الدكتور/ أحمد يحيى الصعفاني لصحيفة ( 14 اكتوبر ):
لقاء/ زكي نعمان الذبحاني ليست الإصابة بالديدان هينة- كما يظن البعض فهناك من يقلل من شأنها غافلاً عن خفايا مشاكل واعتلالات تسببها تلك المخلوقات الضئيلة المتطفلة وأن منها ما يسبب الوفاة إن لم يعالج المصاب فمثلاً يقدر عدد المصابين بالدودة الخيطية (الإسكارس) بأكثر من (250 مليون) شخص وتودي بحياة أكثر من (60 ألف) شخص سنوياً.وللدودة (لأنكلستوما) الخطافية التي يكثر الإصابة بها في البلدان النامية ومنها بلادنا حصيلة أخرى عالية من الإصابات تقدر بنحو (151 مليون) إصابة في حين يعزى إليها - حسب التقديرات وفاة أكثر من (65 ألف) شخص سنوياً.هذا أبسط مثال لنوعين فقط من الديدان المعوية التي لا يتطلب تجنبها والوقاية منها وسائر الديدان المعوية سوى نهج السلوكيات والممارسات الصحية القومية.في اللقاء الذي جمعنا بالدكتور/ أحمد يحيى الصعفاني- اختصاصي أمراض الباطنية والجهاز الهضمي- بيان لأبرز هذه الأمراض الشائعة في مجتمعنا وخطورتها على الصحة وما يجب علينا اتخاذه والالتزام به لتجنبها وما على المصابين التقيد به للمعالجة وقطع سلسلة العدوى صوناً للصحة وحماية للآخرين من الإصابة.فإلى ما جاء وورد في هذا اللقاء.. تصنيف عام - نحن في فصل الصيف وفيه تنشط الكثير من الأمراض وخاصة الديدان الطفيلية فما التوصيف أو التصنيف العام لهذه الأنواع من الديدان التي تصيب الإنسان؟- تعتبر الديدان الطفيلية من أكثر الأمراض الطفيلية التي تصيب جسم الإنسان معتمدة عليه في نموها وغذائها.وبحسب تصنيف العلماء يوجد ثلاثة أنواع منها رئيسية تبعاً لأعضاء الجسم التي تتطفل عليها وهي:- الديدان المعوية التي تتطفل على الأمعاء.- الديدان الكبدية المهاجمة للكبد.- الديدان الدموية التي تعيش في الدم.ماذا عن تصنيف الديدان التي تتطفل على أمعاء الإنسان؟- الديدان المعوية بدورها تنقسم بحسب الشكل إلى ديدان مفلطحة وشريطية واسطوانية ومجتمعنا كسائر المجتمعات النامية زاخر بأنواع شتى من هذه الطفيليات فقلما نجد فيه أحداً لم يشك يوماً من إحدى هذه الطفيليات لاسيما وأن جزءاً منها بإمكانه العيش في الجسم لفترات طويلة قبل أن تحدث أعراضاً مرضية أو من دون أعراض مصاحبة بل ومن المألوف في مجتمعنا إصابة الشخص الواحد بأكثر من نوع في الوقت نفسه.[c1]الديدان الشائعة:[/c]ڈ ما أبرز الديدان المعوية الشائعة في مجتمعنا؟ وما مصدر العدوى والكيفية التي تتم بها؟- الديدان المعوية على اختلاف أنواعها ضمن مجموعة الأمراض التي تشيع في فصل الصيف فهي كثيراً ما تنشط هذه الأيام التي تعد الأنسب للعدوى والتكاثر للحفاظ على النوع ولن يتسع المجال لذكرها جميعاً إنما سأذكر نماذج منها شائعة تتسم بخطورة كبيرة إن لم يتم علاجها وفقاً للتصنيف العام.- الديدان الشريطية: تتميز بجسمها الشبيه بالشريط ورأسها الذي يحتوي على مصات أو خطاطيف لتساعدها على تثبيت نفسها على جدار الأمعاء بينما يتكون باقي الجسم من آلاف القطع اللسانية الشكل التي تحتوي كل منها على جهاز تكاثري وأكياس تحتوي البيوض.وغالباً لا يوجد منها في أمعاء المصاب سوى دودة واحدة فقط.هناك ما يسمى بالشريطية القزمية (الكلبية) وهي صغيرة الحجم خلافاً للدودة الشريطية البقرية الطويلة (تينا ساجيناتا) الشائعة في مجتمعنا والتي قد يتجاوز طولها العشرة أمتار.وطريقة انتقالها إلى الإنسان عن طريق أكل لحم البقر غير المطهو جيداً فعندما يكتمل نموها تنفصل عنها من نهايتها في كل مرة (10-3) قطع لسانية لتخرج مع البراز بل وقد يلاحظها المصاب حتى على ملابسه الداخلية حيث تخرج لاإراديا وعند وصولها إلى التربة تخرج البيوض لتبتلعها الماشية مع النباتات والحشائش ومن ثم تخترق الجهاز الهضمي للحيوان لتصل عبر الدم إلى العضلات. أما الإنسان فتنتقل إليه عن طريق أكل لحم البقر غير المطهو جيداً كما أسلفت وبالتالي كل ما تحتاج إليه ما بين (6-3 أشهر) حتى تصبح دودة بالغة في أمعاء المصاب وتبدأ بإنتاج البيوض.- الديدان الأسطوانية: أهمها (الإسكارس) التي تعد من أكبر الديدان الاسطوانية التي تصيب الإنسان فالذكر يبلغ طوله من (30-15 سم) بينما الأنثى أكبر حجماً يصل طولها من (35-20 سم).تحدث الإصابة بهذه الديدان عند تناول الإنسان أطعمة ملوثة ببيوضها وعند وصولها إلى الأمعاء يذوب غلاف البويضة فتنطلق اليرقات لتخترق جدار الأمعاء وتصل إلى مجرى الدم ومنه إلى الكبد حيث تستقر فيه لعدة أيام ثم تنطلق إلى القلب وبعده إلى الرئتين وهناك تخترق الشعرات الدموية لتصل إلى الحويصلات الهوائية فتدفعها الأهداب إلى البلعوم ويبتلعها المصاب مجدداً وفي الأمعاء تكمل نموها لتصل إلى طور البلوغ وطرح البيوض لتخرج بعد ذلك مع البراز.- الديدان الخيطية: تعيش الديدان البالغة منها بأعداد كبيرة في الأمعاء الدقيقة للإنسان وخاصة الاثنى عشر متعلقة بواسطة محافظها الفموية بالطبقة المخاطية المبطنة للأمعاء الدقيقة والتي تنهشها لتمتص كمية كبيرة من الدم لكي تتغذى عليه ومنها ما يسمى بديدان (الإنكلستوما) التي تعد الأكثر خطراً على الإنسان من الإسكارس بكثير وهي عبارة عن ديدان اسطوانية رمادية اللون يتراوح طولها من (1,5-1 سم) حيث تضع أنثاها في اليوم حوالي (30,000 بيضة) لتخرج مع البراز إلى التربة وبالتالي تتحرر اليرقة خلال (48 ساعة) ثم تتحرك في التربة حتى اليوم الخامس وبعد ذلك تتحول إلى ما يسمى اليرقانة (الفيلارية) التي تتميز بقدرتها على اختراق الجلد لاسيما الأجزاء الرقيقة كالتي بين أصابع القدم أثناء السير على تربة ملوثة باليرقات ويساعد ذلك بعض العادات السيئة كالسير بقدمين حافيتين والتبرز في الحقول وحول المنازل وما أن تتمكن من اختراق الجلد فإنها تصل إلى مجرى الدم ومنه إلى القلب والرئتين والحويصلات الهوائية وتبتلع من البلعوم لتصل إلى الاثنى عشر ولتلتصق بالطبقة المخاطية للأمعاء الدقيقة وتواصل نموها وصولاً إلى دودة بالغة تبدأ في طرح البيوض كل ذلك يستغرق مابين (6-3 أسابيع).ولهذا النوع من الديدان المعوية قدرة على العيش طويلاً داخل أمعاء الإنسان لمدة تصل إلى خمس سنوات.- الديدان الدبوسية: هي ديدان أسطوانية صغيرة طولها يتراوح من (12-3 مم) تصيب الأطفال بصفة خاصة. والإصابة بها تأتي من خلال تناول طعام أو شراب ملوث ببيوض هذه الدودة لدى وصولها إلى الأمعاء تبدأ بالنمو حيث تعيش الأطوار البالغة منها في القولون بينما تهاجر الأنثى إلى فتحة الشرج ليلاً لتضع بيوضها فيه. فيما يمكن رؤية الدودة على سطح الجلد أو البراز وعادة ما تتكرر الإصابة للإنسان نفسه من خلال تناول الطعام وهو ملوث ببيوض حملت بواسطة أصابعه أو تحت أظفاره لتسبب هذه الدودة حكة شديدة حول الشرج ليلاً وخاصة أثناء النوم ما يمهد لبيوض الديدان العلوق والالتصاق بسهولة بأصابع اليد وتحت الأظافر. [c1]تأثيرات مرضية [/c]- ما أوجه الخطورة لتلك الأنواع المعوية من الديدان- التي ذكرتها- على صحة الإنسان؟- التأثيرات المرضية وخطورتها تأتي تبعاً لنوع المرض الطفيلي فمثلاً ديدان (الإنكلستوما) لها تأثيرات مرضية عديدة كالتهابات الجلد لدى اختراق اليرقات للجلد الذي قد ينتج عنه إصابات بكتيرية ثانوية ونزف دموي موضعي ويمكن أن يؤدي مرور يرقاتها في الحويصلات الهوائية إلى حدوث تفاعلات حساسية وانسداد المجرى الهوائي.وفي الأمعاء تعمل الديدان الخطافية على تأكل وتمزق الخملات المعوية وتحدث بها نزيفاً تستفيد منه لتقوم بامتصاص الدم إذ تستهلك كل دودة يومياً مابين (0,65-0,15 ملليتر) من الدم. وعلى الرغم من ذلك يستطيع الإنسان تعويض ما فقده من دماء في حالات الإصابة الطفيلية بينما في الإصابة الشديدة وخاصة عند الأطفال قد يؤدي ذلك النزف إلى حدوث فقر الدم (الأنيميا) وما يترتب عليه من مضاعفات كما تؤثر هذه الديدان على نموهم الجسماني والعقلي وتزيد من قابليتهم للإصابة بأمراض عديدة. في حين إن للدودة الشريطية تأثيرات مرضية مغايرة أبرزها حدوث انسداد جزئي للأمعاء واضطرابات في عمليتي والامتصاص مما يؤدي إلى انتفاخ في البطن وخصوصاً لدى الأطفال وضعف المصاب وانخفاض وزنه وقابليته للإصابة بإمراض أخرى إلى جانب أنه قد تفرز الدودة إفرازات سمية لها آثار مرضية ذات تأثير سيئ على الجسم.وبالنسبة للديدان الدبوسية الشائعة عند الأطفال فمن مضارها على الصغار ضعف القدرة على التركيز والاستيعاب لما تسببه من حكة حول منطقة الشرج المؤدي إلى اضطراب النوم وعدم أحذ الطفل راحته الكاملة أثناء النوم.أما التأثير المرضي للإسكارس فيبدو جلياً أثناء مرحلة هجرة اليرقات في الحويصلات الهوائية محدثة حساسية وانسداداً للمجاري الهوائية ونزيفاً دموياً أو أنها تحدث إصابات ثانوية للرئة ببعض الأنواع البكتيرية.ولا تحدث الإصابات الطفيلية للديدان البالغة في الأمعاء أي تأثير يذكر على عكس الإصابات الشديدة والتي عادة تحدث للأطفال فقد تؤدي إلى نقص الوزن وسوء التغذية وفقدان المصاب للكثير من غذائه.ولوحظ لدى أطفال المدارس المصابين بالإسكارس أنهم- في الغالب- يكونون أقصر قامة وأقل قدرة على التركيز والحفظ وفي بعض الحالات بالإمكان أن يتسبب وجود هذه الديدان بأعداد كبيرة إلى انسداد الأمعاء مما قد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يسعف المريض لإزالة الديدان من أمعائه جراحياً أو من الممكن أن تهاجم القنوات الصفراوية والبنكرياس وتتسبب في انسدادها الأمر الذي يستدعي أيضاً تدخلاً جراحياً علاوة على ذلك أن النواتج الإخراجية للإسكارس تحدث آثاراً مرضية بالغة الخطورة.متطلبات المعالجة - ما الذي يلزم لنجاح المعالجة المضادة للديدان المعوية؟- يجب أن يوصف العلاج المناسب لنوع الطفيلي بالجرعة المناسبة لكل مريض على حدة والمعيار لتحديد حجم الجرعة يعتمد على العمر والوزن وتناولها يجب أن يتم في الموعد المحدد بالمدة التي أقرها الطبيب للعلاج أما تكرار الجرعة فمبني على تقدير الطبيب.ولتكون المعالجة ناجحة يجب أن تتم بشكل جماعي لأفراد أسرة المصاب إذ يلزم أخذ عينات برازية منهم في المختبر للتأكد من إصابتهم بنوع أو بأنواع الديدان المصاب بها أحد أفرادها وفي الوقت ذاته يجب عليهم الالتزام بالنظافة بكافة صورها نظافة شاملة للأفراد والأثاث وأدوات المنزل مع الحرص على قص الأظفار حتى يضمنوا مع المعالجة منع العدوى ووقفها تماماً.[c1]أهمية الوقاية[/c]- ما أهمية الأخذ بتدابير الوقاية في الحد من سطوة الديدان المعوية على الإنسان وتلافي خطورتها وخصوصاً لدى الأطفال باعتبارهم الفئة الأكثر إصابة بهذه الأمراض؟- بما أن الديدان الطفيلية من الأمراض المعدية فيمكن القول بأن عملية الوقاية منها تعتمد بصورة أساسية على تعريف المجتمع بأضرارها وكيفية الإصابة بها وطريقة انتقالها من مصاب لأخر ليسهل بذلك على المجتمع مواجهتها وتفادي عدواها بالوسائل الممكنة والمتاحة من جهة أخرى باعتبار أن الأطفال الشريحة الأكثر عرضة للإصابة بهذه الطفيليات فلا بد من حمايتهم والعمل على ذلك من خلال غرس مفاهيم الصحة العامة وتسليحهم بالمعرفة في البيت والمدرسة على حد سواء وتشجيعهم على الالتزام بقواعد النظافة الشخصية في الوقاية من معظم الأمراض الطفيلية وغيرها .. علينا أن نكون لهم القدوة الحسنة ليحذوا حذونا بتطبيق ونهج الممارسات الصحية الحسنة أمامهم كغسل اليدين قبل الأكل وبعده وبعد استخدام المرحاض وقص الأظفار الطويلة وعدم اطالتها وكذلك الحرص على غسل الخضروات والفواكه جيداً قبل تناولها مع عمل فحوصات دورية لأفراد الأسرة وسرعة عرض المصاب منهم على الطبيب ومتابعته حتى لا يشكل بؤرة عدوى لغيره.وأحذر من مغبة تناول الأطعمة المكونة من اللحوم غير المطهوة جيداً كتلك التي تباع في المطاعم ومحال إعداد الوجبات السريعة لاحتمال احتوائها على يرقات الدودة الشريطية وكذا تجنب أكل الخضروات والسلطات غير المغسولة جيداً بعناية لما قد تحتويه من بيوض للعديد من الطفيليات.ولا ننسى دور الأجهزة الصحية والرقابية مذكرين هذه الجهات بضرورة كسرها حاجز الصمت من خلال الحرص الدؤوب على القيام بعمليات التفتيش الدورية لمحال ذبح وبيع اللحوم، والتأكد من سلامة اللحوم فيها من الأمراض ومدى صلاحيتها للاستخدام الآدمي، وفرض عقوبات صارمة على كل من يقوم بالذبح خارج الأماكن المخصصة (المسالخ).ويجب التنويه إلى خطورة استخدام المياه التي قد استخدمت في المساجد وبرك السباحة، وذلك لعملية ري المزارع و (المقاشم) باعتبارها مياهاً ملوثة يمكن أن تحوي الكثير من الطفيليات.فضلاً عن أن استهلاك تلك الخضروات لا يصاحبه في الغالب غسل جيد أو طهي.[c1]- المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان[/c]