قصة قصيرة
أزعم أن تاريخ البشرية سيظل قاصراً، لو أن الشعراءٌوالقاصة والمؤرخين وغيرهم.. حجبوا الحب عن الظهور، في الأفئدة، والقلوب المرهفة، وهو زعم كفيلةُ على تأكيده أيامنا الثكلى التي تمضغ قهراً جفافه.الأهداء:- إلى من أعيا عقدة حاجبيها حبر الألسنِ.. كم مرة ود أصبعي لو يشق له طريقاً بينهما.دافئ بنكهة المرارة حديثُ عن فقدان حنانها، وعذب علقم يسلب البال راحته ذكرىً لعبيرها ، كم مرةً أستنجد بالبوح ودنا يحميه جبروت الكتمان ، ليصدمه بوحنا براية إستسلامه، ووقوفه صاغراً يعض أنامل إستضعافه.. وبخيبة أمّر، يدرك ودنا أن كتمانه كان هو القدر ..وأن صمتنا هي اللغة التي ليس منها مفر.كم حيرتني أقلام عشقنا .... كيف لها خرست عن ودنا ؟ ... وكيف لها تنطق وتقر بهٍ وقد أعيا عقدة حاجبيها حبر الألسنٍِِِ..!ما كاد يقودني للجنون ..هو تلك اللوحة التي تقيم على وجهها تضاريساً ! كقمر ..نصفه حزين ونصفه مبتسم!بدر حزين وبدر مبتسم.. كم حاولت أن أفك عنه كل تلك الطلاسم ..وكل تلك الألغاز وأن أزيح عنه المعادلات السقراطية، وكل كل تلك العلامات الاستفهامية!كم مرةً .. نظرت إلى حاجبيها المعقودين، كم كانت عقدتهما تأسرني ولعلهما أكثر ماشدني إليها في لقائنا الأول، تلك العقدة التي طالما نام عليها إسترخاء كالراحة الأبدية، لم يقو على فهمها كل فلاسفة الكون.ما أشعرني بالأمان حينها هما تلك اللتان تقطنان أسفل منهما، وما آلمني هو مجرد التفكير في أنهما سيصبحان لغيري يوماً ما.ثمة ظاهرة في علم الفيزياء تدعى نظرية التجاوب تقول” عن أن هناك صوتاً ما يجعل القلب يخفق بشدة ..بالنسبة لي كان ذلك الصوت هو صوت ضحكاتك”.كم كاد يقتلني أحمر على شفتيها، لم يعلم أنه حرمني النوم يومها، كم حسدته كثيراً وكم غرتُ منه ..وذلك القلم الذي طالما تأبطته يسراها، كم نام على راحتيها، ودت يدي لو تبادله الأماكن.كانت طموحاتنا صغيرة على قدر مرتباتنا الشهرية، وكان يا ما كان يخصم منها كثيراً، تحت بند أنها تفيض عن أحتياجاتنا الشخصية ...مرةً نحلم بشراء أنبوبة للغاز، مرة مولد للكهرباء، ومرةً حوض لأسماك نستوردها من جزيرة صينية..! وأخيراً .. حلمُ صغير يدعى مزهرية لكي نضعها في غرفة نومنا تمنحها مزيداً من الجمال وبعضاً من الرومانسية.ولم تمر سوى أعوام، حتى شرفّنا تشرين بقدومه، عندها تمنيت أني لم أقترف حلماً، ولو أني لم أزينه بألوان هندية، عندما رحل آخذاً معه تلك الحورية..!أحمق أنت يا حظي العاثر! .. كيف تتركها مع تشرين تغادر؟ كثيرةً ..هي المرات التي أنفقت دموعاً على أطلالها، وكثيرة أيضاً المرات التي رفعت أقلامي لبارئها أكفها .. تشكوه مكر تشرين، وتخبره عن إبتسامةً كانت تخضب ليالينا، وتخبره أيضاً ماذا حل بأرض عشقنا التي نقشناها صمتاً بأيدينا.مسكينة.. هي الليالي التي أعيشها من دونك .. وأيضاً تلك المرآة فلم تعد تلقى من يقف أمامها يسألها عن سر جماله، و عن طول ضفائره.نساءُ الكون لن يقنعنني بأن لك مثيلاً بينهن، وكل أيام العمر لن تغريني بعيشها من دونك .كم حملتنا إليك السماء مرات يا ركننا المفضل، وكم كنت أميناً تكتم لنا الأسرار، وكم كنت رائعاَ ..ألم تبارك لنا لقاءنا الأول ،ألم ننقش عليك بيعتنا، ألم نتوجك بنياشين الحب ،عندها فقط لم ندرك قط.. أننا سنطفئ عليك شمعتنا الخامسة بلحظة وداع.. مصادفة قلمّا تتكرر بطعم السخرية، أٌجبرنا قهراً على تذوقها .لم تكن حكمةً ..أيها الحب أن تقترب وتهمس في أذنينا كل مساء، فتدنو منا لتلقننا ترتيلة للعشق، تدفينا تارةً وتارةً أخرى تبكينا ،فتحاصرنا كل هذه السنين ،وتعاهدنا ألفاً بالبقاء ونعاهدك ألفاً بالوفاء... ألم يكن حرياً بك أن تصدق معنا.؟ماذا بيدي أفعل ؟ منذ تركتني تملأ الكآبة خزانة ملابسي، وكل زوايا الغرفه، بت أتنفسها، أشربها، أتغطى به، وتقف سرابيل غربانها السوداء حائلاً بيني وبين نور الله الذي طالما كان يداعب وجهينا كل صباح.لم تعد حياتنا كما كانت من قبل ،محلقة في عوالم الخيال والجمال والنشوة.. بل صارت خراباً أبكي على ذكراها .. كما لم تعد أحزاني صامتةً صافيةً لها بعد جداري واحد.. بل تمتد وتتجسد وتأخذ حيّزاً في المكان.. تمد ذراعيها ..بل أذرعها العديدة في ألم مفرط وأسى عميق، وما القهر في صورته الأرقى إلاً ما حرك الدمع وأحرق لهيبه المقل وترك في النفس نزفاً لا تقوى على إيقافه.لا أملك أن أرى سوى السواد الذي تتخضب به أيامنا التي تمارس الحداد عزاءً على فراقك.. ولا أملك أيضاً أن أكتب عن شيء أخر سوى الحزن الذي يلازمني، فالسعادة والفرح والتفاؤل كلها ألفاظ كنا نعيشها قديماً أما الآن فقد فقدت صلاحيتها ...مفردات فرض أن نؤمن بها مع علمنا بأنها قّلما تتكررمرةً أخرى.كم أنت ظالمٌ.. وقاسٍ أيها الفراق، لم ترحم ربيعنا الخامس، ولم تكتف بذلك بل مازلت تعدنا بمزيد من القسوة.آه ..لو تعلم كم أتعبتني ومازالت تتعبني نزاوتك وتصرفاتك الطائشة ..كم مرةً تقيأت حماقاتك دفعةً تلو أخرى، ومازلت تغدق علي العطاء حد الثمالة.مذ قرر لي أن أعيش حبي بمفردي، وأن لا أشاطره أحداً، أصبح الآلم هو الكأس الذي أحب أن أشرب، وهكذا تعودت جراحي أن تتغلب على آلامها بمزيد من الألم.بالنسبة لي لابد أن يمر وقت طويل قبل أن أنسى، إن كان يمكن أن أنسى ملامح نقشت لها صرحاً بالقلب ...فليكن ذكرك واجباً مقدساً.قليلٌ هم العاشقون في أنحاء الأرض، وقليلٌ هم الذين يختارون الطريق الصعب في أبداع آلامهم، قٌدر لي أن أكون واحداً منهم الذين أختاروا البقاء رفضاً لنسيانهم.أما أذا رآني أحدهم عاشقاً مبالغاً يسبغ على من يحب وما يحب صفات ليس يستحقها ،فليتقن طقوساً للحب كاملةً، ثم فليقابلني خلف قضبانه،ليصدقني الخبر، وأحسبهٌ يفعلها لو أنه أخلص للمحب، الحب وللحب التقدير.وآآآآه...آه ياتشرين!.