في تراثنا الفقهي هناك متسع للانسجام والتوافق مع مطالبات حظر زواج الصغيرات وتحديد سن الثامنة عشرة كحد أدنى لزواج الفتاة ، هذا هو بالضبط مايراه المذهب المالكي .. وهو عينه مانقل عن ابن عباس ،ومنهم من قال 23 سنة ، وآخرون 25 ومن يدري ربما هناك متسع لما هو أعلى . المؤلم أنه في ظل المطالبات الواسعة بالاشتغال بضرورة إنجاز عملية الإصلاح والتجديد الديني نجد أن الأفق أضيق من خرم إبرة ؛ إذ أن من يفترض بهم إنجاز العديد من الاجتهادات الملحة بمايفي بمتطلبات العصر .. وتقديم دليل على أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، يتسمرون في أعماق التراث ويفتشون عن الفتاوى التي هي أقرب إلى الأغلال والقيود وفي أحسن حالاتها لم تعد صالحة منذ مئات السنين . في اليوم التالي لمظاهرة جامعة الإيمان أمام البرلمان اليمني الرافضة لسن قانون يمنع زواج الصغيرات ، نقلت الأخبار أن (( معاقة تعرضت للاغتصاب من قبل عدة أشخاص )) ، مالم ولن نسمعه مستقبلاً أن هناك مظاهرة مماثلة ستخرج للمطالبة بتطبيق حدود الله في الجناة ، وعليه فإنني سأجزم من الآن أن شرع الله لا دخل له في كل ذلك الهراء ، وان المطلوب هو استعراض للقوة والحضور السياسي ، وهو أقرب إلى الاستغلال السيئ للدين خدمة لأهداف سياسية آنية . [c1]شذوذ وانحراف نفسي [/c]يجري هذه الأيام تداول مشروع قانون زواج الصغيرات بحذر وعلى استحياء مخز من قبل أعضاء مجلس النواب الذين يفترض بهم انهم رعاة حقوق الانسان في اليمن ، وبالتوازي وبصوت مرتفع يجري ضخ اكوام هائلة من الغثاء ترى في الدعوة لسن قانون يحظر زواج القاصرات (( دعوة للعهر المبكر )) ، وبأن الرافضين لهذا الزواج ومن يساندهم من العلماء والمشتغلين بالدعوة والفكر الاسلامي ذو حظوظ متدنية من الروحانية والالتزام! غير أن ماتقوله نظريات الطب النفسي هو أن هواة الزواج بالطفلة والرضيعة ومن يسيل لعابهم بحاملات مصاصات الحليب يعانون من شذوذ جنسي خطير وانحراف نفسي مدمر ومن الحمق أن يصغي اليهم أحد أو أن يأخذ احد احكام دينه وتعاليمه منهم !! ، وبالمقابل هل من المعقول أن نقبل بمثل هذا الافتراض الموبوء بأن من تجاوزن سن الثامنة عشرة ، هن الاقرب الى أن يفقدن العفة والشرف !! ترى بأي الامثلة ستزودنا الوقائع الحياتية حول من هن الاكثر عرضة للانحراف ، أهن من تزوجن بعد الرشد أم من لم تزل في المهد صبية !! واذا كانت الاحصاءات تشير إلى أن حوالي خمسين في المائة من البنات في اليمن يتزوجن في سن الثامنة عشرة والرقم يرتفع تلقائيا مع كل مسحة تقدم قادمة والسؤال هل كل اولئك الفتيات قد فقدن العفة والطهارة ؟ [c1] إنها صغيـــــرة [/c]يروى أنه عليه الصلاة والسلام رفض طلبا لكلا صاحبيه أبي بكر وعمر أبديا فيه رغبتهما في الزواج بابنته “فاطمة” محتجاً بـ (( إنها صغيرة )) ، لاحقا وبعد ان غدت سيدتنا فاطمة كبيرة وافق عليه الصلاة والسلام على طلب ابن عمها “علي” بالزواج بها! لم يكن ذلك كافيا لديهم كدليل على عدم جواز زواج الصغيرات والمؤسف أننا كنا على موعد مع تأويل متهافت للغاية لعبارته صلى الله عليه وسلم “ إنها صغيرة “ ، تأويلاً غريباً يظهر الرسول العظيم عنصرياً يحن للعرق والنسب ، يقولون : ان السبب الحقيقي أضمره الرسول عليه الصلاة والسلام وإن سبب رفضه لطلبي أبي بكر وعمر ،؛ هو أن صاحبيه ليسا كفؤين لابنته فاطمة على غرار ابن عمها على ابن ابي طالب الذي يفوقهم عرقا ونسبا !! مثل هذا الجنون يتجلى في مواطن أخرى حين يتم تجاهل المدلول العظيم في أنه صلى الله عليه وسلم تزوج بنساء ناضجات في جميع حالات زواجه ، وقسرا يؤذوننا بتكرار الزعم في أن عليه الصلاة والسلام استساغ أن يتزوج من ابنة صاحبه حين كانت ذات سبعة أعوام !! يعصمني من الوقوع ضحية لتلك الفتاوى والاقوال المسيئة إلى ذاته السامية .. حزمة من القيم أؤمن واعتقد انه عليه الصلاة والسلام يدور معها حيث دارت وأنه الكمال والسمو الانساني والعظمة تمشي على الأرض . [c1]علاقة راشدة .. وأسرة مستقرة [/c]سيجري توظيف العلم لخدمة اللامعقول وستسمعون من يسرد اكتشافاته في علم وظائف الأعضاء للقول إن المرأة القاصرة جاهزة للحياة الاسرية المتكافئة مع الزوج الراشد، إن الاستجابة العمياء لهذا الهوس غير المعقول سيجعل حياتنا كلها تدور في حلقة مفرغة لاتغادرها ابدا. العفاف لا يكفله مجرد الزواج هكذا كيفما اتفق ، ازعم ان العلاقة الزوجية إن لم تكن قائمة على أساس راسخ من المعرفة والالتزام بحقوق الآخر ، وبحيث تتسع لتشبع كل ماله علاقة بالاستقرار والتفاهم الأسري وفي جو من التشارك والود والرحمة المتبادلة ، إن لم تكن كذلك فان الحياة الزوجية ستنقلب الى جحيم تكون العفة اول ضحاياه. أزعم ثانيا أن الراغبين في الزواج المبكر والمدافعين عن زواج القاصرات محرومون معرفيا على الاقل من كل تلك المعاني ولا سبيل لان تعد إحدى مكونات أدمغتهم الجامدة..! [c1] نحو مجتمع مفتـــوح [/c]الخوف على العفة غدا فقط وسيلة ناجعة لحرمان المرأة من المشاركة في الحياة العامة ، والملاحظ انه في كل الثقافات والامم يجري توظيف الدين لتعميم هذا الحرمان ودوما تلعب الفتاوى الدور الابرز للفوز بالمعركة اللا أخلاقية ، مثلما يجري تسليط الاضواء على الخطيئة التي ترتكبها امرأة في حين ينسى الغيورون على الفضيلة ان للخطيئة طرفاً آخر يسامحونه ببساطة ، تقول العادات ان “منتهكي العفة” من الذكور تتم مسامحتهم بسهولة وفي كثير من الاحوال تغدو بالنسبة للذكور جناية دون جسيمة اجتماعياً ودينيا ، واقول دينيا لدى المتصدرين للفتوى والمشتغلين في تديين التراث واسلمة التقاليد ! سأتحدث عن مجتمع مفتوح تلقائيا للرجل والمرأة كحل نهائي للتعايش بعيداً عن العقد وكضامن لاحترام الذوق العام والاعلاء من العفة والكرامة الانسانية وفي المقابل فان ذلك لن يحدث أبدا في ظل القسر والاكراه والارهاب الفكري والوصاية على العقل والروح . لماذا نجد انفسنا في الدول ذات المجتمعات المفتوحة أقل عرضة ومطاردة من آكلي اللحوم البيضاء .. ؟! ، في المحافظات الجنوبية مثلا لماذا نجد انفسنا اكثر حرية نسبياً ، نعيش هناك وقد أمنا لبعض الوقت الملاحقات ونظرات الذهول والفضول الراغبة في سحق الفضيلة ؟!، لماذا بإمكاننا أن نأكل في مطعم شعبي مثلا دون تكلف او غواية او اغواء ودون ان نشعر اننا لسنا كائنات فضائية هبطت للتو ؟! هل استطيع ان أزعم ان الواحدة منا تشعر هناك أنها ليست نعجة وكل من هم في الجوار ذئاب وآكلو لحوم النساء !! فما الفرق .. ؟ الأكيد ان السر لا يكمن في وفرة المفتين ومنابر الافتاء ، بل يعود إلى وفرة الحرية ومساحة المألوف التي كانت اكثر وفرة هناك يوما . [c1]دعوة إلى الإصلاح والتجديد الديني [/c]يحرص بعض الدعاة والمتصدرين للوعظ على اختزال المعروف الى شعائر ومظاهر هامشية ، مثلما يصرون على اختزال الفضيلة الى كل ما له علاقة بتواري المرأة وراء الأسوار.مخرجات الفتاوي الدينية تدور حول المراة بكثافة تختزل تقريبا الاغلبية الساحقة للمجهود الفقهي لاسيما في القرن العشرين وهو القرن المنوط به انجاز الاصلاح والتجديد الديني، وبدل جهود الاصلاح دار الجميع حول كل ماله علاقة بفتنة المراة والنقاب والسفر والاختلاط وزواج الصغيرة بالفاظ وعبارات تتكرر معيدة ذات الضحالة والعهن !! وهي بالمجمل اجتهادات لا تقوم على اساس من نصوص الكتاب وسيرة الرسول القويم، وبالامكان القول انها محاولات بائسة لأسلمة أساطير أبي لهب واضفاء صبغة القداسة على إرث الآباء وتقاليد الاجداد . يخيل الي ان هناك اتفاقاً غير مقدس بين كثير من الخطباء مع الحاكم تعهدوا بموجبه بأن يجعلوا الدين بعيدا عن حياة الناس ومصالحهم و “ ترك ما لقيصر لقيصر” مقابل البقاء في منابر الخطابة ..! وفي اليمن المنكوب بكل شيء يغيب الكثير من العقلاء من رجال الدين لصالح أصحاب الفتاوى الفارغة ممن هم الاعلى صوتا والاقل فقهاً ، وحين تذهب لجرد الشخصيات فكرا واسهاما فبالمجمل ستجد نفسك امام فكر ضحل يدور في الهامش واسهام رديء لم يلامس تخوم المنكر الكبير والمعروف الواسع الذي عليه أن ينظم تفاصيل الحياة العامة المعقدة والمتشابكة والممتدة الى ميادين الاقتصاد والسياسة والادارة والاعلام والتجارة. وفي الغالب يجري تسويق الدين اعتمادا على القسر والاكراه بعيدا عن القناعة وحرية الاختيار في اتباع أعمى لسنن الكنيسة ومقولاتها التي سادت ابان عصور الظلام. لو لم يكن الدين في واد آخر بعيدا عن مصالح الناس الحياتية لما انشغل المتصدرون للدعوة والفتوى في معركة زواج الصغيرة بزعم ان مقاصد الدين وغاياته مرهونة بهذا الزواج المنحرف، في ظل انتهاك كبير يتعرض له عامة الناس يطال حقهم في الحياة والكرامة الانسانية وغياب العدالة و الإنصاف ، وهي مقاصد الدين الكبرى غير ان بعض المتصدرين للفتوى يهيمون على هوامش حياة الناس مسجلين غيابا كبيرا للدين بعد أن نجحوا في اقناع الناس بأن الدين ليس سوى تلك الشعائر والمظاهر الثانوية . دعوني اقول اننا بحاجة ماسة إلى قدر من التنوير الثقافي الشامل اذا أردنا التمتع بالحد الادنى من الكرامة الانسانية ، تنوير يحرر العقل من الأوهام ، والدين من القساوسة والرهبان ، والمجتمع من ويلات الفكر الكنسي وعبدة التقاليد والتراث . [c1]* رئيسة منظمة صحفيين بلا قيود[/c]
|
فكر
حول زواج الصغيرة وغياب التجديد والإصلاح الديني
أخبار متعلقة