أضواء
لم أر الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوجه لكمة سياسية من قبل كما فعلها ضد حماس اخيرا، فقد اعتدناه دائما في موقف المدافع الذي يتلقى اللكمات بشكل مستمر. هذه المرة تطوع فكشف عن وساطة مصرية بين حماس والسلطة الإسرائيلية، وكشف أيضا ان حماس طلبت ضمان سلامة قادتها الذين هددت إسرائيل بأنها ستستهدفهم مباشرة، بعد ان كانت تستهدف عامة المدنيين العزل.وبالطبع جاءت غضبة الرفاق في حماس مضرية، منكرين التوسط عند مصر، ونافين قصة الهدنة، ورافضين روايته عن ضمانات لسلامة القادة.والحقيقة انني اميل لرواية ابومازن لأسباب منطقية، فهو لم يعرف عنه الا الصدق، كما اننا نعرف لغة حماس المراوغة التي لا تقول الا نصف الرواية وتسكت عن قول النصف الآخر، مثل الاسرائيليين. فرئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت عندما واجهه الصحافيون بقصة التفاوض انكر وقال لا يوجد اي تفاوض مع حماس، وهذا صحيح لان الاتصالات هي عبر الوسيط المصري. فهو لم يكذب لكنه لم يقل كل الحقيقة، وكذلك حماس.وعندما نقرأ الردود الحماسية نراها تؤكد بشكل غير مباشر ذلك، فهي صارت تعلن انها لن تقبل بوقف اطلاق الصواريخ الا اذا اوقفت اسرائيل هجماتها على غزة. وهنا يختبئ مكر التصريحات. عليكم ان تضعوا الأمر في تسلسله الكامل حتى تكون الصورة واضحة. فحماس كانت تقول في السابق انها (لن توقف هجماتها لأن من حقها مواجهة الاحتلال). ثم بعد ذلك مالت تصريحاتها دون ان يبدو انها غيرت موقفها، فأصبحت تعلن انها (لن توقف الهجمات على اسرائيل الا بشرط رفع الحصار عن غزة). وبعد ان هجم الاسرائيليون بوحشية على غزة، وصار وضع حماس صعبا، خاصة مع اعلان الاسرائيليين انهم ينوون استهداف قيادات حماس تحديدا انحنت تصريحات حماس مع العاصفة وصارت تعلن انها (لن تقبل بوقف الهجمات الصاروخية الا اذا اوقف الاسرائيليون هجومهم). اي اننا امام ثلاث مراحل تغيير كلامية لكن النتيجة النهائية حماس مستعدة للعودة الى الوضع الذي كانت عليه لمدة عامين هادنت فيه الاسرائيليين، كما هادنتها السلطة الفلسطينية من قبل لأن المواجهة عمل انتحاري يفيد العدو اكثر مما يفيد الفلسطينيين.بالتأكيد الناس الذين يشجعون حماس على مهاجمة اسرائيل عادة يطلقون مواقفهم وهم جالسون في بيوتهم وبين اطفالهم في مناطق آمنة بعيدا عن الوحشية الاسرائيلية كما نراهم في الخليج وسورية ومصر وغيرها. الرئيس الفلسطيني محق عندما انتقد حماس متسائلا، ما الذي جناه الشعب الفلسطيني من أسر جندي اسرائيلي قبل عامين؟ يقول لقد كلفت تلك العملية الفلسطينيين الف قتيل معظمهم من العزل. كما ان الصواريخ العبثية التي تطلقها حماس من غزة كلفت تدمير غزة، فما الفائدة خاصة اذا رجعت حماس للمربع الأول بهدنة مع الاسرائيليين؟ هي توقف صواريخها وهم يوقفون رصاصهم.بكل اسف القوى الاقليمية اعتادت على استخدام الفلسطينيين لأغراضها، وما معركة غزة الاخيرة الا واحدة منها، هذه هي الحقيقة المؤسفة.[c1]* صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية[/c]