيفا مثل ما ينفق فإن عائداته في هذا الحدث العالمي لا تُعد ولا تُحصى على الرغم من أن الحضور الجماهيري في هذا المونديال لم يكن في مستوى التطلعات مثل ما جرت عليه العادة في بطولات سابقة.
و يدخل المونديال منعطفه الأخير، لكن أصحاب البلد المستضيف يتذكرون جيداً قبيل انطلاق المونديال وحركة الركود ثم انتعاشها أثناء أحداث البطولة ، خصوصاً وأنهم يتذكرون الإعلان لأول وهلة عن انطلاق الحدث العالمي الذي وجد ترحيباً كبيراً على الصعيد المحلي باعتباره نقطة تحول تاريخية بالنسبة للقارة السمراء بشكل عام وجنوب إفريقيا بشكل خاص.ويؤكد اقتصاديون أن «كأس العالم ساهم في دوران العجلة الاقتصادية بشكل أكبر جراء أعمال البنية التحتية التي تجلت ببناء ملاعب جديدة وشق وتوسيع الطرقات الرئيسية ما أدى أوتوماتيكياً إلى انخفاض معدل البطالة في البلاد، لكن ذلك لا يعتبر هدفاً مرموقاً بالنسبة للكثيرين في بلاد مانديلا».وأشارت صحف عدة إلى أن إفريقيا تستحق أن تستضيف كأس العالم كعربون تقدير لها من الأسرة الرياضية العالمية كونها ساهمت في تخريج قوافل من النجوم العالميين الذين أثروا بدورهم البطولات الأوروبية وإرتقوا بكرة القدم إلى الأعلى، وجنت أندية أوروبية من خلالهم ملايين الدولارات بعد أن ساهموا بفعالية في جلب البطولات والإعلانات التجارية. [c1]انتقادات واسعة[/c]وكان الإعلامي أنديل منغزيتاما من صحيفة سويتان الواسعة الانتشار له رأي لم يرق كثيراً لصناع القرار في الفيفا عندما قال «إن شهراً واحداً لا يمكنه تغيير المفاهيم الاقتصادية أو الحقائق، كأس العالم هو ملعب المستعمرين الجدد وفرصة الرأسماليين لكسب المزيد من المال». وتابع منغزيتاما قائلا «في الماضي كنا نتعرض لغزو المستعمرين أما اليوم فقد دعتهم حكومة جنوب أفريقيا للقدوم».وأكدت هذه التقارير وفق بعض الخبراء الاقتصاديين أن الأموال الطائلة التي أُنفقت على بناء الملاعب والطرقات لا يمكن أن تبني اقتصاداً قوياً في الوقت الذي كان يجب استثمارها في بناء المصانع التي بإمكانها تأمين دوران العجلة الاقتصادية بشكل أفضل خلال الأعوام القادمة، ناهيك عن أن حكومة البلاد اقترضت مبالغ ضخمة من البنك الدولي من أجل تطوير شبكة الكهرباء المحلية.في المقابل، قالت حكومة جنوب إفريقيا إن كأس العالم كان فرصة لإطلاق البلاد سياحياً، حيث تعتبر أن السياحة الرياضية باتت تشكل في عصرنا هذا ركيزة من ركائز أقوى الاقتصادات العالمية الصاعدة، وتعتبر أن استضافة الصين للألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008 هو خير دليل على صحة خيارها كون اقتصادها يعتبر من بين الأقوى على الصعيد العالمي.
ويقول أوديش بيلاي من معهد بحوث العلوم الإنسانية «من المستحيل القول إن كأس العالم خفض معدل الفقر، لكن هناك 150 ألف وظيفة جديدة تم إنشاؤها وذلك بسبب أعمال البناء الخاصة بالمونديال، ما ساهم في نمو الاقتصاد المحلي بمعدل 0.2 إلى 0.5 %، والذي لا يعتبر إنجازاً يستحق التوقف عنده مقارنة بباقي الدول التي سبق لها أن استضافت المونديال مثل فرنسا وكوريا واليابان وألمانيا».وكان داني جونسون رئيس اللجنة المنظمة قد اعترف بضعف الإقبال على شراء التذاكر، وعزا الأمر إلى الفقر المدقع الذي يلف معظم الدول الإفريقية، معتبراً أن طرح بيع التذاكر عبر الإنترنت كان حجر عثرة بالنسبة للمشجعين الإفريقيين كون معظمهم لا يملك بطاقات مصرفية (فيزا كارد)، أضف إلى عدم تمكنهم من الوصول إلى الشبكة العنكبوتية أو الإنترنت التي ما زالت في «طورها الأول» في إفريقيا على عكس الولايات المتحدة التي سجلت أعلى معدل بيع تذاكر بسبب الانتشار الواسع للإنترنت وسهولة استخدامها من قبل معظم المشجعين.[c1]صناعة اقتصادية رياضية[/c]وأكد الإعلامي السعودي صالح فريد، المتخصص في الإعلام الاقتصادي الرياضي، أن دولاً كثيرة تسعى لاستضافة المونديال وتتقدم بملفات ترشيح ليبدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم في دراستها جيداً من خلال مختصين استثماريين رياضيين وإعلاميين وصناع قرار، ومن ثم يتم المصادقة على ترشيح إحدى هذه الدول من خلال تصويت جماعي للأعضاء.وأضاف فريد في تصريح خاص لـ«العربية.نت» أن الرياضة في السنوات الأخيرة اختلفت عن السابق، إذ باتت حالياً صناعة اقتصادية رياضية مؤثرة وتدر الفائدة على البلد المستضيف و«الفيفا»، بدليل حصول مستضيف الاستحقاق العالمي على دعم مالي كبير قبل البطولة بسنوات يتم إستثماره في إنشاء ملاعب جديدة وإعادة تأهيل الملاعب القديمة، إلى جانب خلق وظائف جديدة وتحريك عجلة الاقتصاد في النواحي كافة السياحية والثقافية وغيرها، بالإضافة إلى حصول المنتخبات المشاركة على ملايين الدولارات على عكس الماضي البعيد إذ أن البطولات كانت تقوم من أجل المتعة الكروية فقط.واستطرد فريد «الآن تتدخل الحكومات والوزراء في التسويق والتأثير في سبيل استضافة تنظيم أحد هذه المونديالات، لأن الدراسات الاقتصادية الحديثة أكدت أن المونديال يحرك عجلة الاقتصاد في البلد المستضيف وهو ما حدث في دول كثيرة من قبل، خصوصاً كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا، إذ أن الدخل المالي من هذه الاستضافة كان مرتفعاً جداً، ولذلك جاءت الاستفادة مشتركة. وفي جنوب إفريقيا اعتقدت أن الأموال الطائلة التي حصلت عليها البلاد والتغيير والتجديد في البنية التحتية وتوظيف شبان وشابات كثر أعطت ثمارها وإن كنا نتوقع أكثر، لكن الاستفادة عالية، كون البلد فقيراً والقليل يكفي الناس لكنها أثرت الحركة الاقتصادية وعكست انطباعاً جيداً عن السياحة هناك».