وتشير الحقائق إلى أن عدد المقيمين في الدول الأجنبية كان أعلى مما تفصح عنه هذه الأرقام، وذلك لأن الهجرة المؤقتة على وجه الخصوص لا قدرة للأساليب الإحصائية، السائدة، على رصدها بنحو دقيق. ويبلغ عدد الأجانب المقيمين بشكل رسمي في دول الاتحاد الأوربي الموسع، أي الذي صار يضم العديد من دول أوروبا الشرقية، ما يقرب من 22 مليون نسمة (علماً بأن هذا الرقم لا يشتمل على أولئك الأجانب المولودين في دولة أجنبية لكنهم حصلوا على جنسية إحدى دول الاتحاد بعد نزوحهم إليها).وليس ثمة شك في أن هذا الرقم لا يوضح الحقيقة بالكامل، فإلي جانب هؤلاء المقيمين بنحو شرعي، هناك ملايين عديدة من المهاجرين تقيم في دول الاتحاد بصورة "غير شرعية". ومن الأهمية بمكان الإشارة هاهنا إلى أن 6 ملايين، أي ما يقرب من ربع عدد الأجانب المقيمين في الاتحاد الأوربي بنحو شرعي، هم من مواطني إحدى دول الاتحاد الأوربي الأخرى.هذا في حين تتراوح نسبة المهاجرين سنوياً من إحدى دول الاتحاد الأوربي أو من دول المنطقة الأوربية للتجارة الحرة إلى دولة أخرى من دول الاتحاد أو المنطقة الأوربية المذكورة آنفاً ما بين 50 بالمائة (بالنسبة لبلجيكا وسويسرا) و30 بالمائة (بالنسبة لإسبانيا) وما يقرب من 20 بالمائة (بالنسبة للنمسا وألمانيا وهولندا) وحوالي 10 بالمائة (بالنسبة للبرتغال وفنلندا)؛ ومنذ عام 1980 باتت كل من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا واليونان وسويسرا تسجل، نسبياً، أعلى معدلات للنمو.وأمست كل من أيرلندا وفنلندا وجمهورية التشيك دولاً جديدة في مسرح الهجرة. وبنحو رئيسي يأتي المهاجرون إما من دول الجوار المباشر أو من المستعمرات سابقاً أو من الدول المتسمة بتوافرها على الأيدي العاملة الفائضة عن الحاجة أو من بعض الدول الأوروبية ذات الرفاهية الاقتصادية المتدنية نسبياً.ولعل علاقات الهجرة القائمة بين ألمانيا وبولندا، وبين بلجيكا وهولندا، وبين هولندا وبريطانيا، وبين إيطاليا وألبانيا، وبين إسبانيا والمغرب، وبين فنلندا وروسيا، وبين بريطانيا والهند وأخيراً وليس آخراً بين البرتغال وأنغولا خيرُ مثالٍ على علاقات الهجرة الثنائية القائمة بين هذا البلد وذاك. ومنذ أواخر ثمانينات القرن العشرين بات المهاجرون يأتون من دول ما كان المرء العادي في أوروبا قد رأى مواطنيها من قبلُ، أعني مهاجرين قادمين من مولدافيا وسري لانكا وأفغانستان والعراق وسيراليون والأكوادور والصين.وما هذا إلا الحصيلة التي أفرزها الفرار من الجور وعمليات التشريد والتهجير، وسقوط الستار الحديدي في أوروبا الشرقية وأخيراً وليس آخراً التصدعات الاجتماعية التي عمت الكثير من بلدان العالم بفعل تطبيقها السياسات الليبرالية المحدثة. ومن حين لآخر يطلق البعض على حركة التنقل هذه مصطلح "الهجرة الجديدة".والجدير بالذكر هو أن غالبية المتنقلين عبر الحدود الدولية يأتون من تركيا والمغرب والجزائر، ومن إيطاليا والبرتغال وألمانيا أيضاً. إلا أن بريطانيا وهولندا والدانمارك تعتبر من جملة البلدان التي يهاجر الكثير من سكانها. وفي حين يقطن 4,7 مليون إسباني في العالم الأجنبي، يقيم في إسبانيا نفسها أجانب يتراوح عددهم ما بين مليون ومليونين.وإذا كان ما يزيد على ثلاثة مليون تركي يقيمون في بلدان أجنبية، تأوي تركيا ذاتها مهاجرين يزيد عددهم على المليون. يتبين لنا من هذه الوقائع أن الدول المهمة، من حيث عدد المهاجرين إليها، قد أمست، في كثير من الحالات، دولاً مهمة من حيث عدد المهاجرين منها أيضاً؛ والعكس بالعكس صحيح أيضاً طبعاً.لقد نشأت أسواق للعمل عالمية الأبعاد وذات بنية تحتية خاصة بها؛ فهذه الأسواق لا تتوافر، فقط، على مكاتب للسمسرة بقوى العمل، بل تستخدم أيضاً شبكة الإنترنت بغية التوسط بين الطلب والعرض الخاصين، على سبيل المثال لا الحصر، بخبراء تكنولوجيا المعلومات وبالممرضات المؤهلات للعناية بالمرضى والمقعدين والعجزة وبقوى العمل القادرة على الخدمة في الأعمال المنزلية.وأوروبا جزء من سوق العمل هذه، فمن خلالها تحصل أوروبا على ممرضات قادمات من جنوب أفريقيا وعاملات في المنازل جئن من الفلبين وعلى مبرمجي برامج الكمبيوتر الهنود. والملاحظ هو أن الهجرة المؤقتة لأغراض العمل، أعني، على سبيل المثال، هجرة الأيدي العاملة الراغبة في العمل على مدار موسم معين، قد صارت، منذ نهاية تسعينات القرن العشرين، في تزايد مستمر في العديد من الدول الأوربية (وفي ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وسويسرا وإسبانيا على وجه الخصوص).ففي عام 2001 بلغ عدد هؤلاء العاملين ما يقرب من 700 ألف. وأمسى بعض الباحثين والمؤلفين يتحدث، في هذا السياق، عن "العمال الضيوف الجدد" في إشارة منهم إلى العمال الذين جاءوا إلى أوروبا في سبعينات القرن العشرين. وبرغم انضمام بعض بلدان أوروبا الشرقية إلى حظيرة الاتحاد الأوربي، لم تندلع حركة تنقل كبيرة حتى هذا الحين. فعلى سبيل المثال لم يزد عدد الأوربيين الشرقيين الداخلين إلى بريطانيا، هذه الدولة التي تعتبر هي وايرلندا الدولتين الوحيدتين في الاتحاد الأوروبي اللتين لا وجود فيهما لآي عقبات تحد من حرية انتقال (مواطني دول أوروبا الشرقية إليهما، المترجم)، على حوالي 120 ألف مواطن فقط.وحدث هذا بالرغم من أن بريطانيا كانت سترحب بهم بناء على حاجتها الماسة لقوى العمل. ويبلغ عدد الطلبة الأجانب الذين يدرسون في أوروبا حوالي 834 ألف (بما في ذلك أولئك الطلبة من الأصول الأجنبية الذين استوطنوا في ألمانيا)؛ علماً بأن ما يقرب من نصف الطلبة الذين يدرسون في أوروبا هم من مواطني إحدى الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الدولي.ويعيش ويعمل في أوروبا ما بين 4,5 مليون و 7,5 مليون مهاجر بصورة غير شرعية. إلا أن كثيراً من هؤلاء يعملون في المواسم أو يتنقلون ذهاباً وإياباً عبر الحدود الدولية. وعمليات الطرد والإبعاد، التي هي صيغة من صيغ الهجرة الإجبارية عملياً، ليست سوى الوجه الآخر للهجرة غير الشرعية.ويُقدر عدد الأفراد الذين يتم طردهم من دول الاتحاد الأوربي سنوياً بحوالي 400 ألف؛ وكانت ألمانيا بمفردها قد طردت منذ عام 1990 ما يزيد على 800 ألف فرد. بناء على هذا كله فمن المحتمل جداً أن يتفوق، بنحو جوهري، عدد أولئك الذين تضطرهم عمليات الطرد والإبعاد الإجبارية على الرحيل بصورة "اختيارية" على عدد المبعدين.ومهما كان الحال، فبالنسبة لأوروبا أيضاً يمكن القول: الهجرة لا تعني الهجرة من دولة إلى أخرى فقط، ولا الهجرة من إقليم إلى إقليم آخر فحسب، بل هي تعني أيضاً، وفي كثير من الحالات، مد الجسور بين هذه الدول والأقاليم أيضاً؛ كأن تمد جسراً بين منطقة الرور في ألمانيا وزونغولداق (Zonguldak) في تركيا، بين براتو (Prato) في الهند وزيهجيانغ (Zhejiang) في الصين، بين بريدفورد في بريطانيا وميربور في الهند. فروتردام وبرشلونه، وبراغ واستنبول، إن هذه المدن أمست حظائر متنامية ومراكز تأوي ثقافات العالم المختلفة؛ وليس ثمة شك في أن المرء لن يفلح في تفسير النمو الاقتصادي العظيم الذي تمر به لندن حالياً، فيما لو تجاهل أن 45 بالمائة من سكانها هم من المهاجرين.وبالنسبة لألمانيا فإن من المتوقع أن يصل عدد الأفراد المتنقلين محلياُ أو عبر الحدود الدولية في العشر سنوات القادمة إلى ما يقرب من 40 مليون فرد، أو ما يعادل 50 بالمائة من حجم السكان؛ أما بالنسبة لبريطانيا فإن التوقعات تشير إلى أن هذه النسبة ستبلغ 10 بالمائة. من ناحية أخرى هناك دولة مشاركة في الاتحاد الأوربي لا يزيد عدد القاطنين فيها على 1,6 بالمائة من مجمل سكان الاتحاد.ومهما كان الحال، الحقيقة البينة هي أن المواطنين الأوربيين كثيري التنقل والسياحة في أصقاع المعمورة، وتبقى هذه الحقيقة قائمة حتى وإن أكدنا على أن هؤلاء المواطنين لا يحبذون عادة الانتقال من مدينة أو دولة إلى مدينة أو دولة أخرى في داخل الاتحاد الأوربي.إلا أن تشبث مواطني الاتحاد الأوربي بمواصلة السكنى بمكان إقامتهم في داخل الاتحاد الأوربي، يتم تعويضه من خلال الهجرة الدولية في الواقع. من ناحية أخرى جرت العادة على الاعتقاد بأن المهاجرين هم من الشباب الذكور أصلاً.إلا أن الحالة تغيرت في الآونة الأخيرة تغيراً ملحوظاً، فقد صار المرء يتحدث عن "الهجرة النسائية". ويعود الارتفاع الحاصل في عدد النساء المهاجرات إلى نمو الطلب على المهن التي تؤديها النساء عادة، أعني العمل لدى العائلات أو في مجال التمريض والعناية بالمقعدين والعجزة.وكيفما اتفق فإن الوقائع التاريخية تشهد على أن الهجرة النسوية ليست ظاهرةً جديدةً. إن هجرة الأيدي العاملة عقب الحرب العالمية الثانية هي التي ولدت الاعتقاد بأن الهجرة النسائية ظاهرة جديدة؛ فهذه الأيدي العاملة كانت من جنس الذكور في أغلب الحالات. إلا أن الأمر الذي تتعين ملاحظته هو أن هذه الهجرة الرجالية كانت حالة استثنائية وليس قاعدة عامة تسري على كل الحقب والأزمنة.كما لا يجوز الاعتقاد بأن الشباب فقط هم الذين يهاجرون. فعدد أولئك الذين تهفو قلوبهم للإقامة في العالم الأجنبي بعد بلوغهم سن التقاعد والإحالة على المعاش في تزايد مستمر. فعدد الأوربيين الشماليين القاطنين في إسبانيا صار يقدر بمئات الآلاف. كما غدت تركيا ومالطا وقبرص هدفاً يصبو إليه المحالون على المعاش والمهاجرون الراغبون بالتمتع بأشعة الشمس.ومع أن الدراسات الخاصة بالآثار الاقتصادية الناجمة عن الهجرة لا تزال ضئيلة العدد، إلا أن هذه الدراسات استطاعت، مع هذا، التأكيد على أن الهجرة تولد النمو وتعزز الصناعة والتجارة والمهن الحرفية. فعدد فرص العمل التي تخلقها الهجرة يفوق النمو الحاصل في عدد الأيدي العاملة.[c1]الهجرة وردود الفعل السياسية عليها[/c]لقد غير التكامل الأوربي خصائص الهجرة بنحو شديد، فبعض من الهجرة الدولية، أي الهجرة من دولة إلى دولة أخرى، صار تنقلاً داخلياً في إطار نظام سياسي موحد، أعني الاتحاد الأوربي. فتلك الملايين من الناس، التي جاءت، من بولونيا وليتوانيا على سبيل المثال، وكانت حتى الفاتح من أيار/مايو من عام 2004 أجانب مقيمين إقامة غير شرعية، ستصبح، بدءاً من عام 2011 على أدنى تقدير، من جملة مواطني الاتحاد الأوروبي.ويزيح تحول العلاقة البينية السائدة بين الدول الستار عن ماهية التوترات الممكن نشوبها حينما لا تتطابق مناطق الهجرة مع المناطق السياسية. إن توسع الاتحاد الأوربي من جراء انضمام بعض بلدان أوروبا الشرقية إليه قد أنهى بعضاً من سوء التنسيق وعدم التناسب. إلا أن هذه الحقيقة لا يجوز أن تحجب عنا حقيقة مفادها أن مناطق الهجرة إلى أوروبا أبعد مدى، فهي تمتد من روسيا والقوقاز وتصل، مروراً بالشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، إلى المغرب.ولار ريب في أن هذا التباين والتنوع الشديد سيواصل فرز نتائج عرقية وخيمة الأبعاد، نتائج من قبيل التمييز في معاملة أولئك المنتمين إلى النظام السياسي (أي الاتحاد الأوربي، المترجم) مقارنة بأولئك الذين لا ينتمون إلى النظام السياسي المعني. وليس ثمة شك في أن التمييز بين المهاجرين المرغوب بهم والمهاجرين غير المرغوب بهم انطلاقاً من معايير عرقية واقتصادية لا يقل ريبة عن التمييز بين الأفراد المهاجرين انطلاقاً من مدى انتمائهم أو عدم انتمائهم إلى النظام السياسي.أضف إلى هذا أن التكامل العالمي على وجه الخصوص قد أمسى ينطوي على تناقض بين. فتحرير انتقال المال والبضائع والمعلومات من القيود يتزامن مع وجود قيود صارمة على حرية تنقل الأفراد بين الدول. فاقتداءً بالتدابير المتخذة من قبل "نادي الأغنياء"، أعني مجموعة الدول المنضوية تحت راية منظمة التنمية والتعاون الدولي، أخذ يتبلور نظام رقابة متطور ومتعدد الجوانب حول أوروبا يراد منه حمايتها من دخول المهاجرين غير المرغوب بهم إليها؛ إنه نظام رقابة مخصص لأوروبا ومفصل بناء على حاجتها في المقام الأول.فهذا النظام القائم على اتفاقيات تجارية وسياسات تنموية واتفاقيات لإعادة المهاجرين غير المرغوب بهم إلى أوطانهم الأم، يتسع ليمد ذراعيه إلى هونج كونج والقوقاز والشرق الأوسط وغرب أفريقيا.ولعل المخيمات التي مولها الاتحاد الأوربي أو يخطط لإنشائها من أوكرانيا وحتى ليبيا بغية حصر المهاجرين فيها وشل حركة تنقلهم خيرُ مثالٍ على صرامة وفاعلية نظام الرقابة هذا. إلا أن هذه التدابير لم تؤد إلى تراجع عمليات الهجرة، بل هي أدت، منذ ثمانينات القرن العشرين، إلى تزايد إسباغ اللاشرعية على عمليات الهجرة.وهكذا دفع آلاف من بني البشر حياتهم ثمناً تقاضته منهم القيود والمعوقات المتخذة حديثاً للحيلولة دون وصولهم إلى أوروبا. وتحت مسميات من قبيل "إدارة الهجرة وتنظيمها" صار المرء يناقش حالياً التناقضات الصارخة القائمة بين المتطلبات الاقتصادية والظروف السياسية والتطلعات الإنسانية. فالبعض يريد من سياسة "إدارة الهجرة وتنظيمها" أن تكون أداة مبطنة لفرض المزيد من القيود ولتطبيق أساليب انتقائية أفضل؛ وهناك آخرون يريدون من سياسة إدارة الهجرة أن تكون محاولة لحل التناقضات السائدة بين العناصر الثلاثة المذكورة آنفاً ووسيلة لانتهاج سياسة هجرة مستديمة تراعي تطلعات كل الأطراف.ومهما كان الحال، فالملاحظ هو أن كل الدول الأوربية تقريباً - وألمانيا هي الحالة الاستثنائية هاهنا - قد أضفت الشرعية على المقيمين فيها بصورة غير شرعية واتخذت التدابير لدخول المهاجرين إليها عبر قنوات شرعية.من ناحية أخرى نجم عن القيود على الهجرة والبطالة السائدتين في شمال (أوروبا، المترجم)، والنمو الاقتصادي والرقابة الحكومية الهينة في جنوب أوروبا، تحول، ملحوظ إلى حد ما، في الاتجاهات التي تسلكها الهجرة وفي عدم تركزها على دول قليلة العدد؛ فالمهاجرون صاروا يتوزعون على بلدان أكثر عدداً.ولن نبالغ كثيراً إذا قلنا أن ثمة منافسة شديدة بين الدول لاستقطاب "أرقى العقول والتخصصات"، أعني أن بعض هذه الدول صار يتطلع إلى استقطاب خبراء تكنولوجيا المعلومات، والمتدربات على العناية بالعجزة والمقعدين والمتخصصين بالمهن الطبية وما سوى ذلك من خبراء تحتاجهم هذه الدول.ويرسل المسرح السياسي إشارات مختلفة، لا بل ومتناقضة في أكثر الأحيان. فانطلاقاً من إمكانيات النمو المتاحة تتطلع بعض الدول، كبريطانيا وإسبانيا في المقام الأول، إلى هجرة متزايدة.أما في فرنسا فإن التبرير المستخدم ينطلق، من حين لآخر، من ارتفاع نسبة الشيوخ في الهرم السكاني ومن تراجع عدد السكان، مؤكداً على أن مواجهة هذا كله يتطلب المزيد من الهجرة. لكن هناك دولاً أخرى، من قبيل الدانمارك وهولندا، تحاول بكل جهدها الحيلولة دون الهجرة.أما ألمانيا فإنها تستخدم، منذ كثير من السنين، خطاباً معادياً للهجرة، وإن كانت تسجل، في ذات الوقت، أعلى معدلات للهجرة. وكيفما اتفق، فإن دولاً ضئيلة العدد فقط استطاعت حتى الآن أن تجد الحل الناجع للتناقضات القائمة بين السماح بالهجرة لأسباب اقتصادية وديموغرافية، أي سكانية، والحيلولة دون الهجرة لأسباب تتأتى من التعريف النظري لماهية الدولة وتنبع من المشاعر القومية أو العرقية.وتتطلع ألمانيا إلى هجرة ذات خصائص عرقية معينة: إلى المهاجرين من ذوي الأصول العرقية الألمانية النازحين إليها من أوروبا الشرقية (Aussiedler). أما إسبانيا فإنها تنظر بعين العطف على المهاجرين القادمين إليها من مستعمراتها السابقة (أمريكا الجنوبية)؛ وتسوغ بريطانيا الهجرة من خلال المنطق الاقتصادي.وتكاد أن تجمع كافة الدول الأوربية على انتهاج حزمة مختلطة تضم احتواء هجرة اللاجئين ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتوسيع رقعة الهجرة الشرعية، خاصة حينما ترتبط هذه الهجرة بإقامة مؤقتة لأغراض العمل وكسب القوت؛ وتضع كثير من الدول العقبات دون منح الإقامة الدائمة ودون التحاق أفراد الأسرة بمعيلها المقيم في البلد المعني. فالمرء بات يرى في استيطان ما يسمى "بالعمال الضيوف" في سبعينات القرن العشرين حدثاً سلبياً لا يجوز تكراره.ومن وجهة النظر القانونية ثمة ثلاث مجموعات من المهاجرين ينبغي التمييز بينها: طليعة المثقفين والخبراء الذين يكادون ألا يواجهوا أية عقبات تذكر أو إجحاف اجتماعي ملموس، وجمهور العمال الذين يؤدون أعمالاً موسمية في أغلب الحالات (علماً بأن حقوقهم محدودة بنحو شديد وشروط عملهم سيئة بنحو واضح وملموس وأنهم غالباً ما يعانون من وطأة البطالة ومن سوء ظروفهم السكنية والمعيشية)، وأخيراً وليس آخراً هناك مجموعة المهاجرين الذين تحتاجهم سوق العمل، لكنهم، مع هذا، يُعاملون، سياسياً، كمجموعة إقامتها "غير شرعية" وبالتالي فإنهم لا يتمتعون بأية حقوق.من هنا لا عجب أن يغض المرء الطرف حتى عن الحقوق المعترف لهم بها؛ فألمانيا وبريطانيا على سبيل المثال يطبقان بنحو محدود فقط أحكام "وثيقة الأمم المتحدة لحقوق الأطفال" على أطفال المهاجرين. أضف إلى هذا أنه ليست هناك دولة واحدة من دول أوروبا الغربية قد وقعت لحد الآن على "وثيقة الأمم المتحدة لحماية حقوق المهاجرين وعائلاتهم". بهذا، فمع أن الهجرة قد غدت واقعاً اجتماعياً بيناً للعيان، إلا أنه يكاد ألا يوجد أي تعامل سياسي منصف مع المهاجرين.[c1]تدفق الفقراء إلى أوربا يدعو روبرت نويدك، مؤسس منظمة كاب أنامور الإغاثية الألمانية، الأوربيين إلى التعامل مع مسألة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوربا بمسؤولية أكبر ويحثهم على التعاون مع بعض الدول الإفريقية.
الهـجرة (2-3)
أخبار متعلقة