المشايخ تحولوا إلى (سولو) واختفت البطانات:
القاهرة /14اكتوبر/ وليد محمود : فن الإنشاد الديني أحد الفنون التي ظهرت منذ عصر المصريين القدماء وحتي ما قبل الإسلام وزاد انتشاره علي أيدي المتصوفة ولكن يؤكد عديد من المنشدين والمبتهلين أن هذا الفن الجميل بدأ نجمه في الأفول والاختفاء تدريجيا وأصبح علي وشك الاندثار.كما أشاروا إلى أن هناك أجيالا جديدة لا تعرف ما المعني الحقيقي لفن الإنشاد الديني؟ وأن هناك مشاكل تواجه هذا الفن الملتزم بالإضافة لتحول المنشدين إلى مبتهلين فرديين مما أدي لاختفاء «الجوقة» أو كما يسمونها «البطانة» التي تردد مع المنشد ما يقول ورغم أن الإذاعة كانت سببا في وصول صوت النقشبندي وغيره للعالم الإسلامي وأدي ذلك لشهرة المنشدين المصريين فإن المغرب وسوريا وحتي روسيا بدأوا في سحب البساط من تحت أقدام المنشدين المصريين الذين يطالبون بنقابة خاصة بهم.الشيخ محمد الهلباوي رئيس فرقة الإنشاد بالأوبرا المصرية يشير إلى تعدد أنواع هذا الفن ما بين الابتهال والإنشاد والتواشيح والموشحات، أما الابتهال فهو ارتجال حر للمنشد المنفرد، والإنشاد لقصائد كبار المتصوفة وأشعار الإمام البرعي حيث يقوم المنشد بقول القصيدة كاملة مع قيام المنشدين التابعين له في البطانة بالرد عليه ببيت واحد محدد بإيقاع ثابت، أما التواشيح فهي عبارة عن لحن متفق عليه بين المنشد وبطانته والإبداع فيها يكون من خلال الانتقال بين المقامات الموسيقية إلى جانب استخدام الدف والكولة وغيرهما من الآلات المستخدمة مع المنشد الديني، وتعتبر الموشحات فناً أندلسياً الأصل أساسها الغزل والحب العذري وقد حولها المنشدون إلى غناء ديني مثل الشيخ إبراهيم المسلوب من خلال إحداث تلاحق نغمي لا ينتهي إلابانتهاء القصيدة.ويؤكد الهلباوي أن فن الإنشاد الديني من أعرق الفنون وأقدمها حيث ظهر لدي المصريين القدماء ثم انتقل إلى القبط واستمر تواصله حتى ظهر في الإسلام فاستخدمه المسلمون من أهل المدينة في استقبالهم للرسول «صلى الله عليه وسلم مرددين «طلع البدر علينا» كما اعتمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الترويح عن المسلمين والتسرية عليهم أثناء حفر الخندق بكلام عبد الله بن رواحه: «اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا.. فأنزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا» موضحا أنه بعد ذلك أخذ فن الإنشاد في الانتشار والتوسع في ألوانه من خلال المتصوفين ثم مدرسة المشايخ علي يد الصفتي وزكريا أحمد وعلي محمود وسلامة حجازي الذين اعتمدوا علي أنفسهم في تأليف الألحان من جانبهم.ويؤكد الشيخ حسن قاسم «مبتهل» أنه يشعر بالحزن علي فن الإنشاد الديني الآن وتحولهم جميعا إلي مبتهلين منفردين «سولو» بعدما كانوا يغنون التواشيح بالبطانات .ويشير إلى أهمية دور إذاعة القرآن الكريم تجاه هذا الفن والتي لولاها لاختفي ولم يعد له وجود خاصة مع اختلاف الأوضاع فلم يعد هناك تنافس ولا تجديد ولا ابتكار ومجرد الاعتماد علي ترديد الأشعار الموجودة فقط، وإذا وجدت منافسة فلا تخرج عن كونها منافسة في الصوت والكلمات والأشعار وغيرها وساعد علي ذلك تراجع الثقافة الدينية بين الأجيال الجديدة الناشئة.[c1]حب الله والنبي[/c]ويوضح الشيخ علي النكلاوي المبتهل بالإذاعة والتليفزيون أن فن الابتهال والشعر الديني والمدائح الدينية موجودة منذ عهد النبي «صلي الله عليه وسلم» ولقد لقب حسان بن ثابت بـ«شاعر الرسول» موضحا أنه قد تتحدث المدائح عن الغزل والحب ويقصد به حب الله عز وجل والنبي. ويضيف النكلاوي أن المدائح والابتهالات استمرت منذ عهد الرسول حتى الآن فيتغني بها الناس في احتفالهم بالهجرة والإسراء والمعراج والنصف من شعبان حتي في الأفراح، فيستضيف بعض الناس المشايخ ليرددوا الابتهالات ومدائح الرسول صلىالله عليه وسلم تبركا بذكر الله ورسوله وقد كان الزواج آنذاك يأتي بثمرات طيبة وبركة في الأبناء والذرية لأنه بدأ بالصلاة علي الرسول والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى.وأكد أن البعض حتى الآن لا يزال يتمسك بإحياء أفراحه بالابتهالات والإنشاد وأن الفضل في الحفاظ علي هذا الفن متماسكا حتى الآن يرجع إلى إذاعة القرآن الكريم، ونأمل أن تكون هناك فرصة لإنشاء نقابة خاصة بالابتهالات والمدائح النبوية تحاكي نقابة القراء من خلال الشيخ أبو العينين شعيشع حتى يمكنه الحفاظ على فن الإنشاد الديني من الاختفاء والاندثار بالإضافة إلى زيادة جرعة الابتهالات من خلال إذاعة القرآن الكريم والإذاعات الأخري خاصة التليفزيون.وأضاف أحمد الكحلاوي رئيس الفرقة القومية للإنشاد الديني بالأوبرا - أن فن الإنشاد والغناء بخاصة الديني يقوم بغرس القيم والتذكير بالماضي العتيد بجانب أن هذا الفن قد امتاز بعدة خصائص تبين ملامحه ومن بينها أنه فن ملتزم وله مبادئ وأخلاقيات يسير في إطارها فلا يستدرج لمحرم حتى ولو كان ما يعجب الجمهور يجذبه كما في كثير من وسائل الفن غير المنضبط بضوابط الشرع، كما امتاز بالانفتاح سواء في الانفتاح من حيث تكوين الفرقة أم عرض الموضوعات، فلم يقف موقف التضييق من قضايا يجد فيها المسلمون اليوم حرجاً شديدا في طرحها.بالإضافة أنه فن واقعي لم يحلق بالناس في أجواء خيالية لا تمت إلى واقعهم بصلة وأنه يجمع بين أصالة الفكر وبين معاصرة الوسائل والأدوات ولم يقف عند حدود القديم مهملا الحديث ومستجداته فيكون بذلك محنطا لا يصلح لمثل هذا الزمان. ويضيف : عندما جاء القرن العشرين وفي بداياته أصبح للإنشاد الديني والتواشيح أهمية كبري حيث تصدي لهذا اللون من الغناء كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية والمناسبات الدينية بصوت ندي يجمع المئات بل الآلاف من عشاق هذا الفن حوله وتطورت قوالبه وأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجد الدين الحنيف.ولكن في الفترة الأخيرة أصبح الإنشاد في مصر في بدايته للانقراض بعكس الدول العربية الأخري التي بدأت بدورها تسحب البساط من تحت أقدام المصريين، ففي المغرب الآن يوجد ما يربو على 51 فرقة إنشاد، وفي سوريا يتجاوز العدد 20 فرقة، وحتي دولة روسيا أصبح لديها 30 فرقة فضلا عن وجود مدارس للإنشاد الديني هناك في الوقت الذي لايوجد فيه بمصر مدرسة واحدة لهذا النوع من الفن تعلم الشباب الثقافة الفنية الأصيلة.