لا أحد يجادل، وهو في تمام عقله، بأن ما شهدناه على مسرح السياسة الكويتية مؤخرا هو ما يريده ويستحقه الشعب الكويتي من تفعيل العمل الديمقراطي. لم يشهد العمل السياسي، منذ أن تبنّت شعوب أشكالا من الممارسة الديمقراطية، أن عددا من الأشخاص يقدمون استجوابا على طريقة الاستعراض التمثيلي، بتسليم وثائقه للشخص المختص والتقاط الصور معه بابتسامات عريضة. لا يوجد هذا لا في الشرق الأقصى ولا في الغرب ولا في الجوار، هي بدعة سياسية خاصة بنا. كما لا يوجد ما يسمى ببروفة للاستجواب أيضا، لا في الشرق ولا في الغرب، كما لم يحدث أن هُدِّد وزير باستجواب لأن مواطنا أراد أن يمارس حرياته، كما حدث في تهديد استجواب وزير الإعلام لأن مواطنة بكامل حريتها أرادت أن تشترك في برنامج تلفزيوني، ستار أكاديمي! ذلك مناف لأبسط قواعد الديمقراطية، وهي الحريات الشخصية، التي هي أصل في الديمقراطية. لم يحدث هذا أبدا في أي بقعة من العالم لديها شيء من الممارسة الديمقراطية. كما لم يحدث في أية ديمقراطية أن هُدِّد موظف عام بعواقب الأمور فقط لأنه طبق القانون الذي ارتضته الدولة، كما في لجنة إزالة المباني والمنشآت غير المرخّصة. كما لم يحدث أيضا في أية ديمقراطية أن تتخذ الأغلبية قرارا في مجلس منتخب، فتقرر الأقلية أنه لا ينسجم مع رؤاها، فتقوم باستخدام الاستجواب من أجل تعطيل القرار أو الثأر السياسي. ولم يحدث في أية ديمقراطية أن نال التجريح والتخوين أشخاصا منتخبين من الشعب من زملاء لهم عن طريق البحث في خلفياتهم وانتماءاتهم وأصولهم، بل وفي نيّاتهم المخبأة أيضا. الاستجواب والأسئلة والحوار، وآليات الديمقراطية المختلفة، هي رخص تحقق أهدافا عامة. وكغيرها من الرخص، إن استخدمت بتعسّف ومن أجل تحقيق غرض خاص أو جزئي، جاءت بعكس ما أُريد لها، نكبة على المجتمع وتضييعا لحقوقه وتعطيلا لآماله. ينتخب الناس ممثلين لهم في مجتمع متنوع، كالكويت، من أجل أن يقوم هؤلاء بحل المشكلات التي تواجه المجتمع عن طريق الحوار ومقارعة الرأي بالرأي، والوصول في النهاية إلى مشترك عام يحقق مصالح الأغلبية ويحقق الانسجام الاجتماعي. ولا ينتخب الناس أشخاصا يصدّرون الصراع من المجلس المنتخب إلى الشارع عن طريق التأجيج وتعميق التمايز والتجريح بل والتخوين والتكفير والتشكيك، كل ذلك خلل في الفهم، وخلل في الوعي، وخلل في الممارسة، ما أوصلنا إلى مرحلة تكاد تشبه المكارثية في التعامل السياسي بيننا حتى ضج الجمهور الواعي من هكذا ممارسات. الدولة هي جوهر العمل السياسي، فتعزيز المواطنة، وإشاعة احترام القانون، وتأكيد القيم العامة في المجتمع، هي جوهر العمل الديمقراطي المؤدي إلى تذليل العقبات أمام الناس وإسعادهم وإشاعة التسامح بين المواطنين، في هذا التنوّع المصلحي المختلف بالضرورة، معاناة ممارستنا للديمقراطية. إن هناك أفرادا قلائل أو مجموعات صغيرة تريد أن تنفي الآخر وتهمّشه، وكأنها تملك الحقيقة النهائية والقطعية والمطلقة في كل الأمور. كل المحاسن لديها، وكل الرذائل عند الآخرين، متجاوزة حرية الإرادة وسلطان العقل عند الآخرين كي يتّبعوا هواها الذي تُزيّن له في أثواب سياسية زاهية. تطلق الاتهامات على عواهنها، وترجم بالغيب، حتى أصبح لدينا ما يمكن تسميته بالديمقراطية الحرون على التنمية، أو المنافية للتنمية. والتنمية ليست هدفا سياسيا فقط، بل هي قضية أمن وطني، إن انتفت تفاقمت المشكلات وتخلف الركب واحتدم الصراع. لنتوافق على أن الوطن ليس متاعاً أو مشاعاً، إنه مساحة من الجغرافيا والتاريخ والعيش المشترك، والديمقراطية هي وسيلة تنقل هذا المجتمع من حال التنوع إلى حال الانسجام، أما تهميش الآخر المختلف في الرأي، وإلغاؤه وشطبه، فقط لأن له رأياً آخر مختلفا، فهو مناقض لمبادئ وروح الديمقراطية، ونحمد الله أن هناك اليوم في الشارع الكويتي من يستطيع أن يفرّق بين الخبيث والطيب، وأصبح له صوت فعّال. هذا الشارع مطالب اليوم، قبل أي يوم آخر، بأن يعبّر عن رأيه، فلن نغيّر من ممارستنا للعمل السياسي إلا إن غيرنا في أنفسنا، فهل نحن فاعلون؟ [c1]* رئيس تحريرصحيفة (أوان) الكويتية [/c]
|
فكر
فوضى الممارسة
أخبار متعلقة